سوق البدو وجهة الباحثين عن مقتنيات الماضي يجتاحها التطوير

عمرها تجاوز 140 عاما

سوق البدو وجهة الباحثين عن مقتنيات الماضي يجتاحها التطوير
TT

سوق البدو وجهة الباحثين عن مقتنيات الماضي يجتاحها التطوير

سوق البدو وجهة الباحثين عن مقتنيات الماضي يجتاحها التطوير

تدخل سوق «البدو» شرق المنطقة التاريخية في جدة، مرحلة التغيير والتطوير، لإنعاش ذاكرة المتسوقين ومرتاديها، عبر محاولات حثيثة للحاق بجيرانها من الأسواق القديمة مثل «قابل، العلوي، الندى» التي بدأت في لبس ثوبها الجديد الذي يتوافق مع متطلبات اليونيسكو.
وتعد سوق «البدو» أولى محطات القادمين من خارج السور والمنطقة التاريخية قبل 140 عاما، من سكان القرى والبدو المنتشرين على خريطة منطقة مكة المكرمة، لشراء حاجاتهم من السلع التي يقبل عليها قاطنو القرى والمتمثلة في الأقمشة بكل أشكالها وأنواعها (البراقع، العباءات، الحبال، وأنواع محددة من البهارات والزعفران والقرفة)، إضافة إلى كل السلع الأساسية كالأرز والقمح، ودكاكين النحاسين المتخصصين في صناعة الدلال والقدور، وأنواع مختلفة من الأواني المنزلية.
وناضلت سوق «البدو» وحيدة بعيدا عن أقرانها في المنطقة التاريخية بحكم ما تعرضه، للوقوف في وجه كل التحديات والتطور في عرض السلع داخل المجمعات والمراكز التجارية، خاصة بعد أن خرج عدد من المهن في مقدمتها صناعة الفضة في مطلع التسعينات التي شهدت ثورة قبل 80 عاما في صناعة القلائد الفضية والخواتم، وأغلق عدد من دكاكين النحاسين في فترات مختلفة من عمر السوق.
وأخذ مركز السوق بالقرب من بوابة «باب مكة» موقعا استراتيجيا في تداول السلع، وتحديدا ما يأتي محملا على الإبل من حصاد المزارعين من حبوب وتمور تستقر بها في قلب السوق، إلا أنه بتطور الحال غدت السوق تعتمد على ميناء جدة الإسلامي في تجارتها وبعض الحاجات التقليدية التي تصنع في داخل السوق، في حين ظلت السوق تبيع السلع التقليدية القديمة التي تستقطب الزوار حتى يومنا هذا من النساء في شراء الأقمشة الفاخرة والحرائر المطرزة التي تفد من الكثير من دول العالم.
وقال عبد العزيز الغامدي، المتحدث الرسمي لأمانة مدينة جدة، إن الأمانة تقوم بعمل مهم في تطوير المنطقة التاريخية وبدأت في عدد من المشاريع التأهيلية والتطويرية للمنطقة، ومنها سوق قابل، وذلك وفقا لمتطلبات منظمة اليونيسكو المهتمة بالتراث العالمي، لتكون المنطقة التاريخية ضمن المواقع التاريخية المسجلة في اليونيسكو، لافتا إلى أن سوق البدو ستدخل مرحلة التطوير خلال الفترة المقبلة بعد الانتهاء من عدد من المواقع.
وأضاف الغامدي، أن هناك مشاريع لترميم المباني التاريخية في منطقة البلد، مع تطوير أعمدة الإنارة وإنشاء مواقف وأرصفة وترميم المتحف، وكل هذه الخطوات وغيرها تعمل وفق سياق واحد لإخراج المنطقة القديمة بحلتها الجيدة.
ويبدو أن سوق «البدو» المتخصصة في بيع مستلزمات أهل البادية والقرى المجاورة لمدينة جدة، فقدت الكثير من تجارها وملاك «الدكاكين» (المحال التجارية) التي كانت تقوم بعرض السلع، ولم يبق سوى عدد من أحفاد ملاك هذه المواقع المحافظ عليها في تقديم السلع التقليدية ومنها البراقع، وبعض أنواع النحاس والخواتم.
ويقول العم خالد بن صالح، مالك أحد مواقع البيع، إن السوق كانت من أهم أسواق جدة قبل 100 عام، وقد ورث هذه الموقع عن والده، وأخذت السوق أهميتها من قربها للبوابة الرئيسة التي يفد منها الحجاج والمعتمرون لداخل المنطقة التاريخية، إضافة إلى دخول كل السلع من تلك البوابة، وكانت السوق تبدأ بعد صلاة الفجر وتنتهي قبل صلاة المغرب.
وأردف العم خالد، أن عمليات البيع والشراء في تلك الحقبة كانت بالريال الفضة والجنيه الذهب، وكانت تحمل هذه المبالغ المالية داخل صناديق يطلق عليها «المناقيل»، إلا أنه بعد مرور هذه السنوات فقدت السوق شيئا من طابعها القديم، خاصة في بيع السلع التقليدية التي كان يقبل عليها المتسوقون، لافتا إلى أن الكثير من الصناعات النحاسية اختفت من السوق بسبب عزوف المستهلك عن تلميع أو صناعة الأواني.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».