«على البحر».. مجموعات فوتوغرافية تكتسي بسحر الأبيض والأسود

250 صورة لشواطئ مصر المختلفة من بدايات القرن العشرين

جانب من المعرض الذي يوثق لمظاهر المصيف لدى المصريين منذ عشرينات القرن الماضي - الفنانة المصرية هالة القوصي في محاضرة على هامش معرض «على البحر»
جانب من المعرض الذي يوثق لمظاهر المصيف لدى المصريين منذ عشرينات القرن الماضي - الفنانة المصرية هالة القوصي في محاضرة على هامش معرض «على البحر»
TT

«على البحر».. مجموعات فوتوغرافية تكتسي بسحر الأبيض والأسود

جانب من المعرض الذي يوثق لمظاهر المصيف لدى المصريين منذ عشرينات القرن الماضي - الفنانة المصرية هالة القوصي في محاضرة على هامش معرض «على البحر»
جانب من المعرض الذي يوثق لمظاهر المصيف لدى المصريين منذ عشرينات القرن الماضي - الفنانة المصرية هالة القوصي في محاضرة على هامش معرض «على البحر»

لقطات عفوية وأخرى احترافية بعدسات مصورين ترسم ملامح المعيشة في بدايات القرن العشرين وكيف كان أهل ذلك الوقت يستمتعون بأوقاتهم على البحر، هذا ما ترويه لك الصور التي احتضنتها جدران وكالة بهنا التاريخية بالإسكندرية في معرض بعنوان «على البحر» من مجموعة «فوتو مصر».
يضم المعرض 250 صورة من صور المصايف المصرية من فترة العشرينات إلى الثمانينات من شواطئ مصر المختلفة، على امتداد كورنيش الإسكندرية ورأس البر وبلطيم وجمصة ومرسى مطروح، ويستمر المعرض حتى يوم 4 أغسطس (آب) المقبل.
وبالتجول في أنحاء المعرض سوف يبدو للمتأمل كيف تبدلت هيئة وأزياء المصريين وأبناء الجاليات التي أقامت بمصر على مدار العقود الماضية، كما تبدلت أيضا عاداتهم وتقاليدهم. ففي الصور التي تعود للأربعينات مثلا ستجد العائلات حريصة على التقاط الصور بشكل جماعي مما يدل على ترابطهم الأسري في حين يقل هذا الترابط تدريجيا ويبدو جليا في الصور التي تظهر في الثمانينات.
المثير في أمر هذا المعرض أنه يمثل حالة من التوثيق الجماعي للتاريخ، فهو يمثل خلاصة جهود قامت بها الفنانة المصرية هالة القوصي منذ عدة سنوات لجمع الصور الفوتوغرافية عبر صفحة «فوتو مصر» على موقع «فيسبوك»، وهي المجموعات الفوتوغرافية التي تعمل القوصي وعدد من الهواة والمتطوعين بجمعها ونشرها إلكترونيا، حيث يقوم كل فرد بالاجتهاد وجمع تفاصيل ومعلومات حول كل صورة كنوع من التوثيق الجماعي لما وراء الصور.
وعلى هامش المعرض، دشنت هالة القوصي كتابا مصورا بعنوان «على البحر» الذي صدر مؤخرا عن دار نشر «بعد البحر». ويأتي هذا الكتاب المصور ليكون الثاني بين مجموعات «فوتو مصر» الفوتوغرافية، بعد كتاب «صور الأفراح».
ويجمع كتاب «على البحر» أكثر من 250 صورة بغلاف يحمل صورة الفنانة الاستعراضية الشهيرة إنصاف رُشدي، التي اشتهرت في ثلاثينات القرن العشرين، بملابس للبحر «مايوه» يحمل صبغة الحقبة، على خلفية ثابتة لبحر أخذت في أحد استوديوهات القاهرة، وتعتزم القوصي وعدد من الفنانين إصدار 10 أجزاء أخرى توثق لمراحل مختلفة من حياة المصريين على أن يصدر الجزء الثالث بعنوان «الإخوة والأصدقاء» ليضم صورا جماعية وتذكارية للمصريين في الجامعات والنوادي والاستوديوهات.
كما قدمت الفنانة البصرية هالة القوصي محاضرة شيقة تحدثت فيها عن أهمية الصور القديمة التي قد يراها البعض مجرد نوع من الحنين إلى الماضي أو الزمن الجميل. «تقدم الصور التاريخ المصري من زاوية مختلفة» هكذا تشرح وترصد القوصي عبر حديثها عن المجموعات الفوتوغرافية طبيعة ونمط حياة الأسر المصرية التي كانت تعتاد الاصطياف على الشواطئ، من خلال رصد طبيعة الملابس وأسلوبها وقصات الشعر، كما ترصد التصنيف الطبقي والفترة التاريخية التي التقطت فيها الصور واسم المصور وما إذا كانت الصورة تعود لأحد المحترفين في فن التصوير أو لأحد الهواة الذين كانوا يعملون كمصورين متجولين على الشواطئ.
تقول القوصي لـ«الشرق الأوسط» إن مصر بها كنوز من الصور الفوتوغرافية التي لم تستغل، وللأسف تعرض جزء كبير من تلك الكنوز إلى التلف أو الضياع بسبب الحروب أو هجرة الكثير من الأسر الأجنبية التي كانت تعيش بمصر، حيث باع المصورون الأرمن واليونانيون استوديوهاتهم وممتلكاتهم والتي تم بيعها بعد ذلك لتجار التحف. وتؤكد القوصي إلى أن الصور الفوتوغرافية تتيح لنا إعادة قراءة التاريخ عبر تفاصيلها، لذا آثرت جمعها في كتاب «على البحر».
تشير القوصي إلى أنه فضلا عن المعلومات التي تنطوي عليها الصور فإن هناك معلومات مثيرة للاهتمام كالتواريخ وأختام للاستوديوهات ومعامل التصوير التي تفشي تفاصيل الحياة في تلك الحقب الزمنية. وكانت القوصي قد جمعت صورًا تجسد مراحل فن الفوتوغرافيا في مصر، بداية من صور المستشرقين عن مصر في نهايات القرن التاسع عشر، والاستوديوهات الخاصة التي افتتحها الأجانب من الأرمن واليونانيين في العشرينات من القرن العشرين، وحتى انضمام المصريين إلى مهنة التصوير في أوائل الخمسينات.
جدير بالذكر أن هالة القوصي ولدت في القاهرة عام 1974. بعد حصولها على بكالوريوس إدارة الأعمال من الجامعة الأميركية في القاهرة في 1996. عملت كمصورة في مجال الإعلانات حتى عام 2000. وفي 2002 حصلت القوصي على شهادة الماجستير في الصورة والاتصال من كلية غولدسميث، جامعة لندن وحاضرت عن التصوير الفوتوغرافي في الجامعة الأميركية ما بين عامي 2002 و2003. وفي عام 2004، ساهمت مع عدد من الفنانين في تأسيس مركز الصورة المعاصرة وهو أول مكان معني بالصورة بكل أشكالها في الوطن العربي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».