رحيل عبد الله العسكر.. المدافع الشرس عن التاريخ والمؤرخين

أحد أهم المؤرخين السعوديين في العصر الحديث

عبد الله العسكر
عبد الله العسكر
TT

رحيل عبد الله العسكر.. المدافع الشرس عن التاريخ والمؤرخين

عبد الله العسكر
عبد الله العسكر

تاريخ من نور، صنعه ووضعه على مسرح الأحداث، له من الكلمة القول الفصل، وفي بحوثه ما يشفع للوعي والحق كي يظهر، يكتب بشجاعة في مساحات المقالات، وينتقي التميز فيما ينشره ويشرف عليه، يكشف الغمام عن النور، ويجعل من الكتابة التاريخية تحليلا رابطا بين السياسة والشؤون الاجتماعية حتى الهوية.
قبل أن يظهر حضوره في التأليف عبر الكتب، يسبقه الحديث عن صفاته الأخلاقية، يتحلى بالنبل الجم، فزاد على حضور إبداعاته وبحوثه، بحثا جديدا غير محدود بالزمن، لكن هذا الكبير الراحل، ترك ميراثا لا يعد ولا يحصى من الأعمال التاريخية والترجمات النادرة التي تناولها بشجاعة، وجعل من التاريخ الشرقي مادة حية تستحق التأملات.
عبد الله بن إبراهيم العسكر (1952 - 2016) عضو مجلس الشورى السعودي، أحد أهم المؤرخين السعوديين، من طينة الفكر والبحث التي سار عليها من سبقوه في جيل ذهبي، أمثال حمد الجاسر وعبد الله بن خميس، فكان مثلهم على المسار، ذهبي الكلمة ممتطيا صهوة البحث لتعزيز قيمة عروبته وجزيرته العربية، فأصبح صدى حضوره شرقا وغربا في عالم التأريخ والمؤرخين.
حصل على دكتوراه في الفلسفة من جامعة كاليفورنيا عام 1985، في تخصص التاريخ الإسلامي والتاريخ الوسيط للجزيرة العربية، وهو مؤسس ورئيس وعضو في عدد من اللجان العلمية، منها جمعية دراسات الشرق الأوسط بأميركا، والجمعية التاريخية الأميركية، والجمعية الجغرافية الأميركية، واتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة، والجمعية التاريخية السعودية، وجمعية السعودية للآثار، وجمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون.
مؤرخ على المسارين، أكاديمي ينشر المعرفة، وكاتب بمداد قلمه للعالم، لا يوجه رسائله للشخوص، بل للعموم، لا يكتفي من البحث، ولا يكتفي من القراءة، ولا الكتابة الصادقة. حين يكتب، لا يتاجر بقضية أو يوزع همومه على الناس في مقالاته، بل يوجهها نحو كل شيء، مما جعل كتاباته صالحة لكل زمن، زمن الفضاء وأزمنة سابقة.
لا يتعمق في الصراعات، قريب من كل الصفوف، وقل أن يوجد له أعداء، يمارس دوره الذي يتقنه بحرفية عالية، جعل للفكر تاريخا في التاريخ، وجعل للأجيال تاريخا في المكان، وربط من مضوا بمن يعيشون، يتحرك كثيرا ومليا، ويتحرك بملء الإرادة نحو مبتغاه الذي أضحى مطلبا وتخصصا في أروقة الجامعات.
مع الطفرة النفطية في السعودية، اتجه الناس إلى صنع معيشتهم، والظفر بما فرضته عليهم الحياة المدنية الجديدة، متطلعين لما يكون أكرم في حاضرهم وغدهم، وجعلوا أمرهم منكبا على العمل، وصنع الحياة، مبتعدين أكثر عن الميل للأدب والتدوين والكتابة، والبحث في أغوار التاريخ، فكان هو ممن تصدوا لهذا الحقل الواسع، الذي يعتبره العسكر السيرة الذاتية للأوطان والشعوب.
مدافع شرس عن التاريخ والمؤرخين، كان حزينا على دخول المتخصص وغير المتخصص لهذا الحقل، ومطالبا في كل محفل بأن يكون هناك اهتمام واسع بالتاريخ في المشرق، كما تهتم به دول من الغرب، إذ يرى أن التاريخ في المشرق لا يزال نهبا بين علوم مشتتة. حين يتحدث ويكتب يكون دوما محتفظا بوطنه في جوارحه، وفؤاده، ممسكا بمشعل التاريخ المضيء نحو صناعة تنمية حقيقية على صعيد الثقافة، مبحرا في التاريخ للبحث عن منابع جعلت مَن بعده يخصص دراساته وبحوثه عن شخصه، كونه سبقهم وأطفأ نهم بعض الاكتشافات.
عاش الراحل عبد الله العسكر جل عمره في خدمة أرضه، والكشف عن تاريخها، وكتب فيها عشقا، وكتب للحياة هنا. فيه صبر مزارع قديم، ينتظر نبوغ نبتته لتصنع ثمارا تأتيه أسواقها قبل ذهابه، نشد وكتب في إعادة الأمجاد العريقة، وكان في جلّ تجاربه يستدعي الشواهد المضيئة للأمتين العربية والإسلامية؛ لتعضد فكره وقوله.
