من هم المبدعون الأكثر تأثيرًا في هوليوود؟

ديكابريو الأول في قائمة الممثلين وسبيلبرغ يتقدم المخرجين

جينيفر لورنس (أ.ف.ب)
جينيفر لورنس (أ.ف.ب)
TT

من هم المبدعون الأكثر تأثيرًا في هوليوود؟

جينيفر لورنس (أ.ف.ب)
جينيفر لورنس (أ.ف.ب)

تتألف الصورة الواقعية لهوليوود من ثلاث فئات من المشتغلين في السينما. ومن دون إطالة في الكلام، هم المنتجون ورؤساء الاستوديوهات وأقسام الإنتاج في الاستوديوهات، والمخرجون والممثلون.
الفريق الأول (المنتجون والرؤساء) يتعامل مع الميزانيات والأرقام ولديه على مكتبه زر أخضر وزر أحمر. أي مشروع لا يراه محتمل النجاح يضغط على الزر الأحمر فيتوجه المشروع إما لمنتج آخر لعل وعسى تختلف وجهة نظره، أو - وهذا هو الغالب - إلى صندوق القمامة بلا رجعة.
أما الفريقان الثاني والثالث فهم المبدعون. المشتغلون أكثر في النواحي الفنية التي من بينها فن كيف تنجز فيلما يرضي الفريق الأول. وإذا كان اللاعب هنا أكثر مهارة فالسؤال يصبح: كيف تنجز فيلما يرضي الفريق الأول ويرضيه هو.
يتولى الفريق الأول قيادة السفينة منذ أربعة عقود أثمرت عن ارتفاع أسعار التذاكر، ارتفاع الميزانيات، أخذ ناصية المبادرة من المخرجين (باستثناء القلة)، التحكم فيما يتم إنتاجه وما لا يتم وتكوين ثروات كبيرة شخصية كما للاستوديو الذي يعمل معه.
«بزنس إز بزنس» هو كل المفهوم الذي على المنتجين ورؤساء الاستوديوهات وأقسامها تبنيه وحتى من بين هؤلاء من هم في مراتب قوّة أعلى من مراتب قوّة آخرين من أمثالهم: بوب إيغر (حسب قائمة حديثة نشرتها «ذا هوليوود ريبورتر») هو رجل المال والقوّة الأول في هوليوود. إنه رئيس شركة وولت ديزني التي جمعت في العام الماضي 52 مليار و600 مليون دولار من كافة نشاطاتها (تلفزيون، ميديا، مدن الملاهي والإنتاجات السينمائية) من بينها 7 مليارات و400 مليون دولار من إنتاج وتوزيع الأفلام السينمائية.
وهناك نحو خمسة وثمانين منتجا ورئيس استوديو آخر لديهم سُـلطات قوية في هوليوود يمتدون على خريطة أكثر الهوليووديين تأثيرًا. الخمسة عشر الآخرون الذين يكملون مائة أكثر السينمائيين تأثيرًا هم من فريق المبدعين الذي يشمل المخرجين والممثلين.
هؤلاء هم محظوظون بلا ريب. فلو اعتبرنا أن جمعية الممثلين الأميركيين تحتوي على أكثر من 26 ألف منتسب، وأن جمعية المخرجين الأميركيين فيها قرابة 7000 عضو، يكون من السهل التأكد من أن هذه القلة من الأسماء المشتغلة اليوم هي بالفعل الأكثر نجاحًا. قريب منها هناك حلقة أخرى من الناجحين، لكن العشرة الأكثر نجاحًا ينخرطون في المراتب الأمامية معتمدين، كما سنلاحظ، على نجاحاتهم في تقديم أعمال فنية لامعة بدعم من الفريق الأول الذي يعلم أنه يحتاج إلى الأسماء والمواهب لكي يؤمن قسطًا إضافيًا من النجاح لا يستطيع مخرجون وممثلون كثيرون تأمينه لسبب أو لآخر.
على هذا النحو ما ترى سيكون شكل قائمتين لأكثر أصحاب النفوذ والتأثير من بين المخرجين والممثلين؟ ولماذا هؤلاء الأشخاص دون سواهم؟ ما هي آخر نجاحاتهم وماذا عن أعمالهم الفاشلة من حين لآخر؟ الإجابات في السطور التالية علمًا بأن ترتيب الأولوية هو بالنظر لمكانة المبدع السينمائي الواقعية وحدها. ما فعلناه، لجانب الرد على هذه التساؤلات، هو إلقاء نظرة مستقلة عن أي مصدر قمنا فيه ببحث مستفيض حول مكانة خمسة عشر ممثلاً وعشرة مخرجين نشطين معروفين لانتخاب خمسة من كل فريق.

