يبقى لحم الضأن سيد المائدة في يوم عيد الأضحى، في يوم فرحة الحجاج بإتمام أداء نسكهم وفرحة بقية الناس بحلول يوم العيد. وكما يجد المرء لذة الطعم بتناول لحوم الضأن، على الجسم أن يجد لذته هو أيضًا بتناول تلك اللحوم عبر إعدادها وطهوها بطرق صحية، كي ينال الجسم مزيدًا من الصحة والعافية والنشاط. ومع متعة الروح، تكتمل متعة الجسم بمراجعة بعض النقاط الصحية المهمة لتناول لحوم الضأن ليكون شكر النعمة ممزوجًا بحرص على سلامة صحة الجسم الذي صحته وسلامته هما بالفعل من أعظم النعم علينا.
لحوم المرعى
لحوم الضأن من أفضل مصادر النوعية العالية الجودة من البروتينات، وهي غنية بالمعادن والفيتامينات، وتحتوي على نوعية صحية وجيدة من الدهون، ولكن كل ذلك حينما يكون تناولها بطريقة صحية من لحوم الضأن تلك التي تغذت على أعشاب المراعي والبراري، والتي تم إعداد وطهو لحمها بطرق صحية.
ووفق تعريف «لحوم المرعى» الصادر في تحديث 2010 للبرنامج العضوي الأميركي القومي U.S. National Organics Program فإن ضأن المرعى هو الذي تغذى لمدة 120 يوما على أعشاب المراعي Pasture Feeding خلال الرعي فيها. وكان عدد من الدراسات الأسترالية، حيث يكثر تناول لحم الضأن مقارنة بالولايات المتحدة مثلاً، قد لاحظت في نتائجها أن صغار الضأن التي تم تغذيتها بالعشب الطبيعي Pasture - Fed Lamb تحتوي في لحوم منطقة الخاصرة منها على كمية من دهون أوميغا - 3 Omega - 3 Fat بنسبة مقاربة ومثيرة للدهشة لمثيلاتها في بعض أنواع البذور الدهنية وفي لحوم أنواع عدة من الأسماك. ومعلوم أن الأسماك هي من أعلى مصادر دهون أوميغا - 3 أو ما يُعرف بزيت السمك.
ولاحظت تلك الدراسات أن كمية دهون أوميغا - 3 في الحملان التي تغذت على أعشاب المرعى الطبيعي هي أعلى بمقدار 3 أضعاف الكمية الموجودة منها في لحوم الحملان التي تغذت على أنواع الأعلاف الصناعية. وتحديدًا، تحتوي الأونصة (غراما تقريبا) من لحوم خاصرة الحملان التي تغذت على العشب الطبيعي على كمية دهون أوميغا - 3 بمقدار 40 مليغراما، وهي ما تعادل 50 في المائة من كمية دهون أوميغا - 3 الموجودة في الوزن نفسه من أسماك القد أو التونا، وتعادل 70 في المائة من كمية دهون أوميغا - 3 الموجودة في الوزن نفسه من بذور السمسم النباتية.
دهون أفضل
كما أفادت هذه المجموعة من الدراسات الطبية الصادرة عن الباحثين الأستراليين، أن نسبة كمية الدهون المشبعة Saturated Fat في جسم الضأن الذي تغذى على عشب المرعى، لا تتجاوز كميتها نسبة الثُلث، والبقية هي دهون غير مشبعة وصحية، منها نسبة عالية من دهون أوميغا - 3 والدهون الأحادية غير المشبعة Monounsaturated Fat. أي أن لحوم تلك الحملان تحتوي على نوعية من الدهون المماثلة لتلك الدهون التي يتميز بها زيت الزيتون، وتحديدا أفادت دراسات الباحثين الأستراليين أن نسبة الدهون الأحادية غير المشبعة في الضأن الذي رعى بالصفة المتقدمة وتناول الأعشاب الطبيعية، قد تبلغ نحو 40 في المائة من نسبة الكمية الكلية للدهون الموجودة في جسم الضأن. أي أننا نتحدث عن ضأن تناول العشب الطبيعي دون الأعلاف المكونة من مواد مختلطة للبروتينات النباتية والحيوانية وغيرها من الحبوب والبقول والمقويات الصناعية والمضادات الحيوية، وضأن قام بشكل يومي بالسير والحركة والتنقل خلال الرعي لتناول العشب. كما تحتوي لحوم تلك النوعية من الضأن، ذي المرعى الطبيعي، على أحماض فاسينك Vaccenic Acid التي تسهم في بناء أحماض لينوليك Linoleic Aci) CLA) ضمن مجموعة دهون أوميغا - 6. التي تقلل من خطورة الإصابة بأمراض شرايين القلب.
