تركيا تفتح باب التطبيع مع الأسد.. بعد مخاوف من {الكيان الكردي}

سياسي تركي: لقاءات التطبيع تعقد في إيران * المعارضة السورية: من السابق لأوانه تحديد حجم الاستدارة التركية في الملف السوري

رئيس الوزرا التركي بن علي يلدرم، يلقي كلمة في مؤتمر لحزب العدالة والتنمية التركي الحاكم في مقره بأنقرة، امس (إ ف ب)
رئيس الوزرا التركي بن علي يلدرم، يلقي كلمة في مؤتمر لحزب العدالة والتنمية التركي الحاكم في مقره بأنقرة، امس (إ ف ب)
TT

تركيا تفتح باب التطبيع مع الأسد.. بعد مخاوف من {الكيان الكردي}

رئيس الوزرا التركي بن علي يلدرم، يلقي كلمة في مؤتمر لحزب العدالة والتنمية التركي الحاكم في مقره بأنقرة، امس (إ ف ب)
رئيس الوزرا التركي بن علي يلدرم، يلقي كلمة في مؤتمر لحزب العدالة والتنمية التركي الحاكم في مقره بأنقرة، امس (إ ف ب)

أعطت تركيا أول إشارة واضحة على إعادة علاقاتها مع سوريا إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، في مارس (آذار) 2011، حيث كانت العلاقات التركية السورية قد شهدت ازدهارا غير مسبوق.
وأعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم، أمس (الأربعاء)، بشكل واضح أن تركيا ستعيد علاقاتها مع سوريا إلى طبيعتها، مثلما قامت بتطبيع علاقاتها مع كل من إسرائيل وروسيا أخيرا.
وقال يلدريم، في تصريحات بثها التلفزيون التركي على الهواء مباشرة: «سنوسع صداقاتنا في الداخل والخارج، وقد بدأنا في فعل ذلك خارجيا، حيث أعدنا علاقاتنا مع إسرائيل وروسيا إلى طبيعتها، وأنا واثق من أننا سنعود إلى العلاقات الطبيعية مع سوريا أيضا. نحن في حاجة إلى ذلك، لا بد من إرساء الاستقرار في سوريا والعراق من أجل النجاح في مكافحة الإرهاب».
وأضاف: «إننا ننتظر أن تنظر جميع القوى بالمنطقة إلى الوضع الراهن، وألا تغفل تلاشي الإنسانية، وذلك بتخليها عن التنافس فيما بينها».
وكانت «الشرق الأوسط» قد نقلت، في عددها الصادر في 9 يوليو (تموز) الحالي، عن مصادر بالخارجية التركية، أن «تركيا قد تقبل بوجود الأسد لفترة انتقالية قصيرة مدتها 6 أشهر، من خلال توافق مع القوى الدولية، وفي مقدمتها روسيا والولايات المتحدة».
وأرجعت المصادر توجه تركيا إلى تغيير سياستها تجاه دمشق بسبب التهديدات الكردية على حدودها مع سوريا، وإلى تضرر مصالحها بسبب القطيعة مع سوريا.
ويقول محللون إن السياسة البراغماتية التي تطبقها الحكومة التركية الجديدة برئاسة بن علي يلدريم تريد الحفاظ على مصالح تركيا، بتضييق دائرة الخصوم، وإعادة إنعاش الاقتصاد التركي الذي تضرر بشدة نتيجة العزلة الإقليمية والدولية لتركيا خلال الأعوام الأخيرة.
ومنذ تولى منصبه، في مايو (أيار) الماضي، قال يلدريم مرارا إن تركيا بحاجة «لزيادة أصدقائها وتقليص أعدائها»، في اعتراف ضمني بأن السياسات السابقة كانت سببا في تهميش دور تركيا وعزلها في المنطقة.
وقال يلدريم، في تصريحاته أمس: «هدفنا الأهم، الذي لا يمكننا الرجوع عنه هو تطوير علاقات جيدة مع سوريا والعراق وكل جيراننا حول البحر المتوسط والبحر الأسود. لقد قمنا بتطبيع العلاقات مع روسيا وإسرائيل، وأنا واثق أننا سنطبع العلاقات مع سوريا أيضا. ولكي تنجح المعركة ضد الإرهاب، ينبغي أن يعود الاستقرار لسوريا والعراق».
وأعادت تركيا، الشهر الماضي، علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، بعد قطيعة استمرت ستة أعوام وعبرت عن أسفها لروسيا بشأن إسقاط طائرة حربية على حدود سوريا، في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015.
وتسربت أنباء أخيرا عن اجتماع بوساطة جزائرية بين مسؤول في النظام السوري وآخر في الحكومة التركية، كان هدفه انتزاع موقف مناهض لحزب العمال الكردستاني وجناحه السوري، حزب الاتحاد الديمقراطي من النظام السوري. ولم تعلق أنقرة بالتأكيد أو النفي على هذه الأنباء.
