الرئاسة المصرية تسعى لحصار التطرف في المساجد وسط مقاومة الأئمة والدعاة

هددوا باستقالات جماعية في مواجهة إجراءات حكومية

الرئاسة المصرية تسعى لحصار التطرف في المساجد وسط مقاومة الأئمة والدعاة
TT

الرئاسة المصرية تسعى لحصار التطرف في المساجد وسط مقاومة الأئمة والدعاة

الرئاسة المصرية تسعى لحصار التطرف في المساجد وسط مقاومة الأئمة والدعاة

عقد مستشارون للرئاسة المصرية اجتماعات مع مسؤولين حكوميين خلال الفترة الماضية في مسعى لحصار ظاهرة التطرف والفكر المتشدد داخل المساجد التابعة للحكومة، بعد أن أحكمت السلطات قبضتها على المساجد والزوايا التابعة للجمعيات الأهلية.
وبحثت الاجتماعات بحسب مصادر مطلعة سبل تفادي ثغرات إجراءات وتدابير سابقة وضعتها الدولة المصرية لبسط سيطرتها على المساجد، وخلصت تلك الاجتماعات إلى ضرورة توحيد نص خطبة الجمعة؛ لكن القرار أثار غضب أئمة ودعاة رسميين هددوا بتقديم استقالات جماعية وعدم صعود المنابر.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أبدى أكثر من مرة استياءه من وتيرة إصلاح الخطاب الديني، مطالبا قادة المؤسسة الدينية الرسمية بالتصدي للجذور الفكرية للجماعات المتشددة، التي نفذت خلال العامين الماضيين مئات العمليات ضد عناصر الجيش والشرطة.
وأضافت المصادر المطلعة نفسها التي تحدثت مع «الشرق الأوسط» أن «مستشارا مقربا من الرئيس السيسي اجتمع مع وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة ومسؤلين آخرين لعلاج القصور الذي شاب خطوات سابقة للحيلولة دون استغلال المنابر لإشاعة أفكار متطرفة».
ويرفض أئمة أزهريون في مصر تعميم «الخطبة المكتوبة» على المساجد، وعدها عدد من كبار العلماء «تكميما للأفواه».
وألقى وزير الأوقاف خطبة الجمعة أمس بمسجد عمرو بن العاص (جنوب القاهرة) من الورقة بعنوان «تحريم المال الحرام»، وانفرد الوزير بأداء «الخطبة المكتوبة» وحده دون باقي منابر مصر في حضور شريف إسماعيل رئيس الوزراء ومسؤولين من الحكومة، بينما رجح قيادي في الأوقاف «تعميم الخطبة المكتوبة على جميع المساجد الجمعة المقبل».
وأثار إلقاء الوزير للخطبة من الورقة جدلا بين الأئمة، فبينما أكد مؤيدو القرار أن «الخطبة الموحدة بداية الطريق الصحيح»، قال آخرون إن «خطبة الوزير خلت من التفاعل بين الداعية وجمهور المصلين».
وكانت وزارة الأوقاف قد دافعت بقوة عن القرار المثير للجدل، مؤكدة أنه «للحفاظ على المنابر من المتشددين»، وقال القيادي في الوزارة، إن «هدفنا طرد أصحاب الأفكار المتطرفة من الجماعات الإرهابية الذين ينشرون التطرف في خطبة الجمعة ويجمعون المواطنين حولهم».
القرار الأخير لخص المشهد ما بين سلطات رسمية تحاصر مساجدها وقوى ودينية تسعى لإدخال المنابر في صراع سياسي.. وسبق للدولة المصرية أن وحدت عنوان وعناصر خطبة الجمعة وتركت مساحة للأئمة ليتحدثوا فيما يريدون بشرط عدم الخروج عن مضمون الخطبة، بهدف ضبط المنابر التي شهدت انفلاتا عقب عزل جماعة الإخوان الإرهابية عن السلطة.
وتؤكد الأوقاف أنها تسيطر على نحو 198 ألف مسجد في مختلف ربوع البلاد؛ لكن هذا الرقم بعيد عن الزوايا التي تقدر بالآلاف وهي تابعة لجماعات تصف الحكومة بعضها بأنها تنظيمات إرهابية ويسيطر عليها دعاة متشددون، فضلا عن مساجد الجمعية الشرعية التي تقدر بنحو 6 آلاف مسجد وزاوية.
وخاضت السلطات المصرية معارك سابقة لإحكام سيطرتها على المنابر، وفرضت سيطرتها على المساجد التابعة لجمعيات الإسلاميين المُجمدة أرصدتهم من قبل الحكومة، ومنعت أي جهة غير الأوقاف من جمع أموال التبرعات داخل المساجد أو في محيطها.
