الإرهاب وخراب المعنى

داء البشرية الذي لم نستطع معالجته على الرغم من دعوات التسامح والتنوير الفلسفي

الإرهاب وخراب المعنى
TT

الإرهاب وخراب المعنى

الإرهاب وخراب المعنى

يعتبر العنف ظاهرة ملازمة للإنسان وللتاريخ، ويتطور بتطور الإنسان. وقد يتخذ أشكالا متعددة، ترتبط بطبيعة المناخ البشري، وبعلاقات القوى والسيطرة في العالم. فالمعنى ظاهرة إشكالية بامتياز. إذ بقدر ما هو مدمر للإنسان، بقدر ما يلعب دورا أساسيا في صنع التاريخ البشري، بقدر ما يشكل تهديدا حقيقيا لمصير الإنسانية. وبقدر ما يعتبر أساسا لتثبيت السلطة السياسية بقدر ما يمكن أن ينقلب ضدها.
إن العنف، هو داء البشرية الذي لم تستطع الحد من انتشاره، على الرغم من دعوات التسامح الديني ومن التنوير الفلسفي، وعلى الرغم من تناسل الخطابات، وتناسل المنظمات الداعية إلى احترام حقوق الإنسان.
ويشكل الإرهاب ذروة العنف. فهو رعب ضد رعب، ينتشر في كل مكان، حيث بات الهاجس المقلق والمربك لكل المجتمعات والدول. إنه الظل المرافق لكل نسق من الهيمنة. وليس ثمة خط فاصل يسمح بمحاصرته. والإرهاب شكل من أشكال العنف، أو لنقل، عنف فاحش، لأنه يهدف إلى إحداث أكبر قدر من الخسائر في الأرواح والممتلكات، وبأفظع الوسائل، لكي يترك الأثر الأقوى والأبلغ في النفوس، وليس من رادع له، لا في الزمان ولا في المكان، فالكل مستباح. هذا يعني أنه عنف أعمى لأنه لا يميز، فالكل في سلة واحدة، ولا وجود لأبرياء في نظر الإرهابي، إذ يعتبر كل الناس مسؤولين عن مأزقه أو بؤسه أو فشله. وفي هذه الحالة، يصبح الكل رهائن له ولخططه. وهذا ما يلاحظ من خلال عمليات خطف الطائرات، أو التفجيرات التي تشهدها المقرات الرسمية والأماكن العامة، التي يستخدم فيها الإرهابي، جسده وأجساد الآخرين كأدوات للتفجير، أو الترويح، أو التعذيب، أو التصفية. بهذا المعنى، فهو عنف فائق، عنف شرس. إنه عنف فيروسي يحدث عن طريق العدوى، ويعمل شيئا فشيئا على تدمير مناعتها. ومن الخطأ أن نعتقد أن الإرهاب هو سلاح الضعفاء. فمثل باقي الأسلحة الفتاكة، يعتبر الإرهاب سلاح الأقوياء على الخصوص. وعندما ندعي عكس ذلك، فلأن الأقوياء يراقبون الأجهزة الآيديولوجية والثقافية التي تجعل إرهابهم يتخذ شكلا غير شكل الإرهاب. بهذا المعنى، فالإرهاب تعبير عن انفجار المنظومة الغربية، من خلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ومختلف ردود فعلها. فشعار الحرب على الإرهاب: عنف يولد عنفا. بمعنى أنه لم يتم الخروج من المنطق المأزوم نفسه. فنجد بن لادن وبوش يتحدثان اللغة نفسها، أي لغة القوة وليس لغة الحوار. وعدوانية الإرهابي، لا يمكن فهمها كحركة ممانعة ومدافعة عن الهوية الإسلامية، بقدر ما تعبر عن أزمة الثقافة الإسلامية وردتها عن قيمها.
أزمة الثقافة العربية الإسلامية
للإرهاب الممارس اليوم من طرف الحركات الأصولية، جذر ثقافي يرتبط ببنية الثقافة وثوابتها ومعتقداتها ونماذجها، وكل أشكال الوعي المرتبطة بروافدها. يحدده سؤال الهوية، وما ينتجه من أوهام تتعلق بالميولات المرجعية، والنماذج البائدة، التي تحرك اختياراته وقناعاته في نظرته إلى ذاته وإلى الغير. بهذا المعنى، فالهوية في نظر الإرهابي، تعتبر جوهرا متعاليا، ومبدأ حصريا أحاديا، وأصلا ثابتا يختم، بصورة نهائية، على العقول والأجساد والأسماء. حيث يجري قذف الآخر خارج دائرة الإيمان والإنسانية، ويعتبره جرثومة يجب استئصالها والقضاء عليها. فكل من يدعي أنه الأحق والأشرف والأفضل والأرقى، من حيث المعتقد أو الثقافة، فهو مشروع إرهابي، لأنه ينطلق من عقلية اصطفائية إقصائية. حيث تناسى، وهذا ما يثبته الدرس الحضاري، بأن الهوية مركبة ومتحركة ومفتوحة ونسبية. فهي مجمل علاقاتنا وتبادلاتنا مع الآخر والزمن والعالم. على هذا النحو، يجب على المجتمعات الإسلامية، أن تتعامل سواء مع نفسها أو مع غيرها، بحيث تكون مهمتها المشاركة في صناعة الحضارة بصورة وسطية تداولية، بعيدة عن منطق الثنائيات: الخير-الشر، البربرية -الحضارة.
