فلسطين تخير بريطانيا بين الاعتذار عن وعد بلفور.. أو المحاكمة

المالكي: من حقنا مقاضاة كل من أخطأ بحقنا

مسنة فلسطينية تستريح أمام عتبة منزلها في غزة (أ.ف.ب)
مسنة فلسطينية تستريح أمام عتبة منزلها في غزة (أ.ف.ب)
TT

فلسطين تخير بريطانيا بين الاعتذار عن وعد بلفور.. أو المحاكمة

مسنة فلسطينية تستريح أمام عتبة منزلها في غزة (أ.ف.ب)
مسنة فلسطينية تستريح أمام عتبة منزلها في غزة (أ.ف.ب)

خير وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، بريطانيا، بين الاعتذار عن وعد بلفور، ومقاضاتها على ذلك، في إشارة إلى سعي السلطة لرفع قضية على بريطانيا بسبب الوعد الذي أعطاه وزير الخارجية البريطاني الأسبق، آرثر بلفور، في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1917، متعهدا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ما تسبب في طرد وهجرة مئات آلاف الفلسطينيين، وإقامة إسرائيل.
وقال المالكي إن «القضية ستبقى عالقة حتى تعتذر بريطانيا»، عما وصفه ظلما تاريخيا، في قضية اتخذ فيها وزير الخارجية البريطاني قرارا «في قضية لا تخص بريطانيا ولا يحق لها إصداره أبدا».
وربط المالكي الاعتذار بخطوات بريطانية عملية، وهي اعتراف بريطاني بدولة فلسطينية على حدود عام 67 والقدس الشرقية عاصمة لها، «لتصويب خطئها وظلمها التاريخي في وعد بلفور، الذي انتهى بالنكبة والنزوح والمعاناة ومنع قيام دولة فلسطين، وعلى العكس أرهص لإنشاء دولة الاحتلال».
وقال المالكي في تصريح بثته وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية أمس: «لقد أملت فلسطين أن يكون لدى بريطانيا شجاعة ومسؤولية تاريخية وسياسية، لتتقدم إلى الأمام وتعلن رسميا اعتذارها للشعب الفلسطيني عن وعد بلفور في الذكرى المائة عليه، ولذلك قررت القيادة التأكيد في خطابها في مؤتمر القمة العربية في نواكشوط بموريتانيا، على حق الشعب الفلسطيني في مراجعة ومحاسبة كل من أخطأ بحقه، حتى وإن كان قبل مائة عام، بعدما تبين لها أن الحكومة البريطانية لم تصل بالتفكير إلى مستوى الاعتذار عن الظلم التاريخي ومحاولاتها للاحتفال مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بذكرى مرور مائة عام على وعد بلفور».
ومحاولة الاحتفال التي تحدث عنها المالكي، كانت سببا مباشرا في قرار القيادة الفلسطينية اتخاذ خطوات نحو مقاضاة بريطانيا.
وقالت مصادر فلسطينية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن ما أثير حول ترتيبات يجريها نواب ومسؤولون بريطانيون مع مسؤولين يهود حول احتفالات بالمناسبة المئوية لوعد بلفور، استفزت الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي قرر الطلب من العرب التحرك والمساعدة في مقاضاة بريطانيا.
وبحسب المصادر تسعى السلطة لإعداد ملف قانوني بمساعدة عربية.
وكان المالكي الذي تحدث نيابة عن عباس في قمة نواكشوط، قبل أيام، اتهم بريطانيا بالمسؤولية عن جميع الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل منذ نهاية الانتداب علم 1948.
وقال وزير الخارجية الفلسطيني: «إن القيادة الفلسطينية تعمل من أجل فتح ملف الجرائم الدولية التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني من الانتداب مرورًا بالمجازر عام 1948». مضيفا: «إن وعد بلفور أدى إلى حدوث هجرة لليهود إلى فلسطين بأعداد كبيرة على حساب الشعب الفلسطيني».
وتابع المالكي: «إن قرنا من الزمان تقريبا قد مضى على وعد بلفور، وبناء على ذلك الوعد المشؤوم وصل إلى فلسطين مئات آلاف اليهود من أوروبا وأماكن أخرى، على حساب الشعب الفلسطيني، الذي عاش أبناؤه وأجداده في فلسطين على مدى آلاف السنين». وأعلن المالكي أن القضية سترفع لدى المحكمة الدولية الجنائية.
ولم تعلق بريطانيا، حتى الآن، على التصريح. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أصدر تصريحا قال فيه: «بعد نحو 4000 عام من التاريخ اليهودي على هذه الأرض، وقرابة مائة عام منذ إعلان بلفور، و68 عاما منذ إقامة دولة إسرائيل، هنالك من لا يزال ينكر صلتنا الوطيدة بأرضنا. لقد سمعت أن السلطة الفلسطينية تنوي مقاضاة بريطانيا حول إعلان بلفور. ومعنى ذلك أنها لا ترفض الدولة اليهودية وحسب، بل هي ترفض البيت القومي اليهودي الذي سبق الدولة اليهودية. إنها ستفشل بذلك، ولكن هذا يسلط الضوء على جذور الصراع، وهي عبارة عن الرفض الفلسطيني للاعتراف بالدولة اليهودية مهما كانت حدودها. هذا كان ولا يزال قلب الصراع ولغاية أن نعترف بذلك، ونقول لشعوب العالم، إن هذه هي جذور الصراع، وهذا هو التحريض الذي يرافقها - لن يكون هناك حل ولكن هذه المحاولة أيضا ستتكلل بالفشل».
وردت الخارجية الفلسطينية بقولها إنها ماضية في سعيها مقاضاة بريطانيا.
وقال المالكي: «قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإلقاء القنبلة خلال القمة العربية الأخيرة، حول سعي السلطة لمقاضاة بريطانيا، ونحن في انتظار ردود الفعل عليها».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم