اتفاق تجميد إنتاج النفط يزداد صعوبة مع وصول المنتجين إلى مستويات قياسية

السعودية تصل لمستوى تاريخي في يوليو.. وإنتاج إيران الأعلى منذ 8 سنوات

حقل نفطي بالمملكة العربية السعودية
حقل نفطي بالمملكة العربية السعودية
TT

اتفاق تجميد إنتاج النفط يزداد صعوبة مع وصول المنتجين إلى مستويات قياسية

حقل نفطي بالمملكة العربية السعودية
حقل نفطي بالمملكة العربية السعودية

في حين يحاول الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إقناع كبار المنتجين في العالم بالاجتماع خلال الأسابيع المقبلة للوصول إلى اتفاق جديد لدعم أسعار النفط الخام، يحافظ الكبار على إنتاجهم عند مستويات عالية وغير مسبوقة لأسباب مختلفة من أهمها التنافس على تلبية الطلب في آسيا.
وقال مادورو في برنامجه التلفزيوني الأسبوعي ليلة أول من أمس الثلاثاء: «تحدثت اليوم مع العاهل السعودي الملك سلمان، وفي الساعات المقبلة سأتحدث مع أمير قطر، وأرسلت بيانا للرئيس فلاديمير بوتين، وسأتحدث مع الرئيس الإيراني روحاني، وأتواصل مع رئيس الإكوادور، ومع (المنتجين) من (أوبك) وخارجها»، وأضاف مادورو أن فنزويلا تضغط من أجل «استقرار» سعر النفط عند 70 دولارا للبرميل، وأنه يرى أن هذا الرقم لن يؤثر كثيرًا في نمو الاقتصاد العالمي.
لكن مساعي مادورو لتجميد الإنتاج إضافة إلى السعر الذي يستهدفه، تبدو أمرًا صعبًا الآن في ظل وصول إنتاج السعودية إلى مستويات تاريخية الشهر الماضي، في الوقت الذي أعلنت فيه إيران وصول إنتاجها إلى رقم عال جديد هذا الشهر، فيما لا تزال روسيا متمسكة بالإنتاج عند مستويات عالية للحفاظ على حصتها في الصين والهند.
يقول المحلل محمد الرمادي، أستاذ الاقتصاد السابق في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن: «يجب أن نكون واقعيين وننظر إلى المعطيات على الأرض، فالكل ينتج عند مستويات عالية، وما تريده فنزويلا ذات الاقتصاد المرهق بسبب هبوط الأسعار، لن يتحقق بسهولة إلا إذا هبطت الأسعار تحت 40 دولارا».
وقال التقرير الشهري لـ«أوبك» الصادر أمس إن إنتاج المنظمة، التي تضم 14 عضوا، ارتفع لمستوى قياسي في الشهر الماضي، مما يؤكد أن فائض المعروض العالمي قد يستمر في العام المقبل.
وقالت السعودية لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) إنها رفعت إنتاجها النفطي إلى مستوى قياسي في يوليو (تموز) الماضي، وهي ما يراها كثير من المراقبين خطوة تدل على أن كبار الأعضاء في المنظمة ما زالوا يركزون على الحصة السوقية بدلا من حل مشكلة تخمة المعروض من خلال كبح الإنتاج.
وأظهرت الأرقام التي قدمتها السعودية لـ«أوبك» أن المملكة ضخت 10.67 مليون برميل يوميا من النفط الخام في يوليو الماضي، ويزيد إنتاج يوليو عن إنتاج يونيو (حزيران)، الذي بلغ 10.55 مليون برميل يوميا، وعن المستوى القياسي السابق الذي بلغه في يونيو 2015، عند 10.56 مليون برميل يوميا.
وتقول المصادر المحلية لـ«الشرق الأوسط» إن زيادة الإنتاج التي شهدتها المملكة في يوليو الماضي طبيعية، نظرًا لأن يوليو تزامن مع شهر رمضان، وكانت درجات الحرارة عالية، وهو ما زاد معدلات حرق النفط في محطات الكهرباء من أجل توليد الطاقة.
وسبق أن صرحت مصادر في قطاع النفط السعودي في أبريل (نيسان) الماضي بأن الإنتاج سيرتفع خلال أشهر الصيف لتلبية الطلب على الكهرباء في الصيف، وليس لإغراق السوق، وأنه لن يزيد على مستوى 10.5 مليون برميل يوميًا كثيرًا.
وأمس نقلت وكالة «فارس» الإيرانية تصريحات لوزير النفط الإيراني بيجن زنغنه ذكرها في البرلمان، بأن بلاده ستنتج هذا الشهر نحو 3.85 مليون برميل يوميًا، وهو أعلى مستوى في قرابة 8 سنوات وتحديدًا منذ ديسمبر (كانون الأول) عام 2008.
وفي الوقت ذاته لا ترى روسيا التي تنتج نحو 10.8 مليون برميل يوميًا حاليًا أي حاجة لعقد اجتماع بين المنتجين لتجميد الإنتاج نظرًا لاستقرار أسعار النفط، بحسب ما صرح به هذا الأسبوع وزير طاقتها ألكسندر نوفاك.
وتراجع سعر النفط 15 في المائة تقريبا في يوليو بسبب مخاوف من أن تعطل تخمة المعروض من النفط الخام والمنتجات المكررة، استعادة توازن السوق الذي طال انتظاره، وأثار انخفاض الأسعار تكهنات بأن «أوبك» قد تسعى لإحياء اتفاق مع المنتجين المستقلين لتثبيت الإنتاج.
ورفع أعضاء آخرون في «أوبك» الإنتاج لتعويض خسائر هجمات في نيجيريا والنزاع في ليبيا. وتظهر الأرقام التي جمعتها «أوبك» من مصادر ثانوية أن المنظمة ضخت 33.11 مليون برميل يوميا في يوليو، بزيادة 46 ألف برميل يوميا مقارنة بيونيو، وزاد العراق، ثاني أكبر منتج في «أوبك»، الإنتاج في يوليو، في حين نجحت إيران، ثالث أكبر منتج، في تعزيز إنتاجها قليلا؛ لأن النمو السريع الذي أعقب رفع العقوبات الغربية عنها في يناير (كانون الثاني) بدأ في التباطؤ الآن.
ومن المقرر أن يجتمع أعضاء «أوبك» بشكل غير رسمي في سبتمبر (أيلول) المقبل في العاصمة الجزائرية على هامش الاجتماع الوزاري لمنتدى الطاقة الدولي.