الأوقاف بررت قرار «الخطبة الموحدة» وهو الأول من نوعه بمصر، بأن بعض الخطباء الرسميين لا يملكون أنفسهم على المنبر سواء بالإطالة التي تخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أو بالخروج عن الموضوع إلى موضوعات أو جزئيات متناثرة لا علاقة لها بالموضوع بما يربك المصلي ويشتت ذهنه ويضيع المعنى المقصود من وراء الموضوع، فضلا عن الخوض في أمور سياسية وحزبية لا علاقة لها بمضمون خطبة الجمعة.
وقال عدد من الأئمة الرسميين – الذين تحفظوا على ذكر أسمائهم - إن «القرار سوف يقضي على قدرة الإمام على التميز والتفوق وعدم التحضير للخطبة، وستصبح الخطبة كلاما بلا روح، وستكون بداية جديدة لفشل الخطاب الديني الذي تطالب به الدولة ويطالب به الرئيس السيسي»، كاشفين عن أن «الخطبة الموحدة تعد تكميما للأفواه»، موضحين أن «تعلل الوزارة بالتمسك بالخطبة الموحدة لتحجيم التطرف غير صحيح، لأن محاربة التشدد لن يتحقق بخطبة في ورقة مكتوبة، إنما بتصحيح المفاهيم لدى بعض الخطباء».
وإزاء تصعيد وزارة الأوقاف لتعميم قرارها بـ«الخطبة الموحدة»، يتجه مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر لإجراء جلسة طارئة لمناقشة تداعيات القرار، فيما توعد عدد كبير من وعاظ الأزهر وأعضاء هيئة كبار العلماء (أعلى هيئة دينية في مصر) باعتزال الدعوة وعدم صعود المنابر، وقال الدكتور محمود مهني عضو هيئة كبار العلماء، إن «القرار يضيع هيبة العلماء.. ولو طبق، فإن كثيرين سيعتزلون الصعود للمنابر».
ويشار إلى أن أغلب مساجد مصر يحاضر فيها علماء من جامعة الأزهر ووعاظ مجمع البحوث الإسلامية، وسبق أن وضعت سلطات البلاد شروطا وإجراءات عقابية على المساجد تصل لحد السجن والغرامة لكل من يصعد للمنابر من غير الأزهريين؛ لكن عدم وجود رقيب – بحسب مراقبين - أتاح الفرصة لأي شخص يخطب ويمنح دروسا قد تكون يومية خاصة في مساجد الأحياء والزوايا، وهو الأمر الذي جعل هذه الدروس أبوابا خلفية لنشر الفكر المتشدد.
ويراهن المراقبون على فشل «الخطبة الموحدة»، لأن «الأوقاف لن تستطيع مراقبة جميع المساجد، فضلا عن وجود خطباء رسميين لن يلتزموا بالنص المكتوب»، مدللين على ذلك أنه «عندما وحدت الوزارة عنوان الخطبة لم يلتزم بها إلا عدد قليل من الأئمة».
وأوضح قيادي بوزارة الأوقاف أن «الوزارة سوف تتصدى بقوة لعدم تنفيذ القرار، وأن هناك غرفة عمليات لمتابعة ضبط المساجد، ونقل الأئمة غير الملتزمين خارج محافظاتهم حال عدم قراءة الخطبة من الورقة»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط» أن «الوزارة تدفع بقوة لعودة الانضباط للمساجد التي شهدت خلال الفترة الماضية فوضى للخطاب الديني وصعود بعض الأئمة المتشددين للمنابر»، لافتا إلى أن «الخطبة المكتوبة سوف تحافظ على المنابر من المتطرفين وتجار الدين الذين يبثون أفكارا مغلوطة».
القيادي نفسه تحدث عن حالة من «الربكة» داخل الحكومة وأن هناك حالة من التذمر بين الأئمة من القرار؛ لكنه تحدث عن أن «الوزارة تنتوى بعد كل هذه الضغوط عمل استثناءات لبعض الأئمة وكبار العلماء بالأزهر الذين لن تلزمهم بالخطبة الورقية».
ودخل البرلمان المصري على خط الأزمة ورحبت اللجنة الدينية بالخطبة المكتوبة، وقالت الدكتورة مهجة غالب عضو اللجنة، إن «فكرة الخطبة المكتوبة تجربة جديدة تم تطبيقها في بعض الدول»، مشيرة إلى أن «الهدف من الخطبة المكتوبة هو التزام الخطيب بالوقت المحدد للخطبة وعدم الانحراف تجاه السياسة».



مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

قالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان اليوم (الأحد)، إن الوزير بدر عبد العاطي تلقّى اتصالاً هاتفياً من نظيره الصومالي أحمد معلم فقي؛ لإطلاعه على نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت مؤخراً في العاصمة التركية، أنقرة، بين الصومال وإثيوبيا وتركيا؛ لحل نزاع بين مقديشو وأديس أبابا.

ووفقاً لـ«رويترز»، جاء الاتصال، الذي جرى مساء أمس (السبت)، بعد أيام من إعلان مقديشو وإثيوبيا أنهما ستعملان معاً لحل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي استقطبت قوى إقليمية وهدَّدت بزيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وجاء في بيان وزارة الخارجية المصرية: «أكد السيد وزير خارجية الصومال على تمسُّك بلاده باحترام السيادة الصومالية ووحدة وسلامة أراضيها، وهو ما أمَّن عليه الوزير عبد العاطي مؤكداً على دعم مصر الكامل للحكومة الفيدرالية (الاتحادية) في الصومال الشقيق، وفي مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار».

وقال زعيما الصومال وإثيوبيا إنهما اتفقا على إيجاد ترتيبات تجارية للسماح لإثيوبيا، التي لا تطل على أي مسطح مائي، «بالوصول الموثوق والآمن والمستدام من وإلى البحر» بعد محادثات عُقدت يوم الأربعاء، بوساطة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وهذا الاجتماع هو الأول منذ يناير (كانون الثاني) عندما قالت إثيوبيا إنها ستؤجر ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية بشمال الصومال مقابل الاعتراف باستقلال المنطقة.

ورفضت مقديشو الاتفاق، وهدَّدت بطرد القوات الإثيوبية المتمركزة في الصومال لمحاربة المتشددين الإسلاميين.

ويعارض الصومال الاعتراف الدولي بأرض الصومال ذاتية الحكم، والتي تتمتع بسلام واستقرار نسبيَّين منذ إعلانها الاستقلال في عام 1991.

وأدى الخلاف إلى تقارب بين الصومال ومصر، التي يوجد خلافٌ بينها وبين إثيوبيا منذ سنوات حول بناء أديس أبابا سداً مائيّاً ضخماً على نهر النيل، وإريتريا، وهي دولة أخرى من خصوم إثيوبيا القدامى.

وتتمتع تركيا بعلاقات وثيقة مع كل من إثيوبيا والصومال، حيث تُدرِّب قوات الأمن الصومالية، وتُقدِّم مساعدةً إنمائيةً مقابل موطئ قدم على طريق شحن عالمي رئيسي.

وأعلنت مصر وإريتريا والصومال، في بيان مشترك، في أكتوبر (تشرين الأول) أن رؤساء البلاد الثلاثة اتفقوا على تعزيز التعاون من أجل «تمكين الجيش الفيدرالي الصومالي الوطني من التصدي للإرهاب بصوره كافة، وحماية حدوده البرية والبحرية»، وذلك في خطوة من شأنها فيما يبدو زيادة عزلة إثيوبيا في المنطقة.

وذكر بيان وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الأحد)، أن الاتصال بين الوزيرين تطرَّق أيضاً إلى متابعة نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت في أسمرة في العاشر من أكتوبر.

وأضاف: «اتفق الوزيران على مواصلة التنسيق المشترك، والتحضير لعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي بين وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا؛ تنفيذاً لتوجيهات القيادات السياسية في الدول الثلاث؛ لدعم التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك».

وفي سبتمبر (أيلول)، قال مسؤولون عسكريون واثنان من عمال المواني في الصومال إن سفينةً حربيةً مصريةً سلَّمت شحنةً كبيرةً ثانيةً من الأسلحة إلى مقديشو، تضمَّنت مدافع مضادة للطائرات، وأسلحة مدفعية، في خطوة من المرجح أن تفاقم التوتر بين البلدين من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر.

وأرسلت القاهرة طائرات عدة محملة بالأسلحة إلى مقديشو بعد أن وقَّع البلدان اتفاقيةً أمنيةً مشتركةً في أغسطس (آب).

وقد يمثل الاتفاق الأمني مصدر إزعاج لأديس أبابا التي لديها آلاف الجنود في الصومال، يشاركون في مواجهة متشددين على صلة بتنظيم «القاعدة».