وكانت كثير من الدراسات الطبية، التي تناولت بالبحث مواضيع الكولسترول والدهون وأمراض شرايين القلب والدماغ، قد لاحظت عدة حقائق طبية من أهمها أن تقليل تناول الدهون المشبعة وإحلال الدهون غير المشبعة بديلاً لها في الطعام اليومي والحرص على تناول المنتجات الغذائية الغنية بدهون أوميغا - 3 الطبيعية، هي كلها عوامل تُسهم في تحسين صحة القلب والشرايين وفي خفض ارتفاع الكولسترول الخفيف الضار وفي خفض ارتفاع ضغط الدم وتقليل احتمالات حصول اضطرابات نبض القلب وغيرها من الفوائد الصحية التي تفيد عمل ونشاط الدماغ ونضارة صحة البشرة وشعر الرأس وغيرها.
قيمة غذائية
وعلى أرض الواقع، تنبع القيمة الغذائية العالية للحوم الضأن من احتوائها على عدد من المعادن والفيتامينات، التي منها فيتامين بي - 12 وفيتامين بي - 1 وفيتامين بي - 2 وفيتامين بي - 3 وفيتامين بي - 6، إضافة إلى مواد بايوتين Biotin ومواد كولين Choline، التي وفق ما تشير إليه المصادر الطبية عناصر مفيدة في خفض معدلات مواد هوموسيستين، أحد المواد الكيميائية التي تتكون في الجسم والتي لها دور سلبي في ارتفاع احتمالات حصول تصلب الشرايين القلبية وارتفاع احتمالات تكون التضيقات فيها بفعل تراكم الكولسترول والدهون داخل جدرانها. إضافة إلى التأثيرات الصحية على القلب لدهون أوميغا - 3 ودهون أوميغا - 6 التي تتوفر في لحوم الحملان التي تغذت على أعشاب المراعي الطبيعية.
وبشيء من التفصيل، تحتوي كمية لحم الضأن الهبر بوزن 4 أونصات من منطقة الخاصرة أو الفخذ، أي نحو 113 غراما، على نسبة 110 في المائة من نسبة الاحتياج اليومي لمادة تريبتوفان، وكمية نحو 30 غراما من البروتينات السهلة الهضم مقارنة ببروتينات لحوم حمراء أخرى، أي تلبي 60 في المائة من احتياج الجسم من البروتينات. وتحتوي على 50 في المائة من احتياج الجسم اليومي من معدن السيلينيوم، وعلى 40 في المائة من فيتامين بي - 12. وعلى 38 في المائة من فيتامين بي - 3. وعلى 35 في المائة من معدن الزنك، وعلى 23 في المائة من معدن الفوسفور، وعلى 20 في المائة من معدن الحديد، وعلى 15 في المائة من معدن النحاس، كما أن بها نحو 9 غرامات من الدهون المشبعة، و10 غرامات من الدهون الأحادية غير المشبعة، ونحو 90 مليغراما من الكولسترول، ومعلوم أن الحد الأعلى لتناول الكولسترول هو 300 مليغرام في اليوم. وكمية الأربع أونصات لحم ضأن بها كمية 230 كالوري السعرات الحرارية، وبها كمية من الماء تبلغ 70 غراما.
وما تقدم هي كلها عناصر غذائية ضرورية، وعلى سبيل المثال، فيتامين بي - 12 عنصر أساسي في عملية تكوين خلايا الدم الحمراء ومركب الهيموغلوبين، ونقصه يُؤدي إلى أحد أنواع فقر الدم. كما أنه عنصر أساسي في عملية تكوين الدي إن إيه DNA، وعنصر أساسي في سلامة الخلايا العصبية وغلافها المُسرع لنشاط عملها؛ ولذا تظهر أعراض عصبية عند نقصه، إضافة إلى دوره في عمليات تنشيط تنفس الخلايا وإنتاجها الطاقة واستخدامها الأوكسجين. وعلى سبيل المثال أيضًا، فإن الحديد المتوفر في لحوم الضأن يسهل على الأمعاء امتصاصه واستفادة الجسم منه في إنتاج هيموغلوبين خلايا الدم الحمراء، المُركب المسؤول عن تسهيل حمل خلايا الدم الحمراء للأوكسجين. ومعدن الزنك شيء آخر، ذلك أنه أساسي في عدد من العمليات بالجسم، التي من أهمها نشاط وقوة عمل جهاز مناعة الجسم، وهو عنصر أساسي في عملية إنتاج هرمون الذكورة Testosterone وهرمون الأنسولين، وفي عمليات انقسام الخلايا خلال مراحل النمو والأهم خلال مراحل التئام الجروح، وأيضًا في تفعيل حاسة الشم والتذوق، وفي منع الإصابة بهشاشة العظم وغيرها من العمليات الحيوية بالجسم. وتجدر ملاحظة أن لحم «موزات» الساق أو الذراع تحتوي على ربع كمية الدهون الموجودة في لحم الخاصرة أو الفخذ.