إصرار فنزويلي

وتسعى فنزويلا لعقد اجتماع قريب بين المنتجين قبل لقائهم في الجزائر، لكن محللين شككوا في جدوى مساعي فنزويلا.
وقال وزير النفط الفنزويلي إيولوخيو ديل بينو، يوم الاثنين الماضي، إن هناك احتمالا لعقد اجتماع بين الدول الأعضاء في «أوبك» والمنتجين من خارجها «في الأسابيع المقبلة»، وإن فنزويلا «تدعم بشدة عقد اجتماع للمنتجين، ليجلس أعضاء (أوبك) والمنتجون المستقلون معا، ليروا كيف سيبدو السيناريو في الشتاء».
وقال بنك «إيه إن زد» أمس: «فشلت جولة أخرى من المحادثات المقترحة لتثبيت مستوى الإنتاج في إثارة حماس المستثمرين».
وتراجعت أسعار النفط إلى 40 دولارا للبرميل بسبب استمرار تخمة المعروض في أسواق النفط الخام ومنتجات التكرير، وظلت الأسعار متعافية معظم الوقت في النصف الأول من العام بعد هبوطها بنحو 70 في المائة خلال الفترة من 2014 حتى أوائل 2016. ومنذ انهيار أسعار النفط عام 2014 حاولت فنزويلا مرارا التوسط لعقد اتفاقيات لتثبيت مستوى الإنتاج وخفض تخمة المعروض، لكنها لم تحقق كثيرا من النجاح، فلا يرغب أي من منتجي الخام في التخلي عن حصته السوقية من خلال خفض الإنتاج طواعية.
ونتيجة لذلك، فشلت الدول الأعضاء في «أوبك» والمنتجون من خارجها، ومن بينهم روسيا، في التوصل إلى اتفاق بشأن تثبيت الإنتاج في اجتماع عُقد في العاصمة القطرية الدوحة في أبريل الماضي.

