فيلم كلينت إيستوود «هاري القذر» يثير الجدل مجددًا

بعد 44 سنة على الفيلم

من «غران تورينو»
من «غران تورينو»
TT

فيلم كلينت إيستوود «هاري القذر» يثير الجدل مجددًا

من «غران تورينو»
من «غران تورينو»

في مشهد من فيلم «هاري القذر» من بطولة كلينت إيستوود الذي يعد أشهر أفلام الكاوبوي يدور الحوار التالي:
* «لماذا يدعونك «ديرتي هاري»؟
يسأله معاونه شيكو (ريكي سانتوني) فيرد عليه:
«لأنهم يرمون لي كل مهمّة قذرة لديهم».
والمعنيون بذلك هم القوى الأعلى من هاري كالاهان الملقب بـ«هاري القذر»، في سلك بوليس مدينة سان فرانسيسكو. هناك المحافظ جون فرنون، ورئيس هاري المباشر هاري غواردينو، ورئيس البوليس هاري لارش. لكن هاري (كلينت إيستوود) لا يعبأ تمامًا بما يطلبونه منه. إن وافق عليه قام به وإن لم يوافق قام به على طريقته الخاصة. وهو لا يحب أحدًا، كما يقول أحدهم لشريكه المعاون شيكو: «لا يحب الصينيين ولا يحب السود ولا يحب النساء ولا يحب أحدًا»، فيسأل شيكو بالإشارة إلى نفسه: «ماذا عن المكسيكيين»، فيرد هاري: «خصوصًا المكسيكيين».
بعد 44 سنة على إنتاج هذا الفيلم (وعدة إطلاقات على أسطوانات DVD) يعود هذا الفيلم البوليسي لكي يُثير المعارضين والمؤيدين، كل بناء على وجهة نظره السياسية في الفيلم، علما بأن «ديرتي هاري»، هو أكثر من مجرد فيلم له طرح سياسي محدد يقف عند يمين خط النصف في النهاية.
وأحد أسباب إثارته قد تكمن في ممثله الأول كلينت إيستوود الذي أعلن، قبل أسبوع، عن تأييده للمرشح الأميركي دونالد ترامب، وأكد أنه سيصوّت له.
لكن إيستوود ليس مجرد السينمائي الأميركي الذي تصنّفه سريعًا وتنفض يديك على الفور منه. هو، في كل أفلامه، شخصية ترمي للوقوف إلى يمين الخط لكنها كثيرًا ما تنتقده أيضًا. هذا التشابك موجود في «ديرتي هاري»، الذي أطلق سلسلة من أفلام التحري هاري كالاهان التي أسهمت في صياغة إيستوود الممثل والمخرج.

تصفية أبرياء
هذه ستكون المرّة الأولى التي يرمي فيها إيستوود لتقديم نفسه متشبّثًا بميزته كرجل أبيض، مما يعني أنه في الداخل عنصري. ففي أفلام عدّة لاحقة وصولاً إلى «Gran Torino» سنة 2008، وصم نفسه على هذا الأساس بلا مواربة. لكنه دائمًا ما يتيح قدرًا من السخرية الداكنة حول مفاهيمه ومبادئه هذه، بل ويتيح للفيلم أن يبرهن له بأنه على خطأ، كما حدث في «غران تورينو» ذاته.
في «ديرتي هاري» هو عنصري النزعة بلا ريب، لكنه محترف، وعدوّه ليس صينيًا أو مكسيكيًا أو أفرو - أميركيًا بل أبيض البشرة وأكثر عنصرية. يخص الملوّنين بالذكر، ويقدم على قتل رجل أسود، وعندما ينشد أن يضربه أحد بقوّة لكي يدّعي أن هاري هو الذي ضربه يلجأ لرجل أسود لأنه مازوشي يحب أن يعذبه من يكرهه. هذا أمور لا يمكن تفويتها في هذا الفيلم، وبالتالي، حين وصمه بالفيلم العنصري نسبة إلى موقف هاري فيه فقط، فإن الجانب الآخر يغيب عن الذكر تمامًا، ما يمنح الفيلم تعريفًا ناقصًا.
لكنه فيلم يميني بالفعل، والمخرج دون سيغال لديه أكثر من فيلم يمكن وصفه باليمينية (Madigan‪,‬ Coogan‪›‬s Bluff‪,‬ Telefon.. إلخ) يمجد خروج التحري عن أوامره ليصبح القاضي والجلاد. لكن هنا تكمن المشكلة التالية: حسب السيناريو، فإن رؤساءه هم الفاشلون في مهامهم: المجرم (باسم مستعار: سكوربيو) يهدد المدينة بتصفية أبرياء مقابل 100 ألف دولار، ثم مقابل 200 ألف دولار، والمحافظ يريد تجنيب الأبرياء المزيد من القنص الذي يمارسه المجرم فيوافق على الطلب. لكن هاري، الذي وجد نفسه في موقع بين الطرفين، يعارض: «متى تستيقظون على أن هذا الأسلوب فاشل؟»، وحين ينطلق في أعقاب سكوربيو للمرّة الأخيرة، ينطلق من دون موافقة رؤسائه.
ها هو سكوربيو وقد اختطف حافلة مدرسية فيها أطفال بيض وسود وجنوب آسيويين تقودها امرأة تحت تهديد المسدس. تقترب الحافلة من تحت جسر صغير. ينظر المجرم من النافذة الأمامية ليجد هاري واقفًا فوق الجسر. ثم يقفز هاري ويصبح فوق الحافلة معرضًا نفسه لطلقات نارية هوجاء يقوم بها المجرم قبل أن يجبر السائقة على إيقاف الحافلة والهرب منها، يتبعه هاري في مطاردة تنتهي عند ما يشبه البحيرة (أقرب إلى بركة). هناك يقتل هاري غريمه، لكن ليس قبل أن يمنحه فرصة الاستسلام التي يرفضها المجرم مادًا يده صوب مسدسه.

تجاوز المنطق
بذلك يفنّد الفيلم تهمه كفيلم يميني و- إلى حد - عنصري على نحو كافٍ لإثارة الجدال من دون ثبوت التهمة. السينما في ذلك الحين شهدت كثيرًا من الأفلام التي قدّمت أشرارًا يريد المشاهد أن يراهم موتى في نهايات أفلامهم، لكن شرير «ديرتي هاري» يتجاوز معظمهم إلى درجة أن مشهدًا مثل دوس هاري على ساق المجرم في مشهد يقع قبل منتصف الفيلم يحمل في طياته إدانة لكلا الطرفين: المجرم المكروه حتى العظم، والتحري الذي لا يكتفي بالتغلب عليه، بل يعذبه قليلاً قبل إلقاء القبض عليه.
لكن النيابة العامة تطلق سراح المجرم لغياب الأدلة، وهنا نقاش آخر حول القانون وثغراته التي تتيح للمجرمين فرصة التمتع بحرياتهم المطلقة إذا لم يطبّق رجل القانون، حين إلقاء القبض عليه، القانون بحذافيره. المحافظ يسأل هاري حول حادثة سابقة (لا نراها في الفيلم) أطلق فيها هاري النار على رجل كان يطارد امرأة بهدف اغتصابها: «كيف علمت أنه سيغتصبها؟»، فيرد عليه هاري: «رجل يحمل سكينًا ويركض عاريًا وراء امرأة هاربة. لك أن تتخيل».
«ديرتي هاري» قوي الصورة. فيه الكثير من الإيحاءات المعتمدة على البصريات وليس على الحوارات وحدها. جيد في التقاط المشهد من حيث انتهى المشهد السابق، ومتوالي الفصول بيسر. لكنه يتجاوز ما هو منطقي صوب ما هو مثير بحد ذاته، مثل الفصل الذي يداهم فيه هاري العصابة التي تسرق المصرف وبالطبع ليس هاري من يُصاب بكسر في أضلعه أو بضربة على رأسه ويرضى أن يبقى في السرير. والمشهد الذي تكتشف فيه طائرة مروحية، بعد قليل من بدء التفتيش، يوجد القناص على سطح مبنى كما لو أن سان فرانسيسكو ليست أكثر من بلدة صغيرة.
هذا ما يقود إلى تشخيص كلينت إيستوود له. الدور كان عُرض على عدد من الممثلين بينهم بول نيومان الذي كان، إلى حين، أكثر المرشّحين له. رفض لأنه اعتبر أن السيناريو يتبنى وضعًا فاشيًا، لكن لو أن نيومان هو من قام بالدور، بصرف النظر عن وضع السيناريو السياسي، فإننا كنا سنحصل على«ديرتي هاري» آخر مختلف تمامًا عار من أسباب قوّته الحالية.
نيومان ظهر في أدوار بوليسية («هاربر» لجاك سمايت، 1966، «مسبح الإغراق» The Drowning Pool لستيوارت روزنبيرغ، 1975) مثالان على كيفية تعامله مع شخصية بوليسية عامدًا إلى طريقته التي لا تظهر قوّة في الحركة وتصميمًا في الفعل، بل ذكاءً في البال أساسًا. ليس أنه يحل معضلات شيرلوك هولمز، لكنه يشخص التحري على نحو كاشف عن انطوائية وخفّة صوب الآخر، وكثيرًا ما يعمد للنظر بعيدًا عن عيني الممثل المقابل، بحيث يفقد الفيلم ذلك الحس من التحدي. «ديرتي هاري» لم يكن فيلمًا مصنوعًا له بالفعل، ومن حسن الحظ أن إيستوود هو الذي أداه.