مركبات مفيدة
وإضافة إلى تلك المعادن والفيتامينات، تحتوي لحوم الضأن على مركبات كيميائية أخرى، منها مركب كرياتين Creatine وهو مركب أساسي كمصدر للطاقة في العضلات، وثمة كبسولات دوائية يتناولها الرياضيون لهذه المادة، ومركب تاورين Taurine الذي هو حمض أميني مضاد للأكسدة تتميز مشروبات الطاقة باحتوائها عليه، وثمة تجارب طبية عليه في تنشيط ومعالجة حالات ضعف القلب. ومركب غلوتاثايون Glutathione المضاد للأكسدة وهو مركب غنية به على وجه الخصوص لحوم الضأن التي تغذت على أعشاب المرعى مقارنة بالضأن الذي تغذى على العلف الصناعي.
ومع كل ما تقدم من عناصر لتوضيح القيمة الغذائية العالية للحوم ضأن المراعي الطبيعية، ومع كل ما نعلمه من حديث عن أضرار الكولسترول والدهون المشبعة ومن ضرورة تقليل تناول اللحوم الحمراء، يبقى السؤال الأهم: كيف نتناول لحم الضأن ونستفيد منه صحيًا دون أن يكون سببا في حصول اضطرابات مرضية بالجسم؟
والإجابة باختصار هي في «انتقاء النوعية» و«اعتدال الكمية» و«الإعداد الصحي» للحم المُراد تناوله ضمن تناول وجبات طعام معتدلة في كمية السعرات الحرارية وغنية بالفواكه والخضار والبقول وحبوب القمح غير المقشرة ومشتقات الألبان والزيوت النباتية الطبيعية غير المهدرجة صناعيًا. وبشيء من التفصيل حول عنصر «انتقاء النوعية» تقدم الحديث عن أن نوعية لحوم الضأن التي تمت تغذيتها بالعشب الطبيعي في المرعى هي الأفضل من نواحي القيمة الغذائية.
* تناول اللحوم وطريقة الطهو
* ومن ناحية «اعتدال الكمية» فإن مصادر التغذية الصحية وإرشادات التغذية الصحية الصادرة عن الهيئات الطبية العالمية المعنية بالتغذية وبصحة القلب تشير إلى أن تناول اللحوم الحمراء يكون صحيًا حينما يتم تناول كمية من اللحم الهبر Lean Meat، المُزالة عنها طبقة الشحوم البيضاء المرئية، بكمية أقل من نصف كيلوغرام في الأسبوع، ولو تم تقسيمها إلى وجبتين في الأسبوع بحجم ما يُوازي مجموعتين من ورق الكوتشينة فإنه أفضل صحيًا. و«الإعداد الصحي» يشمل عددا من العناصر المتعلقة بنظافة اللحم، وبإزالة الشحوم عنها، وبطهوها بشكل تام حتى الأجزاء الداخلية لقطع اللحم. وعلى سبيل المثال، فإن طهو لحم الضأن بطريقة الشواء يتطلب مراعاة الإرشادات الصحية التالية:
- إزالة قطع الدهن قدر الإمكان عن قطع اللحم المراد شواؤها وذلك بغية تقليل تناول الشحوم التي تضر القلب والأوعية الدموية وبغية تقليل احتمالات تكوين المواد والغازات الضارة بفعل حرق الدهون على قطع الجمر عند سقوط الدهون عليها.
- تقطيع اللحم قطعا صغيرة نسبيًا لتسهيل نضج اللحم بسرعة ولتقليل مدة تعرض اللحوم لحرارة الجمر خلال عملية الشواء، وأيضًا لتمكين التوابل وغيرها من التغلغل في قطع اللحم والتفاعل معها لتطريتها وحمايتها.
- تتبيل اللحم بالخل أو الليمون أو الروزماري أو مرق الترياكي أو مزيج من الكركم والثوم أو بعصير أحد أنواع الفواكه الطازجة كالرمان أو الكرز، وذلك بغية تقليل فرص تفحم اللحم أثناء الشواء.
- استخدام الحطب أو الفحم النباتي وتجنب الفحم الصناعي الحجري، وذلك لعدة أسباب منها أن جمر الحطب بالذات تصدر مع دخانه مواد طبيعية مضادة للأكسدة، أما الفحم الحجري فتتطاير منه غازات سامة ودرجة حرارته أعلى من الحطب أو الفحم النباتي.
- تقليل كمية الجمر المستخدم وإبعاده عن اللحم كي لا يتعرض لحرارة عالية.
- تجنب بقاء اللحم مدة طويلة فوق الجمر أثناء الشواء.
- الحرص على تصفية اللحم وتجفيفه تماما من الماء أو من خلطة المرق التي نقعت فيه قبل الشواء.
- العمل على حماية قطع اللحم من حرارة الجمر المباشرة بوضع قطع من الخضار كالفلفل البارد أو الطماطم أو غيرها مما يفضله كل إنسان.
* استشارية في الباطنية