الممثلون ليوناردو ديكابريو

هناك أسباب كثيرة وراء نجاح «المنبعث» The Revenant بعضها له علاقة بالموضوع المختلف الذي سبقته دعاية قوية، وبعضها له علاقة بشهرة مخرجه أليخاندرو غونزاليز إيناريتو كسينمائي مغاير عن الجميع، وبعضها له علاقة بمجموعة عوامل فنية متشابكة ما بين مواقع التصوير وطريقته، وهذا كله قبل أن يستحوذ الفيلم على أوسكاراته الثلاثة. لكن من أهمها هو قيام ليوناردو ديكابريو ببطولة الفيلم.
ليوناردو ممثل محبوب واختياراته من الأعمال تمزج بين الفني والسياسي. هو ج. إدغار هو اليميني المتطرف الذي قاد الـ«إف بي آي» لأكثر من خمسة عقود في «ج. إدغار»، ثم هو المحتال الذي لطش أموال الناس في البورصات في فيلم مارتن سكورسيزي «ذئب وول ستريت» وهو عميل الـ«سي آي إيه» المنتقد لمنوالها في العمل في «كيان الأكاذيب» لريدلي سكوت. وحين لا تكون المواضيع ذات شأن سياسي، فإن الشأن الإنساني يطغى كما الحال في «المغادر» و«الملاح» (وكلاهما من إخراج سكورسيزي) و«المنبعث» كما في «غاتسبي العظيم» لباز لورمان.
وهو منتج للكثير من الأفلام التي يمثلها والكثير من الأفلام التي لا يمثلها (فيلمان جديدان له يعرضان له كمنتج فقط خلال الأشهر العشرة المقبلة). ككل واحد في هذا «البزنس» الذي اسمه هوليوود، له سقطاته الفاشلة، لكنها أقل عنده من سواه.
• آخر نجاح: «المنبعث»: 533 مليون دولار من الإيرادات العالمية.
• آخر فشل: «حدائق عدن»: فيلم صغير قام بإنتاجه قبل تسع سنوات.
• الرهان المقبل: «عش ليلاً» Live By Night: هذا الفيلم التشويقي من بطولة وإخراج بن أفلك الذي نقرأ اسمه أيضًا لجانب ديكابريو كمنتج. تكلف 110 ملايين دولار.

