رحيل أحمد زويل.. مبدع «الفيمتو ثانية»

عاشق أم كلثوم أوصى بدفنه في تراب مصر

العالم المصري د.أحمد زويل أثناء تسلمه جائزة نوبل في الكيمياء من ملك السويد كارل غوستاف في ستوكهولم عام 1999 (إ.ب.أ) - البروفسور أحمد زويل بعد حصوله على جائزة تقديرية أثناء حفل بدار الأوبرا المصرية عام 2009 (إ.ب.أ)  - في عام 2009 اختير د.أحمد زويل ليكون ضمن مستشاري الرئيس الأميركي باراك أوباما (أ.ب)
العالم المصري د.أحمد زويل أثناء تسلمه جائزة نوبل في الكيمياء من ملك السويد كارل غوستاف في ستوكهولم عام 1999 (إ.ب.أ) - البروفسور أحمد زويل بعد حصوله على جائزة تقديرية أثناء حفل بدار الأوبرا المصرية عام 2009 (إ.ب.أ) - في عام 2009 اختير د.أحمد زويل ليكون ضمن مستشاري الرئيس الأميركي باراك أوباما (أ.ب)
TT

رحيل أحمد زويل.. مبدع «الفيمتو ثانية»

العالم المصري د.أحمد زويل أثناء تسلمه جائزة نوبل في الكيمياء من ملك السويد كارل غوستاف في ستوكهولم عام 1999 (إ.ب.أ) - البروفسور أحمد زويل بعد حصوله على جائزة تقديرية أثناء حفل بدار الأوبرا المصرية عام 2009 (إ.ب.أ)  - في عام 2009 اختير د.أحمد زويل ليكون ضمن مستشاري الرئيس الأميركي باراك أوباما (أ.ب)
العالم المصري د.أحمد زويل أثناء تسلمه جائزة نوبل في الكيمياء من ملك السويد كارل غوستاف في ستوكهولم عام 1999 (إ.ب.أ) - البروفسور أحمد زويل بعد حصوله على جائزة تقديرية أثناء حفل بدار الأوبرا المصرية عام 2009 (إ.ب.أ) - في عام 2009 اختير د.أحمد زويل ليكون ضمن مستشاري الرئيس الأميركي باراك أوباما (أ.ب)