وفي أول رد فعل من المعارضة السورية على تصريحات رئيس الوزراء التركي التي حملت صراحة توجها مباشرا لتطبيع العلاقات مع دمشق، عقدت الهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، أمس، اجتماعا في إسطنبول لبحث آخر المستجدات.
وكشفت مصادر داخل الائتلاف، تحفظت على الكشف عن هويتها، أن تركيا أصبحت ترى في المعارضة السورية، ولا سيما المسلحة، عبئًا ثقيلاً عليها بسبب ممارساتها على الأرض وانقساماتها الداخلية حتى في وسط المعارك.
وقالت المصادر إن اجتماع إسطنبول بالأمس خصص لمناقشة موقف تركيا الأخير حول الوضع السوري، وتصريحات رئيس وزرائها بن علي يلدريم حول إعادة تطبيع العلاقات مع سوريا، وتم الاتفاق على متابعة التطورات في الأيام المقبلة، مع إجراء اتصالات مع الحكومة التركية لاستيضاح الموقف، لا سيما في ظل عدم إعلانها بعد عن خطوات محددة للتطبيع مع دمشق أو كيف سيكون شكل هذا التطبيع.
من جهة أخرى, قالت صحيفة «قرار» التركية: إن «تركيا تواصل اتصالاتها الدبلوماسية مع سوريا عبر شخصيات تتمتع بنفوذ قوي في كلا الطرفين، وأن اللقاءات التي تتم في إيران ستشهد تطورات مهمة خلال فترة مقبلة».
في سياق متصل، أشارت الصحيفة إلى أن رئيس حزب «الوطن» اليساري التركي دوغو برينتشيك الذي يمتلك معلومات مهمة حول تطورات الأحداث في الشأن السوري، قال إن «المباحثات التي تجري بين تركيا وسوريا الآن تتم من قبل شخصيات مؤثرة في كلا الطرفين».
وأضافت الصحيفة، أن برينتشيك الذي تربطه صلة قوية بالسلطات السورية منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة السورية، أكد أن «التطبيع بين الدولتين يدار عبر شخصيات مدنية مؤثرة في كلتا الدولتين، وتم اختيار دولة ثالثة مثل إيران لاحتضان هذه اللقاءات».
كما أوضح برينتشيك، أن الفترة المقبلة ستشهد تطورات مهمة في هذا الموضوع بقوله: «بصفتنا حزب (الوطن) لا نجري لقاءات مع الإدارة السورية بالنيابة عن الحكومة، نحن واصلنا اتصالاتنا مع السلطات في سوريا منذ الفترة التي اتخذت فيها الحكومة التركية موقفًا معاديا لسوريا، ليس لدي معلومات تفصيلية حول لقاءات الحكومة، لكن بكل تأكيد لدينا معلومات تقريبية حول هذه اللقاءات نتيجة لصلاتنا القريبة مع الإدارة السورية، يمكنني القول إن هذه اللقاءات قائمة منذ فترة، لكن لا أستطيع تحديد تاريخ بعينه، ما نعلمه هو أن اللقاءات تتم في إيران عبر وفود مكونة من رجال أعمال وشخصيات مؤثرة لدى الطرفين». وتابع بقوله إنه «وبحسب المعلومات التي حصلت عليها من شخصيات مهمة، سواء من أشقائي السوريين أو شخصيات مهمة من الدولة التركية؛ فإن كلا الطرفين عازم على مواصلة المباحثات بينهما لتسوية النزاعات في أقرب وقت ممكن».
واقترب دوغو برينتشيك، الذي اعتقل على خلفية القضية التي تعرف إعلاميا في تركيا بتنظيم أرجينكون، بتهمة محاولة الانقلاب على الحكومة التركية، من الرئيس رجب طيب إردوغان وحكومته عقب الإفراج عنه في القضية.
من جهتها, ترى المعارضة السورية على لسان عضو الائتلاف الوطني السوري، سمير نشار، أن الانعطافة التركية هي تصحيح لمسار سابق اتبعته أنقرة خلال الفترة الماضية، قضت بدعم الإسلام السياسي في مصر وفلسطين وسوريا، وهي «السياسة التي رتبت على أنقرة هواجس من قبل كثير من الدول العربية، أوحت وكأن أنقرة لديها مطامع في العالم العربي، مما تسبب لها في عزلة على الصعيد الإقليمي»، مشيرًا إلى أن تلك السياسة معطوفة على اتهامات بدعم فصائل ثورية في ليبيا وسوريا: «أفقدها أقرب حلفائها وهي الولايات المتحدة الأميركية».
وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أعرب نشار عن اعتقاده أن الاستدارة لإصلاح العلاقات، خصوصًا مع مصر «تريح الدول العربية لجهة إعادة النظر بالسياسة التركية وهي دول اتخذت مواقف متحفظة على سياسات تركيا». وقال: «ليس معروفًا لأي حد سيكون تصحيح المسار في الملف السوري، لأن هذا الملف هو أكثر تعقيدا من الملف العراقي، نظرا لتداخل الأدوار الإقليمية والدولية»، لافتًا إلى أنه «لتركيا دور مهم، لكن شعورها بالعزلة، خصوصًا مع تمدد فرع حزب العمال الكردستاني على حدودها، أثار المخاوف لديها بخصوص أمنها القومي»، وبالتالي، يضيف النشار: «عملية المراجعة هذه، سوف تؤدي إلى عملية انفتاح وحوار مع أغلب الدول الإقليمية والدولية لإيجاد حلول مشتركة للملف السوري».
ويرفض نشار اعتبار موافقة تركيا على بقاء الأسد في الفترة الانتقالية «تنازلا بالمعنى الدقيق»، مشيرًا إلى أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان كان وصف الأسد في حفل إفطار في الأسبوع الأخير من رمضان في كلس، بأنه «إرهابي أسوأ من (داعش) و(بي واي دي)»، مضيفًا: «السياسة الخارجية يرسمها إردوغان وليس رئيس الوزراء، لذلك، أرى أن ما يقوله رئيس الحكومة بمثابة رسائل وبالونات اختبار تظهر أن تركيا جادة بفتح قنوات الحل السياسي». وأضاف: «من السابق لأوانه تحديد حجم الاستدارة التركية في الملف السوري، لكن من المؤكد أنها ستصبح أكثر حوارا وانفتاحا لإيجاد حل سياسي، وربما تقبل بالأسد لمرحلة انتقالية أو قسم منها على الأقل، لكننا نحتاج إلى بعض الوقت لنرصد إذا كان هذا الأمر دقيقًا ولأي درجة سيسير به الموقف التركي».
وكان انس العبده رئيس الائتلاف السوري المعارض، قد قال في مؤتمر صحفي باسطنبول اول من امس، ان مصادر في الخارجية التركية، ارسلت تطمينات للمعارضة، بأن سياستها حيال الملف السوري، لن تتغير».
ويستبعد يزيد الصايغ، وهو باحث أول في مركز «كارنيغي» في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن يكون الموقف التركي «مجرد انعكاس لتحسين العلاقات مع روسيا»، معربًا عن اعتقاده أن التصريح التركي «يوحي بقبول أنقرة بنوع من التعايش مع الأسد بصفته رئيسا لسوريا، وهو الإيحاء المنطقي من تلك التصريحات».
وقال الصايغ: «الحدث جديد وبالتالي المعلومات محدودة، ولم نرَ ردات فعل ولم نسمع تأكيدات أو إيضاحات من إردوغان»، لكن «أعتقد أن الموقف صعب أن يُساء فهمه، فلا يبدو أنه بالون اختبار لكون رئيس الوزراء المعين حديثًا هو حليف لإردوغان، ويبدو أنه ليس مجرد انعكاس لتحسين العلاقات مع روسيا، فاستدارة مشابهة لها أهمية سياسية كبيرة جدًا، وتوحي بقبول تركيا بنوع من التعايش مع الأسد».
وأضاف: «كان صعبا أن تستخدم تركيا منذ 5 سنين، لغة من هذا النوع»، مضيفًا: «السؤال الحقيقي الآن، هل ذلك يعني أن هناك تفاهمًا أميركيًا - روسيًا ستسير تركيا بركابه؟ أو أنه يدل على أن تركيا، ولمجموعة أسباب خاصة، اقتنعت بوضع سقف لدورها بسوريا وتعطي إشارة واضحة إلى أنه لا بد من الدخول بصيغة سياسية جديدة؟ هل بتنا مقدمين على حل سياسي رسمي؟ بمعنى هل يعتبر الموقف التركي الجديد إخراجا لاتفاق ما، أم أنه مجرد إعادة اصطفاف لا تؤدي إلى اتفاق رسمي، إنما يغير بالمعادلة السياسية؟».
وكانت «الشرق الأوسط» نقلت الأسبوع الماضي عن مصدر في الخارجية التركية تأكيده أن أنقرة «قد تقبل بوجود الأسد لفترة قصيرة في المرحلة الانتقالية»، نافيًا أن تكون قد غيرت موقفها من الأسد.
وقال الصايغ إن التسريبات حول القبول بالأسد لمدة 6 أشهر: «تعني أن تركيا توافق على الأسد رئيسا، إنما التفاصيل المرتبطة بالفترة الزمنية، خاضعة للتفاوض»، مشيرًا إلى أن موقفًا مشابهًا «يتشابه مع المشروع الروسي الذي رفض أن يكون هناك شرطًا مسبقًا في المفاوضات على مصير الأسد». وأضاف متسائلاً: «هل كل ذلك يدل على اتفاق يُطبخ؟ هل يمهدون الطريق للقبول، أم هو إعادة اصطفاف من قبل تركيا؟».
ورأى أن تركيا «لن تسلم الأمور من غير مقابل».



