بوتين يقيل حليفه «الصقر» إيفانوف من رئاسة ديوان الكرملين

قال إنها جاءت تلبية لرغبته.. والبعض وضعها في سياق الاستعدادات الانتخابية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في الكرملين مع رئيسي الديوان الرئاسي الجديد انطون فاينو (يمين) والمقال سيرجي ايفانوف أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في الكرملين مع رئيسي الديوان الرئاسي الجديد انطون فاينو (يمين) والمقال سيرجي ايفانوف أمس (إ.ب.أ)
TT

بوتين يقيل حليفه «الصقر» إيفانوف من رئاسة ديوان الكرملين

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في الكرملين مع رئيسي الديوان الرئاسي الجديد انطون فاينو (يمين) والمقال سيرجي ايفانوف أمس (إ.ب.أ)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في الكرملين مع رئيسي الديوان الرئاسي الجديد انطون فاينو (يمين) والمقال سيرجي ايفانوف أمس (إ.ب.أ)

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إقالة سيرغي إيفانوف من منصب رئيس الديوان الرئاسي، وتعيين أنطون فاينو، نائب إيفانوف سابقًا، رئيسا للديوان.
ونقلت شاشات التلفزة الروسية تسجيلا لاجتماع بوتين مع كل من إيفانوف وفاينو، أعلن فيه قرار الإقالة، مؤكدًا أنه جاء بناء على طلب من إيفانوف ذاته، الذي كان قد أوصى بوتين لحظة تعيينه رئيسا للديوان الرئاسي بألا يبقيه في هذا المنصب أكثر من أربع سنوات، وقد زادت خدمة إيفانوف في الكرملين ثمانية أشهر عن السنوات الأربع. ومن الكرملين سينتقل إيفانوف لممارسه مهمة حكومية جديدة أوكلها بوتين له، وهي «الممثل الرئاسي الخاص لشؤون نشاط حماية الطبيعة والبيئة والنقل».
ويعرف عن إيفانوف، أنه من الشخصيات المقربة للرئيس بوتين، عمل معه سنوات طويلة، وكلاهما سليل مؤسسة الاستخبارات السوفياتية العريقة. كما أنه من الشخصيات التي تتمتع بنفوذ سياسي واسع، أسس له حين التحق للدراسة في المدرسة العليا للجنة أمن الدولة في الاتحاد السوفياتي، أي «كي جي بي»، وذلك بعد أن أنهى تحصيله العلمي في كلية اللغات في جامعة ليننغراد بتخصص مترجم روسي - إنجليزي. ويشهد له محاوروه بإتقانه اللغة الإنجليزية بطلاقة. علاقته مع الرئيس الحالي فلاديمير بوتين بدأت منذ عام 1976 حين جمعهما القدر في القسم ذاته من جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي ذائع الصيت، والمعروف بنفوذه في عالم الاستخبارات. واصل إيفانوف عمله في ذلك الجهاز حتى بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. وفي عام 1999 تولى مهام رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، وهي المؤسسة التي تجمع الرئيس مع وزراء السلطة وتتخذ القرارات الاستراتيجية. بعد ذلك عيّنه بوتين عام 2001 وزيرا للدفاع، وكان أول وزير دفاع «مدني» أي من خارج مؤسسة وزارة الدفاع، وفي عام 2007 شغل منصب نائب رئيس الحكومة الروسية، إلى أن تم تعيينه نهاية عام 2011 رئيسا للديوان الرئاسي.
أما أنطون فاينو، الرئيس الجديد للديوان الرئاسي الروسي، فقد ولد في العاصمة الإستونية عام 1972، تخرج في معهد موسكو للعلاقات الدولية التابع للخارجية الروسية، وهو يتقن اللغتين الإنجليزية واليابانية. فاتحة مسيرته السياسية كانت العمل في السفارة الروسية في اليابان منذ عام 1996 وحتى عام 2001؛ لينتقل بعد ذلك للعمل في منصب السكرتير الثالث في دائرة آسيا في وزارة الخارجية الروسية، وبعد عام انتقل للعمل في الكرملين في قسم المراسم، وحتى عام 2004 شغل مختلف المهام في ذلك القسم، إلى أن تم تعيينه عام 2007 نائبا لمدير قسم البروتوكول، بعد عام أصبح مديرا لقسم البروتوكول لدى رئيس الحكومة الروسية، ومنذ مايو (أيار) عام 2012 شغل منصب نائب رئيس الديوان الرئاسي، إلى أن تم تعيينه رئيسا للديوان يوم أمس.
الإقالة المفاجئة لشخصية بحجم إيفانوف، يصنفه البعض ضمن «الصقور» في الإدارة الرئاسية، ويصفه آخرون بأنه سياسي محنك وشخصية فولاذية يتمتع في الوقت ذاته بقدرة على جذب اهتمام محاوريه، إقالة شخصية بهذا المستوى وبتاريخ حافل على مدار سنوات من العمل في أهم مؤسسات الدولة، أثارت الكثير من التساؤلات، ومع أن إيفانوف نفسه أكد أن الإقالة جاءت بناء على رغبته، إلا أن البعض شكك بذلك. ونقلت صحيفة «غازيتا رو» عن دبلوماسي أجنبي قوله إن «إيفانوف كان يُنظر إليه في الواقع بصفته خلفا محتملا لبوتين». وتلقي الصحيفة الضوء على جانب من شخصية إيفانوف، وتشير في هذا السياق إلى أنه كان على علاقة طيبة بإدارة الرئيس جورج بوش الابن، وربطته زمالة طيبة مع وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس.
ولم يستبعد جزء كبير من وسائل الإعلام الروسية أن تكون إقالة إيفانوف جاءت حقيقة بناء على رغبة منه، وينوهون في هذا الشأن إلى أن «الرجل الفولاذي في الكرملين» ما زال يعيش ألم فقدانه ابنه البكر ألكسندر الذي توفي عام 2014 غرقا، بينما كان يمضي الإجازة مع أسرته في دبي، وربما رأى أنه في حاجة إلى بعض الراحة. في غضون ذلك، ربط بعض المحللين الروس إقالة إيفانوف بسلسلة التعيينات الأخيرة التي أجراها بوتين، وركز فيها على استبدال المسؤولين كبار السن بمسؤولين شباب، وذهب آخرون إلى ربط الإقالة بالاستعدادات للانتخابات البرلمانية الشهر المقبل، والرئاسية بعد أقل من عامين.
أيا كانت أسباب قرار بوتين بتغيير رئيس ديوان الكرملين، فإن خروج إيفانوف من مسرح السياسة، وإن كان حدثا مثيرا للاهتمام، إلا أنه لا يعني قلق الكرملين إزاء سياسة خلف إيفانوف، أي أنطون فاينو، الذي «تربى» في عالم السياسة تحت إشراف بوتين إلى حد ما؛ إذ كان مديرا لبروتوكول رئيس الحكومة بينما كان بوتين على رأس الحكومة، ومع عودة بوتين إلى الرئاسة انتقل فاينو للعمل في الإدارة الرئاسية، وهذا يدل على ثقة خاصة من جانب بوتين بالرئيس الجديد للديوان الرئاسي، الذي أتى أساسا من المؤسسة الدبلوماسية وليس الأمنية –الاستخباراتية، كما هي حال نشأة إيفانوف في عالم السياسة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