غادر العالم المصري أحمد زويل، عاشق صوت كوكب الشرق، معمله وأبحاثه، تاركا للبشرية أحد أهم إنجازاتها العلمية والحضارية في القرن العشرين «الفيمتو ثانية». لتفقد مصر والعالم أول عالم مصري وعربي يفوز بجائزة نوبل في الكيمياء، الذي غيبه الموت مساء أول من أمس (الثلاثاء) بمنزله بالولايات المتحدة الأميركية، عن عمر ناهز 70 عاما، بعد صراع مرير مع مرض السرطان.
ونعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ببالغ الحزن وعميق الأسى العالم الدكتور زويل، وتقدم بخالص التعازي والمواساة لأسرة العالم الراحل، وذويه وجميع تلاميذه ومحبيه من أبناء الوطن وخارجه. وقالت الرئاسة في بيان لها، أمس: «إن مصر فقدت ابنا بارا وعالما نابغا بذل جهودا دؤوبة لرفع اسمها عاليًا في مختلف المحافل العلمية الدولية، وتوَّجها بحصوله على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999 تقديرًا لأبحاثه في مجال علوم الليزر واكتشاف الفيمتو ثانية».
وتابع البيان: «كان الفقيد حريصًا على نقل ثمرة علمه وأبحاثه التي أثرت مجالي الكيمياء والفيزياء إلى أبناء مصر الذين يتخذون من الفقيد الراحل قدوة علمية عظيمة وقيمة إنسانية راقية؛ فحرصت مصر على تكريمه بمنحه وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى ثم قلادة النيل العظمى التي تُعد أرفع وسام مصري».
وأضاف: «سيظل الفقيد رمزًا للعالم الذي كرس حياته بشرف وأمانة وإخلاص للبحث العلمي، وخير معلمٍ لأجيال من علماء المستقبل الذين سيستكملون مسيرة عطائه من أجل توفير واقع أفضل للإنسانية».
كما نعى مجلس الوزراء المصري برئاسة شريف إسماعيل ببالغ الحزن وعميق الأسى العالم زويل. وأشاد المجلس في بيان له بالإسهامات التي قدمها في خدمة العلم والإنسانية، التي توجت بنيله جائزة نوبل في الكيمياء، كما ثمن المجلس الجهود التي بذلها الفقيد في سبيل رفعة بلاده بكل وطنية وإخلاص، من خلال وضع لبنة إنشاء مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، الذي يمثل مشروع مصر القومي للنهضة العلمية، ويهدف لرعاية العقول النابغة، وتهيئة المناخ والإمكانات التي تحفز على الإبداع والابتكار.
ويوارى جسد العالم الراحل في تراب وطنه مصر، بناء على وصيته في جنازة عسكرية. وأصدر وزير الخارجية المصري سامح شكري توجيهاته إلى كل من القنصلية العامة المصرية في لوس أنجليس والسفارة المصرية في واشنطن بالتحرك الفوري من أجل تقديم جميع التسهيلات لسرعة نقل جثمان زويل إلى أرض الوطن، والقيام بالاتصالات اللازمة مع السلطات الأميركية وأسرة الفقيد من أجل إتمام تلك المهمة على أكمل وجه وبالشكل الذي يليق بمكانة وقيمة فقيد الوطن.
وقال المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، إن الاتصالات الأولية التي قامت بها القنصلية العامة في لوس أنجليس تشير إلى أن الدكتور زويل قد وافته المنية أثناء زيارة كان يقوم بها لنجلته في مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا، وأنه تم على الفور نقل الجثمان إلى المركز الإسلامي في مدينة لوس أنجليس، حيث يتم تجهيز الجثمان حاليا لنقله إلى مصر تنفيذا لوصيته.
وأكد المتحدث أن وزير الخارجية تلقى نبأ وفاة الراحل الدكتور زويل ببالغ الحزن والأسى، مشيرا إلى أن الشعب المصري بأكمله، بل الإنسانية جمعاء، قد فقدت قامة علمية ووطنية عالية سوف يذكر التاريخ اسمها بكل عز وافتخار.
كما نعى الدكتور علي عبد العال رئيس مجلس النواب إلى الشعب المصري وقيادته ببالغ الحزن الدكتور زويل. ونعت مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا مؤسسها، مشيرة في بيان لها إلى أنها «سوف تستمر في مسيرتها العلمية بوصفها كيانا قوميا يسعى لنهضة مصر، ويعاهد طلابها وأعضاء هيئة التدريس وجميع العاملين بها الشعب المصري على تحقيق حلم الفقيد الراحل المتمثل في أمنيته بأن يرى مصر من الدول المتقدمة علميا وأن نجاح المدينة في تحقيق الهدف الذي أنشئت من أجله هي أعظم ما يمكن أن يقدم لروح العالم الجليل أحمد زويل».
وكان زويل قد حصل على بكالوريوس العلوم بامتياز مع مرتبة الشرف من جامعة الإسكندرية عام 1967 في الكيمياء وعمل معيدا بالكلية ثم حصل على درجة الماجستير في الكيمياء الفيزيائية من جامعة الإسكندرية ثم سافر إلى الولايات المتحدة للحصول على الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا في علوم الليزر، وحصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999.
وقررت الكلية إقامة سرادق لتلقي العزاء بمقر الكلية بالشاطبي فور وصول الجثمان إلى مصر، كما سيقام حفل تأبين بالمدرج الذي يحمل اسمه منذ العام 2010.
وأعربت رموز القوى السياسية والحزبية المصرية وشباب الثورة بأحزاب المؤتمر والجيل والغد وقائمة في حب مصر، عن شديد خسارتها وعزائها لوفاة زويل، مؤكدة أنه مصدر فخر لمصر والعالم العربي والإسلامي وأنه سيظل رمزا لكل مواطن مصري من العقول المهاجرة.
ونعى اتحاد كتاب مصر برئاسة الشاعر الدكتور علاء عبد الهادي إلى الشعب المصري، وفاة زويل. وقال الاتحاد في بيان له: «إن العالم أجمع فقد واحدا من أكثر علمائه أصالة وتفوقا، كان مثالاً يحتذى به في خلقه العلمي الرفيع، كما كان محلاً لتقدير دولي على المستويات كافة، بصفته رائدا حقيقيًا من قلة من العلماء في تاريخ العلم المعاصر كانت أبحاثهم النظرية وتطبيقاتها العملية متعدية الاختصاص».
وأضاف الاتحاد: «لم يبخل عالم مصر الكبير على وطنه بعلمه وآرائه وإسهاماته العلمية والاجتماعية، ولم يبخل وطنه عليه فقلدته مصر أرفع أوسمتها (قلادة النيل). كان الدكتور زويل حتى آخر لحظات حياته مثالاً للانتماء الوطني الأصيل، واهتم اهتماما خاصًا بالتعليم في مصر بصفته قاطرة مصر إلى المستقبل».
كما نعت سفارة الولايات المتحدة الأميركية بالقاهرة العالم الكبير، وكتبت على صفحتها على موقع «فيسبوك» باللغتين العربية والإنجليزية: «تنعى السفارة الأميركية بالقاهرة وفاة العالم المصري الجليل الحائز على جائزة نوبل أحمد زويل». وأضافت السفارة: «الولايات المتحدة والعالم كله ممتنون لمساهمات زويل في مجال كيمياء الفيمتو».
ونعى مجلس إدارة اتحاد الإعلاميين العرب برئاسة الدكتور فلاح العنزي، العالم الدكتور زويل، مشيرا إلى إنجازاته العلمية في خدمة الإنسانية التي ستظل فخرا للأجيال.

