ألعاب جوالة.. عنوانها الابتكار والمضامين والمعاني

تقدم مشاهد حزينة عن ليلى في غزة .. وأخرى مسلية للصغار

لعبة «ليلى وظلال الحرب»
لعبة «ليلى وظلال الحرب»
TT

ألعاب جوالة.. عنوانها الابتكار والمضامين والمعاني

لعبة «ليلى وظلال الحرب»
لعبة «ليلى وظلال الحرب»

تجولت حديثا في محال بيع التطبيقات بحثا عن الألعاب في الكومبيوتر والهاتف المحمول التي تتميز بالابتكار والجمال إضافة إلى وجود مضامين ومعان فيها.

ليلى وحرب غزة
وكان أحد تلك التطبيقات لعبة «ليلى وظلال الحرب Liyla and the Shadows of War» المتوفر مجانا على نظامي تشغيل آي أو إس وآندرويد. وللوهلة الأولي، تبدو اللعبة مثل تلك الألعاب ثنائية الأبعاد التي تحوي منصات وسلالم، باستثناء الصور الغامقة والأصوات الكئيبة، إلا أنه اتضح أنها مختلفة تماما.
تعتمد لعبة «ليلى وظلال الحرب» على الأحداث الواقعية في غزة وتضعك في موضع المسؤولية عن عائلة تحاول العيش في منطقة حضرية مزقتها الحرب. تقفز وأنت في اللعبة من مستوى لآخر، وتجتاز الصعاب والتهديدات، وبمنح شخصية مجسدة لصورة العائلة، الموجودة في الظل، وإضافة تهديدات مثل نيران القناصة والطائرات من دون طيار والقذائف، ونشر سيارات محترقة في المكان وإضافة أصوات صرخات عالية وأنفاس متقطعة كمؤثرات صوتية، استطاع مصمم البرنامج رشيد عبيدة Rasheed Abueideh تنفيذ برنامج تربوي أكثر منه لعبة للتسلية. تجسد اللعبة بعض مشاهد الرعب في المنطقة مما يؤثر على اللاعبين أو المشاهدين على حد سواء، فقد شاهدني ابني المتمرس في ألعاب الكومبيوتر والذي لم يتعد عمره سبع سنوات أثناء اللعب لبعض الوقت وقال إن اللعبة كانت مختلفة لأنها «حزينة جدا».

لعبة موسيقية يابانية
يمكن تحميل لعبة «فويز Voez» مجانا على نظام تشغيل آندرويد، وآي أو إس لتستمتع باللعب مع نغمات الموسيقي. تعتمد اللعبة على رد فعلك لحركة الأيقونات على شاشة الهاتف التي تتحرك في أوقات محددة مع الموسيقى، وما عليك إلا الضغط على الأيقونات وقت هبوطها للأسفل لتسجل النقاط، وتتحدد النقاط حسب دقة توقيت النقر على الشاشة. بخلاف التطبيقات الأخرى، يتمتع تطبيق «فيوز» بصور رقصة مستوحاة من التراث الياباني.
تسير اللعبة في سلاسة مع الموسيقي الإلكترونية التي تدغدغ العصب الأيمن في المخ، في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة اللعبة. ويتحرك كل شيء في الشاشة طوال الوقت، بما في ذلك الوقت الذي يتعين عليك نقر الشاشة فيه مع صوت الموسيقي المصاحبة. قد تجد أناملك وانتباهك يتراقص في جميع مستويات اللعبة، وستستمتع بمشاهدة قصة الفرقة التي تقوم بمساعدتها. هناك لعبة مسلية أخرى باسم «الإخوة: قصة أخوين Brothers: A Tale of Two Sons» بسعر 5 دولارات، وهي عبارة عن لعبة مغامرة جديدة متاحة على آندرويد ونظام تشغيل آي أو إس منذ فترة طويلة. يتمتع البرنامج بملامح إضافية مثل بيئة الأبعاد الثلاثية والألغاز المطلوب حلها. بيد أن الأخوين في اللعبة لا يتواصلان بلغة يمكن فهمها، كذلك عليك التحكم في حركة اللاعبين باستخدام إصبعي الإبهام على الشاشة، إلا أن هذا الأمر يتصف بالصعوبة.

لاعبون صغار
بالنسبة للاعبين الصغار، فإن لعبة «العثور على السمكة دوري Finding Dory» تعتبر جديدة من إنتاج ديزني وهي متوفرة بسعر أربعة دولارات على نظم تشغيل آي أو إس وآندرويد وويندوز. اشتملت الألعاب السابقة من هذا النوع على ألعاب أقل حرفية أو ألعاب غير تخيلية، لكن لعبة «العثور على السمكة» مبهجة نظرا لكونها ثلاثية الأبعاد ومستوحاة من لعبة «العثور على نيمو Finding Nemo». وأنت كلاعب، أو كالسمكة نفسها، عليك السباحة وتفادي الموانع وجمع الفقاعات والعثور على أفراد الفريق المفقود. تتميز اللعبة بالمتعة والبساطة وسيستمتع بها عشاق الهاتف. هناك أيضا برنامج «الرومان من كوكب المريخ Romans From Mars» المتاح على نظامي تطبيق آي أو إس وآندرويد.
واللعبة هنا عبارة عن برج دفاع عليك الاستمرار في الدفاع من خلاله، واللعبة كلاسيكية تعمل على شاشة الهاتف. تستطيع كذلك تحميل برنامج الواقع الافتراضي 360 الذي يعمل بنظامي آي أو إس وآندرويد، ثم توصيل هاتفك للعمل مع غوغل كاردبورد. في الواقع الافتراضي، سوف تكون معركتك في مواجهة أمواج من البشر الشريرين أكثر شراسة وسوف ترفع من درجة الأدرينالين لديك رغم الشكل الكارتوني للعبة. وأخيرا.. تمتع بألعاب سعيدة.
* خدمة «نيويورك تايمز»



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)