إيستوود والأقليات
ردًا على اتهامات النقاد له بالفاشية، قام إيستوود لاحقًا بتحقيق «قوة الماغنوم» Magnum Force الذي أخرجه تد بوست سنة 1973 (كثاني فيلم في السلسلة) وفيه حكاية مجموعة من القتلة في شرطة المدينة تقوم بتصفية من تعتبرهم خارجين عن القانون، خصوصًا أولئك الذين قامت المحكمة بتبرئتهم. هذا لا يصح في عرف هاري كالاهان بل على القانون أن يأخذ مجراه.
في السلسلة الرباعية ذاتها يوعز إيستوود بأنه لا يحب الأقليات لكنه سيتعاون معها وقد يغير موقفه منها: مساعده في «هاري القذر» مكسيكي، في الجزء الثالث «الفارض» هي امرأة (يقلب إيستوود عيناه عندما تفرض عليه، لكنه لاحقًا ينتقم لها بعدما سقطت وهي تذود بجانبه).
في أفلام أخرى هو مع المكسيكي في «جو كد» لجون ستيرجز (1972)، ومع الهندي الأحمر في «الخارج عن القانون» من إخراجه سنة 1976. وفي فيلم وسترن آخر له هو «غير المسامَح» (1992) ينتقد الشريف الأبيض (جين هاكمان) رجل السلطة الذي أسس نظامًا فاشيا، وينتقم لصديقه الأسود (مورغان فريمان).
ويكرر هذا الموقف في فيلمه اللاحق «سُلطة مطلقة» حيث يرتكب رئيس الجمهورية (هاكمان أيضًا) جريمة قتل يكتشفها اللص (إيستوود)، وبذلك يعرض حياته هو للخطر. ولا يخفي إيستوود نقده لليمين المتمثل في شخصية رئيس «إف بي آي» لعدة عقود، وذلك في فيلم J‪.‬ Edgar الذي حققه سنة 2011 من بطولة ليوناردو ديكابريو في الدور الأول.
وفي كل هذه الأفلام وسواها أشراره الأساسيون هم من أبناء بشرته البيضاء لجانب أنه في بعض الأحيان ما يسخر من شخصيته هو، وهذه السخرية وصلت إلى الشكل شبه المطلق في «غران تورينو» (2009)؛ فهو العجوز الذي يترحم على حي كان يعيش فيه البيض قبل أن يعج بالجاليات الجنوب آسيوية، ليكتشف أنه يستطيع العيش جنبًا إلى جنب معها، وأنه يحتاج إليها كما تحتاج هي إليه.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».