منصة يمنية تحذر من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي

للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)
للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)
TT

منصة يمنية تحذر من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي

للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)
للشهر التاسع على التوالي يهاجم الحوثيون السفن في البحر الأحمر وخليج عدن (أ.ف.ب)

حذّرت منصّة يمنية متخصصة في تعقّب الجريمة المنظّمة وغسل الأموال (P.T.O.C) من مخاطر التوسع الحوثي في القرن الأفريقي، وكشفت عن بيانات تنشر لأوّل مرة عن مشروع توسع الجماعة، الذي يديره بشكل مباشر «الحرس الثوري» الإيراني، بتنسيق مع ميليشيا «حزب الله» اللبناني.

وتضمن تقرير المنصة، الذي اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، معلومات عن خريطة التوسّع الخارجي للجماعة الحوثية بتكليف من إيران، وخريطة تهريب وتسليح الجماعة، ومفاتيح مشروع التوسّع الحوثي في القرن الأفريقي والمشرفين عليه والمنفّذين.

ابن عم زعيم الجماعة الحوثية خلال تجمع في صنعاء (أ.ف.ب)

ويتناول التقرير نشاط جماعة الحوثيين خارجياً في القرن الأفريقي، ابتداءً من تهريب الأسلحة وتجنيد الأفارقة ومعسكرات تدريبهم، واستخدامهم في الأنشطة الاستخبارية والإرهابية التوسّعية.