تخمة السوق

من جهة أخرى، قالت «أوبك» في تقريرها الشهري أمس: «دفعت أسعار النفط الخام الرخيصة المصافي لإنتاج مزيد من المنتجات المكررة على مستوى العالم، مما أضاف للسوق التي تعاني من التخمة».
وتتوقع «أوبك» أن يكون الطلب على النفط الخام في 2017 عند 33.01 مليون برميل يوميا في المتوسط، مما يشير إلى أن فائض المعروض قد يبلغ مائة ألف برميل يوميا إذا حافظت «أوبك» على استقرار الإنتاج. ولم تقم «أوبك» بأي تغيير ملحوظ في توقعاتها للطلب العالمي.
وتضخمت مخزونات البنزين والديزل إلى مستويات قياسية مرتفعة في أنحاء العالم، مما لا يدع مجالا يُذكر أمام شركات التكرير والتجار لطرح الإمدادات الزائدة، الأمر الذي يهدد بتخفيضات إنتاج واسعة النطاق قد تخرج تعافي سعر النفط عن مساره. وفي حين تعاني سوق الخام من تخمة المعروض العالمي لعامين، فإن تخمة المنتجات المكررة العالمية تعد ظاهرة جديدة نسبيا، وهي نتاج قيام شركات التكرير بتعزيز الإنتاج العام الماضي وأوائل العام الحالي للاستفادة من أسعار الخام الرخيصة والهوامش الكبيرة.
والخيار الوحيد أمام شركات التكرير الآن هو خفض الإنتاج، حسبما يقول معظم المحللين والمسؤولين التنفيذيين بالمصافي، وهي العملية التي بدأتها بالفعل بعض شركات التكرير في الولايات المتحدة وأوروبا، وسيضعف هذا بدوره - على الأقل في المدى القريب - الطلب على النفط الخام ويفرض سقفا على الأسعار.
وجرت العادة أن تتعامل شركات التكرير الأميركية والأوروبية مع فائض المخزونات الإقليمية عن طريق تصدير الإمدادات الزائدة إلى الأسواق ذات الهوامش القوية للديزل والبنزين والمنتجات النفطية الأخرى، لكن صهاريج التخزين أصبحت مترعة من هيوستن إلى سنغافورة بفعل أشهر من معدلات تشغيل فوق المتوسط لمصافي التكرير العالمية وزيادة الطاقة التكريرية عالميا.
وأشار محللو «مورغان ستانلي» في مذكرة يوم الاثنين الماضي إلى أن تراجع أسعار النفط في الفترة الأخيرة قد عزز في واقع الأمر هوامش التكرير، مما شجع شركات التكرير على إنتاج المزيد وتأجيل تخفيضات الإنتاج.
وظلت هوامش التكرير ضعيفة معظم العام الحالي بفعل تضخم المخزونات، مما هبط بأرباح شركات التكرير المستقلة، مثل «فاليرو» و«ماراثون بتروليوم»، وشركات النفط الكبرى مثل «إكسون موبيل» و«بي بي».



الشركات البريطانية تخفض التوظيف بأكبر وتيرة منذ الجائحة بسبب الضرائب

حي كناري وارف المالي في لندن (رويترز)
حي كناري وارف المالي في لندن (رويترز)
TT

الشركات البريطانية تخفض التوظيف بأكبر وتيرة منذ الجائحة بسبب الضرائب

حي كناري وارف المالي في لندن (رويترز)
حي كناري وارف المالي في لندن (رويترز)

خفضت الشركات البريطانية أعداد موظفيها بأكبر وتيرة منذ جائحة «كوفيد - 19»، وسجلت أدنى مستوى من الثقة منذ فترات الإغلاق، وفقاً لنتائج مسحين ألقيا باللوم بشكل رئيس على الزيادات الضريبية التي فرضتها الحكومة الجديدة.