لقد تغيرت الهوية الثقافية التي ندافع عنها بفعل الزمن، وبفعل علاقات التأثير والتأثر بين الحضارة الإسلامية وباقي الحضارات الأخرى، من فارسية وهندية وصينية ويونانية، وكذلك باقي المذاهب الدينية الأخرى، التي وافقته أو اختلفت معه. كما أن انتماءنا إلى العالم المعاصر، اخترق وجودنا بفعل أدواته وأفكاره، وبالتالي لم نعد قادرين على الانفصال عنه. بل في دفاعنا عن أنفسنا، نلجأ إلى أسلحته ومخططاته. أمام هذا الوضع كيف يمكن تصور وجود هوية ثابتة أصلية؟ إن هويتنا متصدعة يسكنها الاختلاف. فنحن على الأقل، أوروبيون وآسيويون وأفارقة وغير ذلك.
ويعد الإرهاب نتاجا لطرق التفكير ولكيفيات استعمال العقل، بحيث ارتبط بنماذج فكرية دغدغت الحياة العامة بخطاباتها التي تدعي امتلاك الحقيقة، بل وامتلاك الأجوبة النهائية على كل قضايا ومشكلات الحياة المعاصرة. وتزعم أن كل ما أنتج من مفاهيم ونظريات وتجارب، في جميع فروع العلم والمعرفة، لم يأت بجديد. وهذا النموذج من التفكير يجهل سيرورة المفاهيم والنظريات وانتقالها عبر براديغمات (منظومة أفكار ومفاهيم مرجعية). كما يجهل تاريخ الأفكار، وأن كل فكرة تتولد عن أسئلة نظرية في سياق معين. وما يقوم به، هو السطو على المعارف المنتجة في الجامعات الغربية، لكي ينسبها إلى الإسلام. وتلك هي الفضيحة المعرفية والخلقية. لكن هناك من أغلق فكره، وسلم أوراقه إلى مرجعه الذي يختم على عقله، ويعمل على قولبته، لكي يكون على شاكلة الأوائل فيما كانوا يعتقدونه أو يفعلونه في كل أمر وشأن، أي في جميع مجالات الحياة اليومية، من أكل ولبس وزواج وعطر وغير ذلك. بمعنى أن هؤلاء قدموا استقالتهم من التفكير الحي والمثمر. ونتيجة هذه المهمات المستحيلة، هي إعادة إنتاج الماضي، عجزا وفقرا أو مسخا وتشويها. إلى جانب هذا كله، هناك من يدعي إنقاذ الأمة الإسلامية والبشرية جمعاء، عبر زرع الرعب، وسفك الدماء، وزعزعة الأمن والاستقرار، وتدمير معالم الحضارة، حيث تحول إلى مخرب أممي يدعي أنه وكيل الله وصاحب مهمة إلهية. أي أن الإرهابي يمتلك الحقيقة، وكل القيم والمعاني، من خير وحق ومدنية وحضارة، مستبعدا كل من يختلف معه ويعارضه. بهذا المعنى فإن بن لادن والزرقاوي والظواهري وغيرهم، لم يأتوا من عالم الغيب. وإنما هم ثمرة مرشدين ودعاة ووعاظ وتأويل معين للنص الديني، والحصيلة هي بناء جميل متشدد ومتطرف وعدواني وانتقامي، يفتش عن سفارة يحتلها، أو عن مقر يفجره، أو عن جسد يمزقه، أو عن كاتب يطعنه.
إن مقولة «إسلامية المعرفة»، من المقولات الرائجة لدى الكثير من الحركات الفكرية الداعية إلى أسلمة كل أشكال الحياة والمجتمع والثقافة. واللافت للنظر، أن العلماء المسلمين القدامى، لم يصنفوا العلوم على أساس ديني، بل صنفوها على أساس ثقافي، علوم أصيلة ودخيلة، مع العلم أنهم كانوا منتجين لكل أشكالها. أما اليوم، فما هو إنتاج المسلمين في مجال العلم لكي يتحدثوا عن علوم إسلامية، أو عن معرفة إسلامية. وكل مشتغل في أي فرع من فروع المعرفة، يجد نفسه في حقل له تاريخه وأعرافه. وله عدته وأدواته. كما أن له مشكلاته ورهاناته، فضلا عن مدارسه واتجاهاته. همه في عمله، تشخيص واقعة أو تحليل ظاهرة أو صوغ مشكلة أو فهم أزمة أو معالجة قضية. ومن يفعل ذلك لا يتخلى عن خصوصيته الثقافية بقدر ما يسهم في توسيع عالم المعرفة.
بهذا المعنى، فإن الدعوة إلى أسلمة المعرفة تشكل تراجعا عن عالمية الفكر الإسلامي. كما تشكل دليلا على تبعية العقل المسلم، وعدم قدرته على التحرر من تأثيرات الحداثة الغربية ومنجزاتها. فالحضارة الإسلامية تأثرت بالحضارات السابقة، وأثرت في الحضارات اللاحقة، بفعل الإبداع والإنجاز، لا بالبحث عن افتراضات واهية نابعة من تغلغل ما هو آيديولوجي في عقل المسلم على حساب ما هو ابستيمولوجي.
بشكل عام، ما يلاحظ على أزمة الثقافة الإسلامية أنها مركبة في عواملها، حيث تجمع بين موضوعات الفقر، والبطالة، والعنف الأسري والمدرسي، وغياب الديمقراطية، والفساد والجهل. والأمية كمحركات داخلية، لها دورها الفاعل كذلك، إلى جانب ما جرى الوقوف عليه من كيفيات التفكير وأنماطه لكي تشكل ظاهرة الإرهاب.



مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).