مهرجان «من فات قديمه» في القاهرة يعرض جماليات الحرف الأصيلة

يجتذب فئات عديدة من الزوار المصريين والعرب والأجانب

فن النقش على النحاس  -  جانب من المنتجات التراثية في المهرجان ({الشرق الأوسط})
فن النقش على النحاس - جانب من المنتجات التراثية في المهرجان ({الشرق الأوسط})
TT

مهرجان «من فات قديمه» في القاهرة يعرض جماليات الحرف الأصيلة

فن النقش على النحاس  -  جانب من المنتجات التراثية في المهرجان ({الشرق الأوسط})
فن النقش على النحاس - جانب من المنتجات التراثية في المهرجان ({الشرق الأوسط})

بهدف التعريف بالحرف التقليدية وإحيائها؛ والفنون اليدوية وخاماتها، يأتي مهرجان «من فات قديمه تاه»، في دورته السادسة، والذي يحتضنه بيت السناري الأثري بحي السيدة زينب في القاهرة؛ والتابع لمكتبة الإسكندرية.
ففي هذا البيت الأثري، حيث يطل التاريخ المعماري بوجهه عبر المشربيات والديكورات التاريخية، يجتمع على مدار أسبوع عدد من الفنانين والحرفيين والموهوبين المصريين والعرب، الذين يقومون بصناعة منتجاتهم أمام الجمهور، ويستعرضون مواهبهم ومنتجاتهم المختلفة، وهو ما يجتذب فئات عديدة من الزوار المصريين والعرب والأجانب، سواء للتعرف على الموهوبين عن قرب، أو مشاهدة المنتجات التقليدية التي لا يعرفونها، أو لتخليد ذكرياتهم بلقطات من الصور التذكارية بجوار هذه المنتجات التراثية.
«الشرق الأوسط» تجولت في جنبات المعرض وتوقفت أمام منتجات العارضين لمعرفة كل فن أو حرفة عن قرب.. البداية كانت مع مجموعة من أطباق الزينة والفازات المصممة عن طريق فن الحفر على الخشب، ومن خلفها تقف صاحبتها الشابة العشرينية ولاء رشدي، التي تمارس هذه الهواية منذ 16 عاما، وعنها تقول: «أنا من عشاق فن الحرق على الخشب، وأعمل على إنتاج أطباق زينة وفازات لتزيين المنزل، وأحاول فيها أن أشكل مزيجا رائعا بين حداثة الحاضر وروعة الماضي، لإضافة شكل رائع في الديكورات».
وتضيف: «أشارك بالمهرجان للمرة الأولى بهذه المجموعة من الأعمال اليدوية الخشبية، حيث أرى فيه الفرصة لتوثيق العلاقة بين المبدعين من ناحية، ومن ناحية أخرى تعريف الجمهور زوار المهرجان بأصحاب الحرف والمواهب اليدوية، خاصة بين فئة الشباب، كونهم أكثر زوار المهرجان». ويهدف مهرجان «من فات قديمه تاه» إلى التنوع في العارضين مما يفيد زوار المهرجان في المقام الأول، ففي أحد الأركان يتجاور عارضو النوبة والسودان، وهو الجانب الذي يجتذب عددا كبيرا من الزوار. لتخليد ذكرياتهم فيها بلقطات من الصور التذكارية.
تقول العارضة الأسوانية رضا عبيد: «أعمل في منتجات الكروشيه منذ 45 عاما، وأنتج على وجه الخصوص الوشاح والبلوزات، إلى جانب الإكسسوارات المستوحاة من وحي البيئة النوبية، وهي المنتجات التي تجتذب عددا كبيرا من السيدات والفتيات»، لافتة إلى أن طبق الزينة المسمى (وليل) يجتذب كثيرات، كونه بألوانه المتنوعة يستخدم لتزيين الحوائط، أو يستخدم في وضع المأكولات في المناسبات المختلفة.
ووصفت «عبيد» مشاركتها الأولى في المهرجان بالتجربة الناجحة وذلك خلال أيام المهرجان الأولى، والتي تشهد إقبالا كبيرا، متوقعة استمرار التدفق الكبير من الزوار حتى آخر يوم به، وهو ما يشجعها على الاشتراك في الدورات المقبلة للمهرجان.
جناح السودان هو أحد الأجنحة المميزة بالمهرجان.. تقول العارضة السودانية زينب علي: «العام الماضي كان السودان ضيف شرف مهرجان (من فات قديمه تاه)، وقد كانت المشاركة ناجحة، وهو ما شجع المركز السوداني على تطوير سيدات الأعمال (فرع القاهرة) للمشاركة هذا العام، للسنة الثانية على التوالي»، موضحة أن منتجات السودان تلقى إقبالا كبيرا، نظرا لتنوعها، «ما يعمل على نقل ثقافتنا وتراثنا، والتفاعل معه اجتماعيا، وهو ما يصب في صالحنا بلا شك».
وتبين أن أهم ما يقدمه جناح بلدها هو الحناء والبخور، الذي تقبل عليه المصريات من زائرات المهرجان، أما المأكولات فتتمثل في الويكة والبكوة، بينما المشروبات فأهمها الكركديه والقهوة السوداني (الجَبَنة).
من أهداف «من فات قديمه تاه» إتاحة الفرصة للحرفيين للتعريف يحرفتهم للجمهور عبر العروض الحية، وهو الهدف الذي أثبتت نجاحه على مدار خمس دورات سابقة للمهرجان، حيث يعد عنصرا جاذبا للزوار، الذين يتوافدون لمشاهدة العارضين مثل الموهوبات في الأعمال اليدوية، أو مشاهدة نقّاش النحاس، وهو يحفر بأنامله على قطعة نحاسية، والذي يعطي الفرصة للزائرين للإمساك بأدواته وممارسة مبادئ النقش عبر التعليمات التي يوجهها لهم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».