وأظهرت البيانات الصادرة عن مؤشر مديري المشتريات العالمي الأولي لشهر ديسمبر (كانون الأول)، إلى جانب استطلاع ربع سنوي أجرته هيئة التصنيع «ميك يو كيه»، مزيداً من الإشارات على تباطؤ الاقتصاد المرتبط بموازنة وزيرة المالية، راشيل ريفز، التي أُعلنت في 30 أكتوبر (تشرين الأول)، وفق «رويترز».

وبالإضافة إلى الامتناع عن استبدال الموظفين الذين غادروا، قامت بعض الشركات بتقليص ساعات العمل، واستكمال عمليات إعادة الهيكلة المخطط لها مسبقاً. وباستثناء الوباء، يعد هذا أكبر انخفاض في التوظيف منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2009.

ورغم تراجع التوظيف، ارتفع مقياس مؤشر مديري المشتريات للأسعار التي تفرضها الشركات، مما قد يثير قلق لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا، التي تراقب تأثير زيادات مساهمات الضمان الاجتماعي على أرباب العمل. وعقب نشر البيانات، شهد الجنيه الإسترليني زيادة مؤقتة، حيث ركز المستثمرون على الضغوط السعرية التي وردت في التقرير.

وقال توماس بوغ، الخبير الاقتصادي في شركة المحاسبة «آر إس إم يو كيه»: «تواجه لجنة السياسة النقدية الآن معادلة صعبة بين النمو البطيء وارتفاع التضخم، مما سيضطرها إلى خفض أسعار الفائدة بشكل تدريجي العام المقبل». وأضاف: «من غير المرجح أن يقدم بنك إنجلترا هدية عيد الميلاد المبكرة هذا الأسبوع»، في إشارة إلى قرار البنك بشأن أسعار الفائدة لشهر ديسمبر، الذي يُتوقع أن يبقي تكاليف الاقتراض ثابتة.

واستقر مؤشر مديري المشتريات الرئيس عند 50.5 متجاوزاً بقليل مستوى الـ50 الذي يشير إلى الاستقرار، لكنه جاء أقل من توقعات الخبراء التي كانت تشير إلى ارتفاعه إلى 50.7.

وفيما يتعلق بالقطاعات، انخفض نشاط التصنيع إلى أدنى مستوى له في 11 شهراً، رغم تحسن قطاع الخدمات. ومع ذلك، تراجعت معدلات التوظيف في كلا القطاعين بأكبر قدر منذ يناير (كانون الثاني) 2021، وفي المقابل، شهدت الأسعار التي تفرضها الشركات أكبر زيادة خلال تسعة أشهر، مدفوعة بارتفاع تكاليف المدخلات، بما في ذلك الأجور.

وقال كريس ويليامسون، كبير الخبراء الاقتصاديين في «ستاندرد آند بورز غلوبال ماركتس إنتليجنس»: «لقد فقد الاقتصاد الزخم الذي شهده في وقت سابق من العام، حيث استجابت الشركات والأسر بشكل سلبي لسياسات حكومة حزب (العمال) المتشائمة».

من جانب آخر، أظهرت مسوحات «ميك يو كيه» انخفاضاً أشد في الثقة بين الشركات المصنعة منذ بداية الجائحة، حيث قال فاهين خان، كبير خبراء الاقتصاد في «ميك يو كيه»: «بعد مواجهة الارتفاع المستمر في التكاليف طوال العام، يواجه المصنعون الآن أزمة حقيقية في التكاليف».

بالإضافة إلى زيادة قدرها 25 مليار جنيه إسترليني (32 مليار دولار) في مساهمات الضمان الاجتماعي التي فرضها أصحاب العمل وفقاً لموازنة ريفز، من المقرر أن يرتفع الحد الأدنى للأجور في بريطانيا بحلول أبريل (نيسان) بنسبة 7 في المائة.

وأظهرت استطلاعات حديثة أيضاً انخفاضاً في نيات التوظيف من قبل أصحاب العمل، في حين أظهرت البيانات الرسمية الأسبوع الماضي انكماش الاقتصاد البريطاني في شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر، وهو أول انخفاض متتالٍ في الناتج منذ عام 2020.