ووفق التقرير، أكدت محاضر سرية لاجتماعات ما يسمى «جهاز الأمن والمخابرات» التابع للحوثيين أنه جرى إسناد مسؤولية مشروع التوسّع الخارجي في القرن الأفريقي إلى القيادي عبد الواحد أبو راس، ورئيس الجهاز عبد الحكيم الخيواني، ووكيل الجهاز لقطاع العمليات الخارجية حسن الكحلاني (أبو شهيد)، والقيادي الحسن المرّاني، والقيادي أبو حيدر القحوم، بهدف تحقيق مساعي إيران في التوسّع في القارة الأفريقية والسيطرة على ممرّات الملاحة الدولية.

وأشار التقرير إلى الدور الذي يلعبه نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين الانقلابية، حسين العزّي، من خلال المصادر الدبلوماسية والشخصيات التي تعمل معه في كل من إثيوبيا، وإريتريا، وجيبوتي، والسودان، وكينيا، إذ تُجرى إقامة علاقات استخباراتية وأمنية وسياسية ولوجستية مع الشخصيات والعناصر الموجودة والمقرّبة من جماعة الحوثيين في تلك الدول، والعمل على استقطاب أكبر قدر ممكن من الدبلوماسيين في السفارات اليمنية في تلك الدول.

تجهيز وتدريب

وكشفت المنصة اليمنية في تقريرها عن سعي الحوثيين لإنشاء محطات استخباراتية حسّاسة ودقيقة في كل دول القرن الأفريقي والدول المحيطة باليمن، والعمل على تجهيز وتدريب وتأهيل كوادرها في أسرع وقت ممكن؛ بهدف تفعيلها بشكل مناسب، وفي وقت مناسب، لما يحقّق أهداف ما تُسمّى «المسيرة القرآنية والمصالح المشتركة مع دول المقاومة، خصوصاً إيران، وغزة، ولبنان».

عشرات الآلاف من الأفارقة المهاجرين يصلون سنوياً إلى اليمن (الأمم المتحدة)

وأظهرت الوثائق التي أشار إليها التقرير إلى هدف الحوثيين المتمثّل في التحضير والتجهيز مع العناصر والشخصيات التي جرى إنشاء علاقة معها في أفريقيا لـ«إنجاز أعمال وتحرّكات ونشاط في البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي لمساندة الحوثيين في حال ما تعرّضوا لأي ضغوط سياسية أو دبلوماسية دولية خارجية».

واحتوى التقرير على أسماء القيادات المسؤولة عن هذا الملف، ابتداءً من المشرف في «الحرس الثوري» الإيراني المدعو أبو مهدي، وانتهاءً بمالك أصغر قارب تهريب للأسلحة في البحر الأحمر، إضافة إلى علاقة تنظيم «الشباب المجاهدين» الصومالي بجماعة الحوثيين والأفارقة ومافيا تجنيد الأفارقة وتهريبهم من وإلى اليمن، في واحدة من أخطر جرائم الاتجار بالبشر والجريمة المنظّمة.

ويؤكد تقرير منصّة تعقّب الجريمة المنظّمة وغسل الأموال (P.T.O.C) أن جماعة الحوثيين قامت باستقطاب وتجنيد كثير من العناصر الأفريقية من جنسيات مختلفة، خصوصاً عقب اجتياح صنعاء ومحافظات عدّة في سبتمبر (أيلول) 2014، إذ جرى إخضاعهم لدورات ثقافية وعسكرية، وتوزيعهم على جبهات القتال (تعز - الساحل الغربي - مأرب - الحدود)، وأرجع البعض إلى دولهم لغرض التوسّع في أفريقيا.

تعنت الحوثيين أدى إلى تعطيل مسار السلام في اليمن (أ.ب)

كما استقطبت الجماعة - وفق المنصة - كثيراً من الشخصيات والرموز الأفارقة المؤثّرين (قبيلة العفر - الأورومو - أوجادين) بين أوساط الجاليات الأفريقية في صنعاء (الصومالية - الإثيوبية - الإريترية) والاعتماد عليهم في الحشد والاستقطاب من اللاجئين الأفارقة الموجودين في صنعاء، وكذلك من يجري استقطابهم من مناطقهم بالقرن الأفريقي، والتنسيق لهم للوصول إلى صنعاء.