براد بت
تتألف لائحة مشاريعه المقبلة، بما فيها تلك التي لا تزال حبرًا على الورق، من 40 معظمها سينمائي (بعدما دخل مجال الإنتاج التلفزيوني لمسلسل بعنوان «عداوة» سيبث في السنة المقبلة) من بينها ثلاثة أفلام انتهى تصويرها، ورابع في التصوير وأربعة أخرى جاهزة للانطلاق قبل نهاية العام وطوال السنة المقبلة.
معظم هذه الأفلام من إنتاجه والقليل منها من بطولته. لكن الجمهور يقبل عليه حين يمثل محتفظًا له بصورته السابقة كشاب وسيم منذ أن سرق الاهتمام من سوزان ساراندون وجينا ديفيز في فيلم ريدلي سكوت «ثلما ولويس» وذلك في المشهد الصغير أيام ما كان لا يزال في الثامنة والعشرين من العمر سنة 1991.
• آخر نجاح: «التقصير الكبير»: الكوميديا السوداء حول هؤلاء الذين كوّنوا ثروة على أنقاض أزمة 2008 العقارية. بت أنتج الفيلم ولعب فيه دورًا مساندا. بلغت ميزانية العمل 28 مليون دولار لكنه أنجز عالميًا أكثر من 100 مليون دولار بقليل.
• آخر فشل: في العام الماضي قرر الظهور مع زوجته أنجلينا جولي لأول مرّة منذ فيلمهما الوحيد المشترك «مستر ومسز سميث» قبل عشر سنوات. لكن على عكس ذلك الفيلم لم يقدر لـ«بجانب البحر» تحقيق النجاح ذاته.
• الرهان المقبل: كل واحد من أفلام الثلاث المقبلة هذا العام هو رهان، لكن الأهم بينها (نسبة لارتفاع سعره ولمكانة براد بت ذاتها) الفيلم الحربي «حلفاء» Allied مع روبرت زميكيس مخرجًا.

جنيفر لورنس‬
‬‫«ستفضحنا… ‬أعطها ما تطلب».
تستطيع أن تتخيل ردّ فعل أكثر من منتج أو رئيس إنتاج عندما فتحت جنيفر لورنس النار في مطلع هذه السنة بالقول: إن الممثلات يتقاضين أقل مما يتقاضاه الرجال حتى عندما يقدن الأفلام ويؤدين أدوار البطولة. ما فعلته ابنة الخامسة والعشرين هو أنها ضمنت أن هوليوود ستساوي أجرها، وبذلك استفادت و(ربما) تكون أفادت بعض الممثلات الواقفات مباشرة خارج هذه الحلقة.
في سن الخامسة والعشرين تبدو امرأة أعمال بقدر ما هي ممثلة ناجحة لكن أحدًا لا يستطيع أن يثق من أن نجاحها تم بسبب سلسلة «ألعاب الجوع»… أما الآن وقد انتهت السلسلة فإن المستقبل يتضمن مفترق طرق. على أي حال هي نالت ما تمنته: حاليا تصور فيلما بعنوان Passengers ميزانيته 120 مليون دولار، وأجرها فيه 20 مليون دولار.
• آخر نجاح: «رجال إكس: القيامة» ولو أنها واحدة من بين أكثر من ممثل رئيسي.
• آخر فشل: «مرح»، الذي هو فيلم مستقل لم تنتظر منه هوليوود نجاحًا فائقًا.
• الرهان المقبل: «ركّـاب».
بن أفلك‬

