«قبول مشروط» للهدنة بـ48 ساعة.. والهدوء يسود جبهات سوريا خلال الساعة الأولى

مدفوعة بأولوية «إيصال المساعدات».. الفصائل تمنحها «فرصة» لمراقبة التزام النظام وروسيا

المسؤول العسكري الروسي سيرغي رودسكوي تحدث أمس من مقر وزارة الدفاع في موسكو حول الوضع في سوريا معلنا أن وقف إطلاق النار سيشمل جميع الأراضي السورية (أ.ب)
المسؤول العسكري الروسي سيرغي رودسكوي تحدث أمس من مقر وزارة الدفاع في موسكو حول الوضع في سوريا معلنا أن وقف إطلاق النار سيشمل جميع الأراضي السورية (أ.ب)
TT

«قبول مشروط» للهدنة بـ48 ساعة.. والهدوء يسود جبهات سوريا خلال الساعة الأولى

المسؤول العسكري الروسي سيرغي رودسكوي تحدث أمس من مقر وزارة الدفاع في موسكو حول الوضع في سوريا معلنا أن وقف إطلاق النار سيشمل جميع الأراضي السورية (أ.ب)
المسؤول العسكري الروسي سيرغي رودسكوي تحدث أمس من مقر وزارة الدفاع في موسكو حول الوضع في سوريا معلنا أن وقف إطلاق النار سيشمل جميع الأراضي السورية (أ.ب)

