عمليات إنقاذ الورشات الحرفية الصغيرة لا تزال مستمرة

أهمية الحرير تلهب اهتمام بيوت الأزياء بمصنعيها

من عرض «شانيل» الأخير حيث يظهر استعمالها ورشاتها الحرفية واضحًا
من عرض «شانيل» الأخير حيث يظهر استعمالها ورشاتها الحرفية واضحًا
TT

عمليات إنقاذ الورشات الحرفية الصغيرة لا تزال مستمرة

من عرض «شانيل» الأخير حيث يظهر استعمالها ورشاتها الحرفية واضحًا
من عرض «شانيل» الأخير حيث يظهر استعمالها ورشاتها الحرفية واضحًا

يتبع صناع الموضة في السنوات الأخيرة استراتيجيات جديدة هادفة، وكأنهم يريدون التعويض عن الجانب الاستهلاكي والتجاري. في إيطاليا تتركز هذه الاستراتيجيات إلى حد كبير على ترميم معالم سياحية مهمة تآكلت بفعل الزمن، حيث تولت دار «فندي» مثلا، ترميم نافورة تريفي الشهيرة، ودار «تودز» مبنى الكولوسيوم التاريخي. أما في فرنسا فتركزت على إنقاذ ورشات متخصصة وصغيرة من السهل أن تضيع في خضم المنافسة الشديدة على تحقيق الربح، وبالتالي تفضل أحيانا الكم على الكيف. الكم هنا يعني أن الورشات ليست لديها الإمكانات «الصينية» التي تتيح لها الإنتاج بكميات كبيرة، والكيف يعني الحرفية. من هذا المنطلق، احتضنت بعض المجموعات الضخمة مثل «ريشمون» و«إل.في.آم.آش» منتجين وورشات صغيرة، تتباين بين مصانع للدباغة أو مزارعي ورود وأزهار لصناعة العطور.
بيد أنه من الخطأ الاعتقاد بأن الجانب العاطفي، أو الإنساني، هو الدافع الوحيد وراء هذه الاستراتيجيات رغم كل إيجابياتها. فهؤلاء المجموعات، وبعد حسبة بسيطة توصلت إلى أنها ولكي تحافظ على سير العمل، وعلى ولاء وإقبال زبائن باتوا يطلبون الحرفية في كل شيء، عليها أن تحتضن هذه الورشات وتضمن استمراريتها. كانت دار «شانيل» أول من تبنى هذه العملية منذ نحو 14 عاما حين اشترت ورشات فرنسية كان من الممكن أن تختفي، مثل «لوساج» للتطريز و«ماسارو» للأحذية و«باري» الاسكوتلندية المتخصصة في الصوف والكشمير، وغيرها من الورشات التي وصلت إلى أكثر من 14 ورشة لحد الآن. فكرتها هي الحفاظ على هذه المهارات التي لا يكتمل قطاع الـ«هوت كوتير» من دونها؛ كونه قطاعا يحتاج إلى أعمال يدوية تتطلب خبرات طويلة من المفروض أن تتوارث عبر الأجيال. ما يُحسب لـ«شانيل» أنها لم تحتكر هذه الورشات، بل العكس، فتحت لها المجال للتعاون مع بيوت أزياء أخرى، على شرط أن تكون لها الأولوية. مؤخرا، استثمرت في ثلاثة معامل جديدة، واقعة في إقليم لوار الفرنسي، ومتخصصة في إنتاج الحرير، بنية أن تضخ فيها إمكانات جديدة تساعد على تطويرها وعصرنتها.
كما حصلت في بداية يوليو (تموز) الماضي على حصة كبيرة من شركة «ريشارد تانيري» المنتجة لجلود الخرفان؛ لتنضم بهذا إلى شركة دباغة أخرى هي «بودين جوايو تانيري»، من الإقليم نفسه، كانت «شانيل» قد اشترتها في عام 2013. قبل ذلك بعام احتضنت أيضا شركة «كوس» المتخصصة في صنع قفازات اليد، وفي أبريل (نيسان) الماضي، اشترت حصة من شركة «صوفي هاليت» المتخصصة في إنتاج الدانتيل، التي ظلت ملكا عائليا لـ129 عاما في عاصمة الدانتيل الفرنسية، كاليه. تجدر الإشارة إلى أن «صوفي هاليت»، هي الشركة التي تولت صنع الدانتيل الذي استعملته المصممة سارة بيرتون في فستان زفاف كايت ميدلتون على الأمير ويليام. فالمتعارف عليه، أن الدانتيل الذي تنتجه الشركة من أفضل الأنواع وأكثرها دقة من حيث تطريزاتها. لكن تراجع الإقبال على الدانتيل في الآونة الأخيرة بسبب تراجع طلبات السوق الروسية تحديدا، عرَض الشركة إلى «وعكة» مالية تطلبت تدخلا سريعا لم تتأخر عنه «شانيل».
وإذا كانت هذه الأخيرة أول من احتضن معظم الورشات الحرفية تحت لواء شركة أطلقت عليها اسم «برافيكشن»، فإنها ليست الوحيدة التي انتبهت إلى أهمية الاستثمار في الحرير. فقد سبقتها دار «هيرميس» بالوصول إلى مصنعي الحرير في منطقة ليون الفرنسية، وتوظيف 800 شخص متخصص في هذا المجال منذ بضع سنوات. وهذا يدل إلى تزايد أهمية الأقمشة والأنسجة بالنسبة لبيوت الأزياء؛ كونها الأسهل حاليا لتطويع التصاميم وصياغتها بأشكال جديدة ومبتكرة، خصوصا بعد تطور تقنياتها. والطريف أن علاقة الفرنسيين بالحرير ليست وليدة الساعة، بل تعود إلى منافسة تاريخية بينهم وبين الإيطاليين. فقبل القرن الـ16 كان الصقليون يحتكرون هذه الصناعة في أوروبا؛ الأمر الذي لم يرق للملك هنري IV فطلب من مزارعي منطقة البروفانس استبدال زراعة أشجار التوت بإنتاج دود القز، ليبدأ بذلك تقليدا لا يزال متبعا إلى الآن في المنطقة.



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.