يسري نصر الله: قليل من «الماء والخضرة والوجه الحسن»

من «الماء والخضرة والوجه الحسن»
من «الماء والخضرة والوجه الحسن»
TT

يسري نصر الله: قليل من «الماء والخضرة والوجه الحسن»

من «الماء والخضرة والوجه الحسن»
من «الماء والخضرة والوجه الحسن»

لم يحظَ فيلم يسري نصر الله الجديد «الماء والخضرة والوجه الحسن» بكثير من الإعجاب النقدي في مصر أو بين النقاد الغربيين الذين تناولوه خلال عرضه في مسابقة مهرجان لوكارنو الأخير.
كذلك خرج من المسابقة من دون جائزة وهي خضّة ملحوظة الأثر بالنسبة لمخرج جاد في اتجاهه الفني ومعروف في المحافل الأوروبية على صعيد أو آخر.
لكن اللوم يقع على صانع الفيلم الذي تبنّى سيناريو (كتبه أحمد عبد الله) هائم بين عدّة رغبات: هو بين التسلية والمرح، وطرح جاد ما. بين تلبية رغبة منتج معروف يصر على أن تأتي أفلامه ترفيهية، وما يخلقه ذلك من مأزق على صعيد مخرج سبق له وأن قدّم أفلامًا تخصّه أكثر.
الحكاية تدور حول عائلة (من أب وولديه) تعمل في حقل إعداد الطبخ في المناسبات الاحتفالية خصوصًا مناسبات الأعراس. أكثر من نصف مدة العرض (نحو ساعتين) مخصص لما يقع في يوم الزفاف من مواقف ومجابهات عاطفية في الوقت الذي يحاول فيه أحد رفاق الأمس شراء البيت والأرض العائدين لعائلة الطبّاخ لإنشاء مصنع للأغذية. هذه وحدها حبكة شبه دائمة في كل مرّة هناك من يحاول شراء عقار سكني ليهدمه ويبني عليه أحلامه.
في الدقائق الثلاثين الأخيرة أو نحوها يعتّم المخرج عدسته أكثر. يبني جوًّا إنسانيًا بعمق أفضل مما سبق، لكنه ما يلبث أن يلغي كل شيء عبر نهاية متسارعة وكاريكاتيرية.

* سرقات صيفية وما بعد

يسري أفضل من كل ذلك في الصميم ولو أن بعض أفلامه تنجح في التأكيد على ذلك. بدأ بسرد حكاية حميمية جيدة واكب فيها ذكريات حانية لفترة الصبا عنوانه «سرقات صيفية» وذلك سنة 1988. ثم صنع «مرسيدس» 1993 الزاهي بألوانه ومعالجته اللينة لموضوع يدور في بيئة القاهرة اليومية. «صبيان وبنات» (1995) كان أقل نجاحًا من سابقيه، لكنه عاد بعمل فوق المتوسط عنوانه «المدينة» (1999). مع «باب الشمس» في جزأين طويلين، خاض غمار الاقتباس الأدبي بنجاح فني جيد. الرواية، لإلياس خوري، وتسرد الموضوع الفلسطيني عبر سنوات انقضت ما بين النكبات والهزائم والتشتت السكاني وتبعاته.
هذان الفيلمان (تم تصويرهما كفيلم واحد ثم حمل كل منهما عنوانًا ثانويًا هما «الرحيل» و«العودة») كانا مفاجئين من حيث إن المخرج قرر، بنجاح، أن يبتعد عما هو ذاتي ويقدم على نوع من التأريخ المروي. لكن عندما عاد إلى تلك المواضيع الاجتماعية المصرية في «جنينة الأسماك» و«احكي يا شهرزاد» (2008 و2009 على التوالي)، نجح في اختيار الموضوع، كالعادة، لكنه أخفق في المعالجة فإذا بها مشتتة في اهتماماتها ومحدودة النتائج فيما هدفت إليه. ثم بلغ الأمر قدرًا من التساهل غير المعذور في فيلمه «بعد الموقعة» الذي نجح في أمر واحد فقط هو دخول عروض مهرجان «كان» الرسمية سنة 2012.
«الماء والخضرة والوجه الحسن» فيه، بصريًا، القليل من الماء والقليل من الخضرة وباستثناء ليلى علوي ومنة شلبي، خال من الوجوه الحسنة.
في أفلام سويسرية ودنماركية وأميركية (يكفينا مثلاً أفلام لألان تانر وروبرت ألتمن) تحوّلت مناسبة كأعياد الميلاد أو كمناسبات لقاء بين عدد من أصدقاء الأمس، إلى مكاشفات نفسية وعاطفية أعمق مما نشاهده هنا، لكن كاتب السيناريو لا يبدو أنه شاهد منها شيئًا أو شيئا يذكر. مَحوَر نصّه على الجاهز من الأفكار مثل وقوع باسم السمرة (بوجه متعب) في حب ليلى علوي، خطيبته منى شلبي في حب شقيقه أحمد داود، وجهل كل من علوي وداود بأن هناك من يحبهما إلى حين ما بعد انتهاء الميلودراما التي يوزعها الفيلم بين الكوميديا والعاطفة وجولات الرقص البلدي.
لكن انصراف يسري لإجادة نقل الحدث من واقعه البيئي وانسياب معالجته مشهودان، مما يؤكد أنه مع قليل من البذل والكثير من الحزم كان يستطيع إنجاز فيلم أعلى مستوى مما وصل إليه.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.