حياة مع العلم وجوائز تقديرية
ترك الدكتور زويل ثروة علمية خصبة، ستساهم في تحقيق أحلام البشر ورفاهيتهم باختراعه الفيمتو ثانية التي أدخلت العالم كله في زمن جديد لم تكن البشرية تتوقع أن تدركه لتمكنه من مراقبة حركة الذرات داخل الجزيئات أثناء التفاعل الكيميائي عن طريق تقنية الليزر السريع.
ولعب الدكتور زويل أدوارا مهمة في الحياة المصرية، فكان أحد الداعمين لثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، كما دعم الموجة الثانية من الثورة التي أنهت حكم الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين في 30 يونيو (حزيران) 2013. وساند شباب الثورة سواء من خلال لقاءاته المباشرة بهم، أو بياناته الداعمة التي كان يصدرها من الخارج، التي أزالت كثيرا من اللبس لدى الرأي العام في الغرب حول الأوضاع في مصر. وقد كان حريصا في كل هذه البيانات على الدعوة لنبذ العنف والحرص على مقدرات البلاد.
ونأى العالم الجليل بنفسه عن تولي أي مناصب سياسية رغم ترشيحه بإجماع الشباب وكل الفئات، مؤكدا أنه رجل علم، يسعى إلى خدمة الإنسانية من خلال أبحاثه، وأنه يتعاطى السياسة كأي مواطن يحلم بالأمن والاستقرار.
ولد الدكتور زويل في مدينة دمنهور، وفي سن 4 سنوات انتقل مع أسرته إلى مدينة دسوق بكفر الشيخ بوسط دلتا مصر، حيث تلقى تعليمه الأساسي والتحق بكلية العلوم بجامعة الإسكندرية وحصل على بكالوريوس العلوم بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف في عام 1967 وعمل معيدا بالكلية وحصل على درجة الماجستير عن بحث في علم الضوء.
سافر زويل إلى الولايات المتحدة في منحة دراسية وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة بنسلفانيا في علوم الليزر، ثم عمل باحثا في جامعة كاليفورنيا من عام 1974 إلى عام 1976. ثم انتقل للعمل في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك) أكبر الجامعات العلمية بالولايات المتحدة، وفي عام 1982 حصل على الجنسية الأميركية وتدرج في المناصب العلمية الدراسية إلى أن أصبح أستاذا ورئيس قسم الكيمياء، خلفا لينوس باولينج الذي حصل على جائزة نوبل مرتين.
ابتكر زويل نظام تصوير سريع للغاية يعمل باستخدام الليزر، له القدرة على رصد حركة الجزيئات عند نشوئها وعند التحام بعضها ببعض، والوحدة الزمنية التي تلتقط فيها الصورة هي فيمتو ثانية، وهو جزء من مليون مليار جزء من الثانية، ونشر له أكثر من 350 بحثا علميا في المجلات العلمية العالمية المتخصصة، وأدرج اسمه في قائمة الشرف بالولايات المتحدة التي تضم أهم الشخصيات التي ساهمت في النهضة الأميركية، حيث احتل المرتبة التاسعة من بين 29 شخصية بارزة باعتباره أهم علماء الليزر في الولايات المتحدة (تضم هذه القائمة ألبرت أينشتاين، وألكسندر جراهام بيل).
وفي عام 1999 حصل أحمد زويل على جائزة نوبل في الكيمياء عن اختراعه كاميرا لتحليل الطيف تعمل بسرعة (الفيمتو ثانية) ودراسته للتفاعلات الكيميائية باستخدامها.
وجاء في حيثيات منح الأكاديمية السويدية الملكية للعلوم جائزة نوبل للدكتور زويل أن تكريمه جاء نتيجة للثورة الهائلة في العلوم الكيميائية من خلال أبحاثه الرائدة في مجال ردود الفعل الكيميائية واستخدام أشعة الليزر، حيث أدت أبحاثه إلى ميلاد ما يسمى بكيمياء الفيمتو ثانية واستخدام آلات التصوير الفائقة السرعة لمراقبة التفاعلات الكيميائية بسرعة الفيمتو ثانية، مؤكدة أن هذا الاكتشاف أحدث ثورة في علم الكيمياء وفي العلوم المرتبطة به، وأن الأبحاث التي قام بها تسمح لنا بأن نفهم ونتنبأ بالتفاعلات المهمة.
وأكدت الأكاديمية السويدية في حيثيات منحها الجائزة لأحمد زويل أن هذا الاكتشاف قد أحدث ثورة في علم الكيمياء وفي العلوم المرتبطة به، إذ إن الأبحاث التي قام بها تسمح لنا بأن نفهم ونتنبأ بالتفاعلات المهمة.
كما حصل زويل على كثير من الأوسمة والنياشين والجوائز العالمية لأبحاثه الرائدة في علوم الليزر وعلم الفيمتو التي حاز بسببها على 31 جائزة دولية منها جائزة «ماكس بلانك» وهي الأولى في ألمانيا، وجائزة «وولش» الأميركية وحصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة أوكسفورد والجامعة الأميركية بالقاهرة وجامعة الإسكندرية وقامت مصر بمنحه قلادة النيل العظمى وهي أعلى وسام مصري.
وفى عام 2009 أعلن البيت الأبيض عن اختيار الدكتور زويل ضمن مجلس مستشاري الرئيس الأميركي للعلوم والتكنولوجيا، الذي يضم 20 عالما مرموقا في عدد من المجالات. كما تم تعيينه مؤخرا مبعوثا علميا للولايات المتحدة لدول الشرق الأوسط.