باتمان الجديد أنجز نجاحًا لا بأس به. صحيح أن «باتمان ضد سوبرمان» حظي بردود فعل متناقضة من قِـبل النقاد، لكن الجمهور، في نهاية الأمر، استجاب ودفع فيه 873 مليون دولار. مثل براد بت وليوناردو ديكابريو (منتج فيلمه المقبل «عش ليلاً»‪(بن أفلك لديه شعبية ممتازة وتأييد جيد من شركة وورنر التي تراه أشبه بكلينت ايستوود الذي دعمته ولا تزال). ومثلهما صار منتجًا لكنه أيضًا حقق نجاحًا ملموسًا كمخرج ما يساعده على الارتقاء والثبات في مكانه حاليًا.
كان ذكر لنا أنه فكر مليًا قبل أن يوافق على دور باتمان، وأضاف: «اتصلت بجورج كلوني الذي قال لي: خذ الدور. لا تنتظر. وافق فورًا». جورج كلوني أكد بدوره أن أفلك اتصل به للنصيحة: «قلت له. لا تخشَ شيئا. خذ الدور».
• آخر نجاح: «باتمان ضد سوبرمان».
• آخر فشل: فيلم صغير بعنوان «راكض راكض» لم ينجز المأمول منه.
• الرهان المقبل: «المحاسب» الذي سينطلق في موسم الجوائز المقبل.
دواين جونسون‬
في الأساس، كان من المفترض بدواين جونسون أن يكون نسخة العقد الحالي من أرنولد شوارزنيغر: عضلات، أفلام قوّة، مغامرات و… أكشن على طول الخط. لكن شيئا مختلفًا لمع في مسيرته: نجح كممثل كوميدي أيضًا وكممثل ضمن فريق عمل واسع وهو أمر لم يقدم عليه شوارزنيغر إلا بعدما تجاوز سن الشباب.
دواين (44 سنة) وسع دائرة أدواره في السنوات الثلاث الأخيرة. مثل فيلم الكوارث («سان أندرياس») والكوميدي («المخابرات المركزية») وشارك في إحدى أكثر السلسلات السينمائية شهرة («غاضب وهائج»). ومؤخرًا أضاف إلى نجاحه التمثيل للتلفزيون وسنراه كسوبر هيرو في «دوك سافاج».
• آخر نجاح: «المخابرات المركزية» ليس بالنجاح الفائق لكنه نجاح لا بأس به على أي حال.
• آخر فشل: «هيركوليس»: بدوره ليس فشلاً كبيرًا، لكن الفيلم لم ينجز المأمول منه.
• الرهان المقبل: Baywatch حيث يلعب دور حارس شواطئ.
المخرجون ستيفن سبيلبرغ‬

ثروته تقترب من 5 بلايين دولار. اسمه مثل الليرة الذهب. أشغاله متعددة. طموحاته كبيرة. أفلامه يعرضها على ديزني أو يونيفرسال أو سواهما وترضى بها قبل أن تقرأها. هذا المنوال من النجاح بات صفة لازمة يلاحقه كظله. ولو أنه من الضروري القول: إن ليس كل فيلم يوقعه هذه الأيام يحقق النجاح بالحجم المطلوب. ففي السنوات الخمس الأخيرة تعثرت له ثلاثة أفلام من إخراجه (وإنتاجه) وهي «مغامرات تان تان» (2011) و«لينكولن» (2012) وفيلمه الجديد The BFG. تعثرت لكنها لم تسقط تمامًا. ما نجح أكثر من الثلاثة معًا كان الفيلم الذي أنتجه فقط «عالم جيروسيك» (2015).
• آخر نجاح: «عالم جيروسيك»: ميزانيته بلغت 150 مليون دولار والإقبال عليه أثمر عن بليون و670 مليون دولار.
• آخر فشل: «الصديق العملاق الودود» (أو The BFG) الذي تكلف 140 مليونا وجلب الرقم ذاته حتى الآن حول العالم.
• الرهان المقبل: يقوم حاليًا بإنتاج حلقة جديدة من مسلسل «ترانسفورمرز»، واحتمالات نجاحه أعلى بكثير من احتمالات فشله.

جيمس كاميرون‫‬

جيمس كاميرون حالة خاصّـة بين المخرجين: فيلمه الأخير مخرجًا (ومنتجًا) «أفاتار» لم يهزم بعد في تاريخ إيرادات الأفلام العالمية إذ ما يزال يحتفظ بالمركز الأول علاوة على كل منافسيه وذلك برقم لا يسهل اختراقه: ملياران و780 مليون دولار. ‬
رغم ذلك، هذا هو آخر فيلم من تحقيقه حتى الآن. بعد فوزه بعدد من الأوسكارات النفيسة، وبأطنان من الأموال قرر أنه ليس مستعجلاً للإخراج، فملأ المسافة بين العام 2009 (تاريخ خروج «أفاتار») واليوم بإنتاجات وكتابات وانصرف على الاستعداد لتحقيق جزء ثان من «أفاتار» فقط، بل أربعة أجزاء لاحقة ستأخذه من العام 2018 حتى العام 2023… كما خطط.‬
• آخر نجاح: «أفاتار» ‬
• آخر فشل: لا يوجد.‬
• الرهان المقبل: من المبكر الحديث عنه. ‬
كريستوفر نولان‬