تربع وطنه وتاريخ أمته الإسلامية في جلّ أبحاثه ونصوصه، تحكي مسيرة البلاد منذ التأسيس، ودائما تشير إلى ماضي الوطن، فيكتسب من المقارنات صورا شتى، يقيم عليها مسيرة وطنه، كما كانت ترجماته سجلا حافلا لعهود مضيئة من تاريخ البلاد، انتقى منها ما يفيد واستفاض في شروحاته لتضع مؤقتا في التاريخ، ونقاط أبحاث عدة لمن خلفه.
كان مفسرا حثيثا ومدافعا عما يصفه كتّاب وباحثون في «الوهابية»، فانبرى العسكر مرارا مترجما ومؤصلا، كاتبا: «إن إسقاط الأخطاء والهزائم والتشدد والتطرف الذي يعاني منه العالم العربي على الوهابية، هذا الصنيع لا يمت للتاريخ أو درس التاريخ بصلة. فبيئة الدعوة أنبتت الدعوة، ولا يمكن أن يقبل العقل أن الدعوة في بدايتها منبتّة عما حولها»، وأن الدعوة السلفية بسيطة مثل بساطة صحراء نجد، ولا ترى فيها فلسفة معقولة أو غير معقولة. وصدر للعسكر ترجمة في شأن متصل بذلك، عن «دار جداول للنشر والترجمة»، لكتاب «الدعوة الوهابية والمملكة العربية السعودية» للدكتور ديفيد كمنز، والكتاب يؤرخ لمسيرة الدعوة منذ اتفاق الدرعية إلى الوقت الحاضر، بربط معلومات تاريخية ودينية واجتماعية واقتصادية وسياسية في منظومة فكرية وبناء راسخ، مفندا برؤية تاريخية دعوات تجديد الخطاب الديني، معبرا عن أن التوحيد لا يحتاج إلى تجديد، بل لا يجوز المساس به، فما يحتاج إلى تجديد هو أصول الفقه؛ لأن تجديدها هو المدخل لتجديد مسائل الاجتهادات الفقهية المتراكمة على مر العصور، مفندا أنه لم يعد مطلب التجديد في الفكر والتجربة الإيمانية الإسلامية محض مطلب نظري، وإنما ضرورة ملحة واستثنائية في هذه المرحلة المفصلية في واقع المسلمين الحالي.
أثرى الراحل العسكر المكتبات بغزير إنتاجه المتنوع في صنوف الأدب والتاريخ والجغرافيا. كتبه عن «التاريخ الإسلامي»: «المؤلفات النادرة عن المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية»، و«اليمامة في صدر الإسلام (بالإنجليزية)»، وكتابه عن «الأصول الإسلامية للتدوين التاريخي»، واشترك في كتابة أطلس التاريخ السعودي، ومعجم التاريخ السعودي، بالاشتراك مع دارة الملك عبد العزيز، وكتب وأبحاث وترجمات متنوعة، منها ترجمة عن «فكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب».
اتجه في دراساته إلى البحث عن «المؤرخين الجدد»، مشجعا المواهب الشابة على التأريخ والبحث، حتى تظل الهوية الوطنية صلبة ومتسقة مع التطور الذي يشهده العالم؛ لأنه وفق منظوره لا تستطيع أي دولة أن تحصن نفسها من انهيار هويتها الوطنية، إلا إذا كانت الهوية الوطنية صلبة لا يهمها ولا يزعجها اختبار الزمن الذي تجد نفسها أمامه.
بموضوعية يكتب عن التاريخ الإسلامي، كون أحد أزماته أنه يجد أنه مكتوب مرتين، وأحيانا أكثر من ذلك، فهو مرة مكتوب من وجهة النظر السنية وأخرى من وجهة النظر الشيعية، والاتفاق بينهما قليل!.. فأبطال هؤلاء هم مجرمو أولئك.. بدءًا من الاغتيالات والمواجهات والحروب وانتهاءً بالفكر والإبداع، لكن ذلك اعتبر دعوة للمؤرخين باعتماد الحق، والتدخل بالنقد والتحليل والمقارنة واستقراء الأحداث واستنطاقها، وفق تحليل منطقي يقبله العقل الناقد المستقل.
كتب قبل عامين، في مقالة دوّنها بعد وفاة والدته: «غموض الموت سبب أصيل للحيرة التي يعانيها الإنسان في كل زمان ومكان من جرائه، ذلك أن الموت يقسو فيخطف العزيز بين أهله وذويه»، فكان هو اللاحق بجسده، على إثر حادث مروري بالأمس، في مدينة الإسكندرية بمصر، التي كان يقضي فيها إجازته السنوية. رحل عبد الله العسكر، وظل تأريخه مستمرا ونابضا في نفوس من زاملوه، وحتما من قرؤوا له إنتاجاته الثقافية، وقاسيا برحيله على التاريخ.



«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.