أم كلثوم والزواج
يشار إلى أن العالم المصري الراحل كان من عشاق الموسيقى خصوصا الأغاني الشرقية، وكان دائم الاستماع إلى أغاني كوكب الشرق أم كلثوم، وكانت أغنية «يا مسهرني» من أغانيه المفضلة التي حفظها عن ظهر قلب، وكانت أولى محطات الحب في حياته أثناء فترة عمله معيدًا بجامعة الإسكندرية، فبين الطالبات اللاتي كان يدرس لهن، كانت تجلس «ميرفت» الحب الأول والزوجة الأولى أيضًا، فكان زويل يصفها دائمًا بالطالبة الوقورة والجادة، التي ينم جمال وجهها عن عدد من الصفات الحميدة، التي كانت سبب إعجاب زويل بها، ودفعته لأن يتقدم لوالدها ليتم زواجه الأول وينجب منها مرتين.
وعقب ولادة ابنته الثانية أماني في الولايات المتحدة وبسبب ظروف زويل العملية التي تفرض عليه ترك الولاية التي يعيش فيها مع أسرته، بدأت المشكلات، وقرر الانفصال عن زوجته وتكريس حياته للعلم.
أما الزواج الثاني، فجاء بعد لقاء خاص حيث دق قلب زويل مرة أخرى عندما التقى زوجته السورية ديما الفحام التي أحبها وشاركته حياته على الحلوة والمرة، حيث تعرف عليها في المملكة العربية السعودية، والدها هو العالم الجليل الدكتور شاكر الفحام رئيس مجمع اللغة العربية في سوريا، وكان وزيرا وسفيرا.. والتقى بها حينما كان في زيارة للسعودية لتسلم جائزة الملك فيصل في العلوم وكان والدها يتسلم أيضا جائزة الملك فيصل في الأدب العربي.. وتزوجها لتشاركه الحياة. ولحظات الدفء العائلي. ولدى زويل أربعة أبناء من الزيجتين: مها خريجة جامعة «كالتك» الأميركية.. وأماني درست الطب في جامعة «شيكاغو»، ونبيل 22 عاما وهاني 21 عاما.
وعن اللحظات التي كان يسعد بقضائها زويل، قال إنها تلك اللحظات التي كان يقضيها في حديقة منزله مع كتاب يحبه.. وبجواره زوجته وأمامهما فنجان قهوة وأبناؤه حولهما.. متابعًا: «مفيش أجمل من كده.. أجمل بكتير من سفريات الدنيا.. ولقاء رؤساء الدول.. والحصول على الجوائز والتكريم».



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».