هو أحد منتجي «باتمان ضد سوبرمان» لكن «باتمان» كان من بين ممتلكاته الشخصية إلى أن قرر أنه اكتفى منه سنة 2012 عندما أخرج «صعود الفارس الداكن» مع كريستيان بايل في البطولة. هو مخرج دقيق في التفاصيل ولديه رؤية فنية جيدة وأعماله ليس من السهل تقويضها واعتبارها تقليدية حتى وإن انتمت إلى «الفورميلا».
في مستقبله بضعة مشاريع مثيرة للاهتمام ستحكم له أو عليه، لكنه ليس قلقًا ولا المعجبين به لكونه برهن عن جدارته منذ البداية.
• آخر نجاح: «باتمان ضد سوبرمان».
• آخر فشل: قد يعتبر البعض أن «بين النجوم» لم ينجز نجاحًا كبيرًا. لكن الفيلم حقق 665 مليون دولار على الرغم من هذه السمعة. وفي الواقع هو لم يحقق فيلما فاشلاً منذ بداية مهنته كمخرج سنة 2000 عندما أخرج «مومنتو».
• الرهان المقبل: فيلم حرب يصوّره حاليًا في فرنسا بعنوان «دنكيرك».
ج ج أبرامز‬

من المبالغة أن نقول إنه مخرج جيد بمستوى من سبق تقديمهم (أو بمستوى الاسم الخامس في هذه اللائحة)، لكن ج ج أبرامز مثلهم جميعًا من المخرجين الذين تستمع هوليوود لطموحاتهم.
أبرامز من المخرجين الحرفيين الذين يعملون جيدًا إذا لم يُـطلب لنفسه التمتع برؤية فنية. عندما حاول ذلك في «سوبر 8» قبل خمس سنوات أصيبت طموحاته بنكسة. كان بدأ العمل بنجاح كمنتج ثم أخرج الجزء الثالث من «مهمة: مستحيلة» (2006) و«ستار ترك» (2009). بعد «سوبر 8» عاد إلى سينما المغامرة وحقق «ستار ترك» آخر و«ستار وورز: القوة تستيقظ» وبنجاحات ضخمة.
• آخر نجاح: «ستار وورز: القوّة تستيقظ» لا يهم ما تكلفه الفيلم (245 مليون دولار) فهو جمع مليارا و870 مليون دولار حول العالم.
• آخر فشل: «سوبر 8».
• الرهان المقبل: «ستار وورز» جديد، ما يعني إنه ليس رهانًا بقدر ما هو تذكرة مضمونة لنجاح مستفيض.
مارتن سكورسيزي‬

هو شيخ الشباب. أكبر المتواجدين الناجحين في الساحة سنا (73 سنة) وأكثرهم فنًا وتفننًا. وشعبيته تلاحقه في معظم ما ينجزه من أعمال. والفريد به من بين من تم ذكرهم، أنه لا يحقق أفلاما ومسلسلات تجارية كبيرة مثل «باتمان» و«آيرون مان» أو «سوبرمان»، بل ينجز أعمالاً محبوبة من الجمهور العريض (وبالتالي من المنتجين ومالكي الأزرار الخضراء والحمراء) ومتنوعة.
• آخر نجاح: «فينيل»: فيلم تلفزيوني على ثلاث حلقات أخرج الحلقة الأولى منها وأنتجها جميعًا. الإقبال كان حاشدًا بسبب اسمه كما لأن الموضوع المختار يضم عالمين اشتهر بهما: العصابات والموسيقى.
• آخر فشل: علينا أن نعود إلى العام 1997 لنجد أن «كوندون» فشل في العثور على جمهور كاف.
• الرهان المقبل: «صمت»: يصوّره الآن وسيكون جاهزًا للعرض في موسم الجوائز. الحقبة تاريخية والموضوع ديني والأمل أن لا يكون «كوندون» آخر.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».