المخرج المصري محمد خان.. «خرج ولم يعد»

رحل عن عمر ناهز الـ73.. وحصد محبة الناس و«رقمًا قوميًا»

عادل إمام في مشهد من فيلم «الحريف» -  المخرج محمد خان - أحمد زكي في لقطة من فيلم «السادات» - سعاد حسني وأحمد زكي في «موعد على العشاء» - نور الشريف ونورا في فيلم «ضربة شمس»
عادل إمام في مشهد من فيلم «الحريف» - المخرج محمد خان - أحمد زكي في لقطة من فيلم «السادات» - سعاد حسني وأحمد زكي في «موعد على العشاء» - نور الشريف ونورا في فيلم «ضربة شمس»
TT

المخرج المصري محمد خان.. «خرج ولم يعد»

عادل إمام في مشهد من فيلم «الحريف» -  المخرج محمد خان - أحمد زكي في لقطة من فيلم «السادات» - سعاد حسني وأحمد زكي في «موعد على العشاء» - نور الشريف ونورا في فيلم «ضربة شمس»
عادل إمام في مشهد من فيلم «الحريف» - المخرج محمد خان - أحمد زكي في لقطة من فيلم «السادات» - سعاد حسني وأحمد زكي في «موعد على العشاء» - نور الشريف ونورا في فيلم «ضربة شمس»