استمرت المباحثات والاجتماعات المكثفة بين أطراف المعارضة السياسية والعسكرية حتى الساعات الأخيرة التي سبقت موعد سريان الهدنة في سوريا عند الساعة السابعة من مساء أمس، قبل أن يعلن مصدر في المعارضة موافقة الفصائل عليها مع بعض التحفظات على بنودها، وذلك بعد اجتماع طارئ لقادتها عقد بعد الظهر.
ووصف مصدر بارز في «الهيئة العليا التفاوضية» الوضع بـ«المعقد»، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «نعيش حالة ترقب في ظل غياب أي مؤشرات على إمكانية التزام النظام وروسيا بها، واستمرار القصف طوال ساعات اليوم (أمس)، إضافة إلى غموض في تفاصيل الاتفاق»، مشيرا إلى أن الفصائل ستمنح الهدنة فترة يومين لمعرفة مدى تجاوب الطرف الآخر والتزامه بها، مع احتفاظها بحق الردّ، وبعد ذلك يبنى على الشيء مقتضاه.
من جهته، أكد الائتلاف الوطني تعامله معها بشكل إيجابي مطالبا بآليات لمراقبتها. وقال في بيان له: «إن الجيش الحر وفصائل الثورة ستتعامل بإيجابية مع الهدنة وهي تملك حق الدفاع عن الشعب والثورة في حال قيام النظام وحلفائه بأي عدوان، وستعتبرها أعمالا مناقضة للاتفاق تستوجب الرد».
وساد الهدوء معظم الجبهات في سوريا خلال الساعة الأولى لبدء الهدنة، بحسب ما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، وأعلنت روسيا أن وقف إطلاق النار سيشمل جميع الأراضي السورية، إلا أنها، بحسب المسؤول العسكري الروسي سيرغي رودسكوي، ستستمر في ضرب «أهداف إرهابية»، في حين قال النظام السوري إنه سيلتزم بها 7 أيام وسيحتفظ لنفسه بحق الرد على الخروقات.
وكانت الهيئة العليا للمفاوضات قد طالبت صباح أمس، بضمانات حول تطبيقه مشككة بالتزام النظام، فيما رحّبت وحدات حماية الشعب الكردية به مؤكدة التزامها بوقف الأعمال العدائية.
ونحو الساعة السادسة من مساء أمس، أي قبل موعد بدء الهدنة بساعة واحدة، قال مصدر لوكالة «رويترز» إن الفصائل المعارضة الرئيسية اتخذت قرار الالتزام بالهدنة رغم التحفظات الشديدة والملاحظات المتعلقة بالاتفاق. وذكر المصدر أنه جرى إبلاغ الولايات المتحدة بالموافقة بالفعل.
وأشار المصدر إلى أن البيان سيحظى بدعم الجماعات الأكبر، وبينها أحرار الشام وهي الجماعة المتشددة التي انتقدت الاتفاق علانية. وأضاف أن «استهداف جبهة فتح الشام ومعاملتها بطريقة مختلفة عن الجماعات الشيعية المدعومة من إيران، والضغط علينا، وتوقع أننا سنقبل بحزمة تتضمن قصف (فتح الشام)، سيخلق مشكلات داخلية كثيرة، وهذا يحدث بالفعل على الأرض وهناك كثير من التوتر».
وشدّد: «نريد استبعاد أي احتمال لمواجهة داخلية، بالقول بوضوح، بأننا لا نوافق أو ندعم فكرة استهداف (فتح الشام)، لأن الجانب الآخر لديه جماعات ينطبق عليها التصنيف ذاته، لكنها تتحرك بحرية وبغطاء داخل سوريا».
وأكد أن الجماعات المسلحة ستواصل العمل مع (جبهة فتح الشام) لأنه من المستحيل فصل القوات التي تحارب جنبا إلى جنب. وقال: «من وجهة نظرنا هذا هو النشاط المعتاد ولم يتضح بعد كيف ستتعاون الولايات المتحدة وروسيا في استهداف الجماعات المحظورة».
وأكّد أسامة أبو زيد، المستشار القانوني للجيش الحر، أنه حتى قبل وقت قصير من بدء موعد الهدنة، كانت المعارضة مستمرة في معاركها، ولم يكن هناك أي قرار لقادة الجبهات بالاستمرار أو التوقف عن القتال. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن الجميع يعيش حالة ترقّب لا سيما لناحية مدى التزام النظام وروسيا بالهدنة، مع التأكيد أن الفصائل متفقة على أهمية إيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، وبالتالي فإن أي قرار سنأخذه سيكون الأولوية فيه هو لإيصال المساعدات، وهو الموضوع الذي أخذ حيزا كبيرا من المباحثات وكان السبب الرئيسي في عدم التعامل بسلبية شاملة مع الاتفاق والتمهل قبل إصدار أي قرار حاسم». ولفت أبو زيد إلى تحفظات المعارضة التي ترتكز بشكل أساسي على صعوبة فصل مناطق «جبهة فتح الشام» عن فصائل المعارضة، إضافة إلى تجاهل الفصائل الأجنبية التي تقاتل إلى جانب النظام، ومحاولة العمل على التغيير الديموغرافي في حلب. وأضاف: «كذلك علينا معرفة الجهة التي ستملأ الفراغ مكان (فتح الشام) التي نص الاتفاق على استهدافها، وهو الأمر الذي سيستفيد منه النظام، إضافة إلى المعايير التي اتبعت لتكون موضع استهداف إلى جانب (داعش)، علما بأنه لم يتم إعادة تصنيفها بعد إعلان انفصالها عن (القاعدة)، وهذا التصنيف يجب أن يكون بناء على قرار من مجلس الأمن وهو ما لم يحدث».
وقال المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات، سالم المسلط، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «رد الهيئة العليا للمفاوضات مبني على المشاورات مع المكونات السياسية وفصائل الجيش الحر».
وأضاف: «نريد أن نعرف الضمانات، وآلية تطبيق هذه الاتفاقية، ما التصنيف الذي تم اعتماده بالنسبة للإرهاب، وما الرد على المخالفات؟». وشكك في التزام النظام السوري بالاتفاق، مشيرا إلى أن النظام وحليفته موسكو يعتبران «جميع فصائل الجيش الحر إرهابا».
وقال: «لا خلاف على (داعش)، والتشدد مرفوض أيضا في سوريا. ولكن المشكلة في أن تعتبر فصائل مقاومة إرهابية، أنا أتحدث عن فصائل معتدلة، فيما تستثنى الفصائل الإيرانية و(حزب الله) المصنف إرهابيا على قائمة الإرهاب الأميركية».
وبموجب الاتفاق، يمتنع النظام السوري، الذي أعلن التزامه في الاتفاق، عن القيام بأي أعمال قتالية في المناطق التي تتواجد فيها المعارضة المعتدلة، التي سيتم تحديدها بدقة وفصلها عن المناطق التي تتواجد فيها «جبهة فتح الشام».
كما ينص على وقف كل عمليات القصف الجوي التي يقوم بها النظام في مناطق أساسية سيتم تحديدها، ووقف، خصوصا، القصف بالبراميل المتفجرة واستهداف المدنيين. فيما تلتزم المعارضة باتفاق وقف الأعمال القتالية. ويمتنع الطرفان عن شن هجمات وعن محاولة إحراز تقدم على الأرض. ومن أبرز نقاط الاتفاق إدخال مساعدات إنسانية إلى المناطق المحاصرة التي يصعب الوصول إليها، بما فيها حلب.
وبعد مرور سبعة أيام على تطبيق وقف الأعمال القتالية وتكثيف إيصال المساعدات، تبدأ الولايات المتحدة بالتنسيق مع الروس تنفيذ ضربات جوية مشتركة ضد «جبهة فتح الشام» وتنظيم داعش.
مع العلم، أن نائب الأمين العام لـ«حركة أحرار الشام»، علي العمر، كان قد أعلن أن الاتفاق «لا يحقق أدنى أهداف شعبنا الثائر وهو ضياع لكل تضحياته ومكتسباته، وهو توافق يسهم في تثبيت النظام وتطويق الثورة أمنيا وعسكريا»، مشيرا إلى رفض الحركة للبند الذي تتعهد بموجبه واشنطن بإقناع فصائل المعارضة بفك تحالفها مع «جبهة فتح الشام». وبعد ساعات على إعلان العمر، عاد المتحدث باسم «أحرار الشام» أحمد قره علي، ليؤكد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن «الحركة لم تتخذ موقفا من الاتفاق، وسيَصدر بيان يوضح الموقف بشكل كامل، والمشاورات مستمرة مع الفصائل الأخرى». وتوصلت الولايات المتحدة وروسيا إلى اتفاق لوقف النار في سوريا نهاية فبراير (شباط) الماضي سقط بعد شهرين على بدء تطبيقه. واعتبر استثناء «جبهة النصرة» من الاتفاق السابق أحد أهم أسباب عدم نجاحه نتيجة تحالفها مع فصائل أخرى.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.