إعادة تأهيل شوارع موسكو ضمن رؤية تجمع بين الحداثة والأصالة

اكتشاف معالم أثرية أثناء الحفر بالقرب من الكرملين

تم إغلاق شارع تفيرسكايا الرئيسي في موسكو خلال تنفيذ مشروع شارعي

شهدت الشوارع الرئيسية والفرعية في مركز العاصمة الروسية موسكو ومحيطه أعمال إعادة تأهيل واسعة جدًا، لم تقتصر على إزالة طبقات الإسفلت القديمة المتراكمة وأرضياتها من الحصى واستبدال طبقات جديدة بها، بل شمل الأمر تعديلات بنيوية على تلك الشوارع، وإعادة تأهيل البني التحتية كاملة من صرف صحي وكهرباء، مع تركيز على توسيع الأرصفة على جانبي الطرقات، واستحداث مساحات «خضراء» على الأرصفة الحديثة العريضة التي يُتاح استخدامها للمقاهي الصيفية. وأتت تلك الأعمال في إطار خطة كبرى وضعتها محافظة موسكو لإعادة تأهيل الطرقات والشوارع في العاصمة، ويحمل المشروع اسم «شارعي»، لخص عمدة موسكو سيرغي سوبيانين الهدف منه قائلاً: «نسعى إلى أن يكون لدى سكان موسكو مدينة آمنة بفضاء واسع، يرغب الناس بالتنزه والسير على طرقاتها».
بعبارة أخرى، فإن مشروع «شارعي» هو أضخم مشروع من نوعه في التاريخ الحديث للعاصمة الروسية، هدفه الرئيسي خلق بيئة مريحة في المدينة، ويشمل المشروع إعادة تنظيم وهندسة الشوارع وتنفيذ أعمال صيانة وترميم لواجهات المباني وإضاءتها بأسلوب فني. انطلقت أعمال مشروع «شارعي» منذ العام الماضي وستستمر حتى عام 2018. في المرحلة الأولى تركزت الأعمال على الأوتوسترادات الرئيسية الكبرى التي تربط العاصمة الروسية بريفها وبالمدن الأخرى، حيث جرى توسيع عدد كبير من تلك الأوتوسترادات، فضلاً عن استبدال طبقات الإسفلت التي تم مدها في فترات سابقة، ومعها طبقة البحص، واستخدام طبقات جديدة تتمتع بمواصفات أفضل، تؤهلها للصمود خلال فصل الشتاء الروسي القاسي. كما تم إنشاء جسور أو أنفاق عند العقد المرورية وتقاطع الطرقات في مناطق كانت تشهد في السابق حركة ازدحام مروري غير عادية. وبينما تتواصل الأعمال على تحسين مستوى الأوتوسترادات التي تشكل شرايين للحركة من وإلى العاصمة، باشرت فرق العمل نشاطها في مركز العاصمة الروسية ومحيطه، لا سيما في شوارع وشبكات شوارع رئيسية مثل «شارع تفيرسكايا» الذي يبدأ من الساحة المجاورة للكرملين ويرتبط مع الطريق الدولية نحو بطرسبورغ، وكذلك الشارع المعروف باسم «بولفارني كولتسو»، وهو عبارة عن طريق دائري حول مركز موسكو، وتحديدًا المركز القديم التاريخي للمدينة، فضلا عن الطريق المعروف باسم «سادوفي كولتسو» وهو طريق دائري أيضًا يحيط بالمنطقة الوسطى من موسكو، أي مركز المدينة ومحيطه القريب، وعدد آخر من الشوارع القديمة في المدينة.
ومن بعض ما تم إنجازه في سياق مشروع «شارعي»، فقد ظهرت على طريق «سادوفي كولتسو» قرابة 100 منطقة خضراء وحدائق صغيرة، وسيتم زراعة 1500 شجرة جديدة. هذا فضلا عن توسيع المساحة المخصصة للمشاة دون أن يؤثر ذلك سلبا على القدرة المرورية في الجزء الخاص بالسيارات، الذي خصصت فيه أماكن لعبور الدراجات، وستتم إضاءة المساحات المخصصة للمشاة بقناديل فنية جميلة تعتمد الأسلوب الحديث في الإضاءة الليلية، بحيث تصبح النزهة في تلك المساحات والسير ليلاً نشاطًا ممتعًا ومريحًا وآمنًا.
أما محطات الحافلات التي تجوب «سادوفي كولتسو» فستزود بلوحات إلكترونية تعرض حركة النقل ومواعيد الانطلاق، وأجهزة خاصة لبيع البطاقات، فضلا عن تفعيل خدمة الإنترنت «واي فاي» في تلك المحطات.
ومع الاهتمام الكبير بأعمال إعادة تأهيل شوارع موسكو، وبصورة خاصة في مركزها القديم، فإن أيًا من مراحل المشروع لم تحظ باهتمام كالذي حظي به شارع «تفيرسكايا»، ذلك أن العمال اكتشفوا خلال حفريات إعادة تأهيل البنى التحتية في ذلك الشارع أكثر من معلم أثري تاريخي، منها جدران وأقواس حجرية من بقايا مدن قديمة في محيط الكرملين، كما تم العثور على كثير من الأدوات تعود إلى أكثر من حقبة تاريخية منها أوانٍ فخارية وأدوات كانت تُستخدم في تزوير العملة ورد ذكرها في ملفات أمنية تاريخية تعود إلى القرن السادس عشر، أي حقبة حكم القيصر الروسي أليكسي ميخائيلوفيتش. وبينما تم نقل الأدوات الأثرية إلى المتاحف، فقد قررت سلطات موسكو تحويل المواقع الأثرية حيث تم اكتشاف جدران المدينة القديمة وأقواس حجرية إلى متحف «تحت السماء المفتوحة» يضفي طابعا خاصا على النزهة في شارع «تفيرسكايا».
أما الشارع نفسه، فقد أصبحت أرصفته أكثر اتساعا، وازدادت جمالا بعد تغطيتها بألواح من أنواع خاصة من الرخام الذي يُستخرج في روسيا، وزراعة المزيد من الأشجار فضلاً عن زيادة المناطق الخضراء عليها. وقد أسهم توسيع تلك الأرصفة بتأمين مساحات كافية للتنزه في الشارع الذي يطل من كل جوانبه على مختلف المعالم التاريخية من مركز المدينة. بينما تمكنت المقاهي والمطاعم المنتشرة على جانبي «تفيرسكايا» من افتتاح ساحات صيفية، حيث نشرت طاولات على جانبي الطريق لعشاق احتساء كوب من الشاي أو القهوة، أو حتى تناول وجبة طعام خفيفة والاستمتاع بآن واحد بالمعالم التاريخية للمدينة والأبنية القديمة التي استعادت حياتها بفعل مؤثرات ضوئية حرص مهندسو التصميم على اختيارها بما يضفي لمسة من السحر والحركة في آن واحد على تلك المباني.