لملم المخرج المصري الكبير، محمد خان، أوراقه السينمائية «قبل زحمة الصيف»، عنوان آخر أفلامه الذي عرض العام الحالي، ورحل عن عالمنا عن عمر ناهز الـ73 عاما، إثر أزمة صحية مفاجئة، لينهي مسيرة فنية كفلت له مكانا بارزا في تاريخ السينما، حصد خلالها محبة الناس ورقما قوميا يثبت جنسيته المصرية التي حصل عليها رسميا قبل عامين فقط.
وشيع محمد خان في جنازة مهيبة شارك فيها المئات من محبيه، من مسجد الكويتي في ضاحية المعادي (جنوب القاهرة)، ووارى جثمانه الثرى في مقابر الأسرة في الضاحية نفسها.
ونعى حلمي النمنم وزير الثقافة المصري، المخرج محمد خان الذي وافته المنية، فجر أمس، إثر تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها لمستشفى بالمعادي. وقال وزير الثقافة إن صناعة السينما في مصر فقدت اليوم واحدا من أبرز صناع السينما الواقعية، التي أثراها بـ24 فيلما، وأضاف الوزير، أن «خان برع من خلال أعماله في رسم صورة بانورامية واقعية وتقديم وثيقة اجتماعية وسياسية وإنسانية تصف المجتمع المصري ببساطة».
كما أصدرت دار الكتب والوثائق القومية بيانا تنعى فيه رحيل المخرج الكبير خان، واصفة إياه بأمهر السحرة في السينما المصرية، وأعلنت دار الكتب والوثائق القومية، أمس، حدادا على «رجل من أعظم صناع البهجة في تاريخنا».
ولد المخرج الكبير محمد خان بمصر في 26 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1942 لأب باكستاني وأم مصرية، وظل يناضل لكي يحصل على الجنسية المصرية لسنوات، حتى دشن محبو الراحل الكبير حملة للمطالبة بمنحه الجنسية، وهو ما تحقق بقرار جمهوري أصدره الرئيس المؤقت للبلاد عدلي منصور عام 2014.
ولد محمد خان في 26 أكتوبر عام 1942 في القاهرة، لأب باكستاني وأم مصرية. وبدأت رحلته مع الفن بدراسته في مدرسة لندن لفنون السينما عام 1963 في إنجلترا وكان فيلم «ضربة شمس» أول تجاربه الفنية عام 1973 وكان آخر أفلامه «قبل زحمة الصيف» بداية العام الحالي.
كما ظهر ممثلا أيضا في مشاهد قليلة ببعض الأفلام المصرية مثل «ملك وكتابة» إخراج كاملة أبو ذكري و«بيبو وبشير» إخراج مريم أبو عوف.
وقدم خان أفلاما جسدت الواقع السياسي والاجتماعي المصري على مدى عقود، في أفلام أبرزها «خرج ولم يعد»، وكرمته الدولة عام 2001 عن فيلم «أيام السادات» الذي أرخ لحياة الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
ومن أبرز أفلامه «ضربة شمس» بطولة نور الشريف و«الحريف» بطولة عادل إمام و«زوجة رجل مهم» بطولة أحمد زكي و«فتاة المصنع» الذي نال عنه جائزة الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين «فيبرسي» من مهرجان دبي السينمائي الدولي في 2013.
ورثاه عبر وسائل التواصل الاجتماعي كثير من الفنانين بينهم الممثلة بتول الحداد التي عملت معه في «فتاة المصنع» وكتبت على حسابها بموقع «انستغرام»: «وداعا الأستاذ والفنان وأجمل ضحكة.. الخبر كان صدمة بشعة».
وكان مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بصدد إعداد كتيب عنه بعنوان «سينما محمد خان» لإصداره في دورته المقبلة في نوفمبر (تشرين الثاني) بمناسبة تكريمه في المهرجان.
حصل خان على جائزة تقدير ذهبية عن أول أفلامه «ضربة شمس» في مهرجان الإسكندرية الدولي عام 1979. وحصد فيلم «طائر على الطريق» جائزة لجنة التحكيم في مهرجان القارات الثلاث في فرنسا 1981. وجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان جمعية الفيلم 1982، وجائزة التقدير الذهبية من الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما 1981، والجائزة الأولى في ليالي الإسكندرية السينمائية 1981.
وفى عام 1982 حصل فيلم «نص أرنب» على الجائزة الأولى في مهرجان القاهرة الدولي مناصفة مع فيلم «العار»، ثم حصل على جائزة أفضل إخراج لفيلم «الحريف» من جمعية الفيلم، وفي عام 1984 حصل فيلم «خرج ولم يعد» على جائزة التانيت الفضي. أما فيلم «في شقة مصر الجديدة» فحصد جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان دمشق السينمائي عام 2007، وجائزة الخنجر الفضي والجائزة الخاصة للجنة النقاد والصحافيين في مهرجان مسقط السينمائي 2008. وشارك في مهرجان دبي السينمائي 2007، ومهرجاني «بالم سبرينجز» و«سان رفايل» في الولايات المتحدة 2008، ومثل مصر في مسابقة الأوسكار للفيلم الأجنبي 2008.
ومن بين مخرجي السينما المصرية كان خان من القلائل الذين اهتموا برصد واقع المرأة المصرية ودفعوا بها لموقع البطولة، ليحكي عن معاناتها، وكانت البداية مع فيلم «زوجة رجل مهم» الذي لعبت بطولته الفنانة ميرفت أمين، يشاركها أحمد زكي، في واحد من أهم أعماله السينمائية التي أرخت لسبعينات القرن الماضي. وكذلك في فيلم «موعد مع العشاء» للراحلين سعاد حسني، وأحمد زكي، والفنان حسين فهمي، حيث تعاني الزوجة من إهمال زوجها وحينما يطرق الحب بابها على يد رجل آخر تقرر بدء الحياة معه إلا أن فرحتها لم تكتمل بعد أن يقوم الزوج بقتله.
ويعيش خان أوجاع وهموم المرأة المطحونة في «أحلام هند وكاميليا» الخادمتين اللتين كلما اعتقدا أن الدنيا ابتسمت في وجهيهما يغلق السواد أعينهما من جديد، وحتى مع رصد الراحل أبناء هذه الطبقات لم ينس قيمة الحب لديهن. وواصل خان مسيرته مع المرأة في «بنات وسط البلد»، و«فتاة المصنع»، وأخيرا في «قبل زحمة الصيف».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».