قلائد «فان كليف» وأساور «كارتييه».. تغزو متاجر الذهب في السعودية

تقليد العلامات التجارية الشهيرة يكتسح السوق المحلية.. ويهدد أصالتها

جانب من القطع المعروضة بمحلات الذهب السعودية والمستنسخة  من تصاميم العلامات الشهيرة («الشرق الأوسط»)
جانب من القطع المعروضة بمحلات الذهب السعودية والمستنسخة من تصاميم العلامات الشهيرة («الشرق الأوسط»)
TT

قلائد «فان كليف» وأساور «كارتييه».. تغزو متاجر الذهب في السعودية

جانب من القطع المعروضة بمحلات الذهب السعودية والمستنسخة  من تصاميم العلامات الشهيرة («الشرق الأوسط»)
جانب من القطع المعروضة بمحلات الذهب السعودية والمستنسخة من تصاميم العلامات الشهيرة («الشرق الأوسط»)

أكثر سؤال تطرحه نسوة السعودية المتجولات في أسواق الذهب «كم سعر الغرام لليوم؟»، إلا أن سؤالا آخر بدأ ينافسه بشدة وهو «عندك تقليد الماركة الفلانية؟».. بهدف اقتناء المشغولات الذهبية ذات التصاميم الشبيهة لما تنتجه دور المجوهرات العالمية، بعد أن أغرق تجار الذهب السوق السعودية بالقطع المقلدة والمصنعة من الذهب الخالص، والتي تلقى رواجا كبيرا بالنظر لثمنها الزهيد مقارنة بالقطع الأصلية المبيعة في المتاجر العالمية الشهيرة.
إذ يلفت نظر زائر محلات الذهب الشعبية عرض خواتم وأساور «كارتييه» ذات الشرائط المتشابكة بألوان الذهب المتنوعة من الذهب الأصفر والوردي والأبيض، التي تم تقليد تصاميمها لتُباع بحسب وزن الذهب بأسعار تتراوح بين الألف والثلاثة آلاف ريال، في حين يتجاوز ثمن القطع الأصلية في متاجر كارتييه عدة آلاف من الريالات.
والأمر ذاته مع العلامة الإيطالية الشهيرة «بولغري»، حيث تنتشر التصاميم التي نقشت بشعار بولغاري بالأحرف اللاتينية، في أعمال مستنسخة من القطع الأصلية إلى حد كبير، وامتد ذلك إلى استنساخ قطع ذهبية من تصاميم مجموعة «ديفا» التي أطلقتها «بولغري» هذا العام، مع استبدال أحجار الألماس بأحجار براقة وزهيدة السعر، بما يجعل ثمن هذه القطع -المستنسخة - بمتناول يد الكثيرات. وتمتد عملية سطو التصاميم العالمية إلى «فان كليف آند أربلز» التي انتشرت علامتها الشبيهة بنجمة رباعية والتي ترمز لإحدى النباتات الجالبة للحظ.. هذه المجموعة التي تم إطلاقها قبل سنوات تحت مسمى «الحمراء» وتأتي مطعمة بالأحجار الكريمة، أصبحت من أكثر القطع استهلاكا في مشغولات الذهب السعودي، كقلادة أو سلاسل طويلة وكذلك خواتم وأساور، بمختلف الألوان والأحجام.
ولم تسلم مجوهرات «بوشرون» الفرنسية من عمليات الاستنساخ، حيث تنتشر تصاميم أساورها وخواتمها، التي تأتي في مشغولات ذهبية عيار 18. والطريف في ذلك أن دار المجوهرات هذه كان أول عرض لها في القصر الملكي في باريس في أوج عصر الإمبراطورية الفرنسية الثانية، حتى افتتح معرضها عام 1866 كواحد من أعرق متاجر المجوهرات عالميا، بينما قطعها «المقلدة» تنتشر بعشوائية في أسواق الذهب الشعبية في السعودية.
وفي الآونة الأخيرة برز حضور العلامة التجارية للمجوهرات الفرنسية «ميسيكا» التي تعد أحدث العلامات التجارية التي تم استنساخ تصاميمها في محلات الذهب السعودي، وذلك عبر تقليد قلادة شهيرة نزلت في أحدث مجموعات ميسكيا، ثم تم إعادة تصنيعها في ورشات الذهب المحلية عبر أحجام مختلفة، وهو ما أنتج مئات القلائد المقلدة والمنتشرة في عدة محلات للذهب.
أمام ذلك، توضح دانة العلمي، وهي عضو لجنة تجار المعادن الثمينة والأحجار الكريمة بالغرفة التجارية بجدة، أن الحاصل في سوق الذهب السعودية من سطو على تصاميم القطع العالمية عائد للرغبة في «الربح السريع وإرضاء العميل دون تعب»، وتضيف «أنا ضد استنساخ القطع الذهبية من العلامات التجارية الشهيرة، وأعتقد أن بعض النساء لم يعدن يقتنين أو يرتدين القطع الأصلية بسبب انتشار القطع المقلدة منها في السوق والمصنعة من الذهب الخالص بتصاميم مستوردة».
وبسؤال العلمي إن كان ذلك عائدا إلى شح في مصممي الذهب والمجوهرات في السعودية وندرة المواهب في هذا المجال، تنفي ذلك، قائلة: «في الفترة الأخيرة زاد عدد مصممي ومصممات الذهب والمجوهرات السعوديين، ولو كل مصنع تبنى مجموعة لخرجنا بابتكارات ربما تضاهي جمال التصاميم العالمية الشهيرة».
وتؤكد العلمي خلال حديثها لـ«الشرق الأوسط» بأن معظم تجار سوق الذهب السعودية ليسوا من الصناع أو المصممين، قائلة: «للأسف التاجر هدفه الأول هو الربح المادي، وليس الحفاظ على أصالة الذهب المحلي وتطوير صناعته، وما نلحظه مع انتشار المشغولات الذهبية المقلدة من التصاميم العالمية أن التاجر راضي بالعائد المادي والمستهلك سعيد باقتناء هذه القطع، على اعتبار أن ثمنها زهيد إذا ما قارناه بثمن القطع الأصلية التي تُباع في المتاجر العالمية».
يأتي ذلك في حين تكشف أحدث الأرقام أن حجم سوق الذهب السعودية يتجاوز أكثر من 33 مليار ريال (8.8 مليار دولار)، فيما يبلغ عدد محال الذهب 6 آلاف محل، كما أن الاستثمار في الذهب قد تخطى مطلع العام الحالي 14 مليار ريال (3.7 مليار دولار)، وقد تجاوزت مبيعات الذهب لعام 2015 الماضي أكثر من 25 مليار ريال (6.6 مليار دولار).
وفيما يتعلق بحجم الطلب في السوق السعودية فلقد تخطى 55 طنا، وتعد سوق الذهب السعودية من أكبر الأسواق في العالم من حيث الاستهلاك، والأولى عربيا، وهي المحرك الرئيسي لتجارة الذهب في المنطقة العربية، كما أنها تشكل نحو 30 في المائة من حجم سوق الذهب والمجوهرات في منطقة الشرق الأوسط.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».