أبو راس والكحلاني

وذكرت المنصة اليمنية في تقريرها أن مسؤول ملف التوسّع الخارجي والقرن الأفريقي في الجماعة الحوثية هو عبد الواحد ناجي محمد أبو راس، واسمه الحركي «أبو حسين»، وهو من مواليد محافظة الجوف اليمنية، إذ تولّى هذا الملف بتوصية مباشرة من قبل قيادات إيرانية سياسية عليا وقيادات في «الحرس الثوري» الإيراني.

ومن أبرز الملفات التي يعمل عليها أبو راس، وفق التقرير، التنسيق مع عناصر «الحرس الثوري» الإيراني، وقيادة الحركة الحوثية للعمل الميداني، كما أنه المسؤول المباشر عن تأمين وإدخال وتهريب عناصر «الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» من وإلى اليمن.

وتوارى أبو راس - وفق التقرير - عن الأنظار منذ عدة أعوام، ولكنه كان المكلّف السري بأخطر الملفات السياسية والاستخباراتية لدى جماعة الحوثي، إذ كُلّف بمهام وكيل الشؤون الخارجية في جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، حتى تعيين المدعو حسن الكحلاني بالمنصب نفسه، وترقية أبو راس لتولي ملف التوسّع الخارجي والقرن الأفريقي، بتوصية واتفاق مباشر بين عبد الملك الحوثي وقيادة «الحرس الثوري» الإيراني.

الحوثيون يطمحون إلى التحول إلى لاعب دولي ضمن المحور الذي تقوده إيران في المنطقة (أ.ب)

وإلى جانب أبو راس يأتي القيادي حسن أحمد الكحلاني، المُعين في منصب وكيل قطاع العمليات الخارجية في جهاز الأمن والمخابرات التابع للحوثيين، والمعروف بكنيته «أبو شهيد»، وهو من مواليد 1984 في محافظة حجة، ويُعد من القيادات الحوثية الأمنية البارزة؛ إذ نشأ في بيئة حوثية بين صعدة وصنعاء، والتحق بالجماعة في سن مبكّرة.

ويشير التقرير إلى أن الكحلاني كان من خلية صنعاء الإرهابية التي نفّذت عدّة تفجيرات واغتيالات عقب مقتل مؤسّس الجماعة حسين الحوثي في 2004، كما كان من القيادات التي تولت دخول صنعاء في سبتمبر (أيلول) 2014، وتولّى قيادة المجموعة التي أصدرت توجيهاً بمنع طائرة أمريكية من الإقلاع من مطار صنعاء، بحجة تفتيشها قبل المغادرة. وعقب هذا الحادث، جرى اغتيال والده في أكتوبر (تشرين الأول) 2014 على أيدي مسلّحين مجهولين يستقلون دراجة نارية في صنعاء.

ويعمل حسن الكحلاني حالياً - وفق المنصة - تحت إشراف عبد الواحد أبو راس، ويعرف ارتباطه الوثيق بـ«الحرس الثوري» الإيراني، ويحاول عبر هذه العلاقة فرض نفسه باعتباره الرجل الأول في جهاز الأمن والمخابرات الحوثي، الأمر الذي يعكس حالة من الصراع بينه وبين عبد الحكيم الخيواني رئيس الجهاز.

قيادات في ملف التوسع

يشير تقرير المنصة اليمنية إلى القيادي الحوثي أدهم حميد عبد الله العفاري (أبو خليل) ويذكر أنه المختص في ملف الجاليات الأفريقية الموجودة في اليمن، خصوصاً في صنعاء، إذ كُلّف بمهام التواصل المستمر والتنسيق برؤساء الجاليات (إثيوبية- صومالية - إريترية - سودانية - جيبوتية).

عناصر حوثيون في صنعاء خلال تجمع حاشد دعا له زعيمهم (أ.ف.ب)

كما يعمل العفاري على حشد العناصر الأفريقية وإلحاقهم بالدورات العسكرية والثقافية، وبعدها يجري توزيعهم على جبهات (الساحل الغربي - مأرب - الحدود - تعز)، وفي مهام استخباراتية داخل بلدانهم.

وإلى ذلك يعد العفاري، المسؤول عن التنسيق مع النقاط الأمنية التابعة للحوثيين لإدخال العناصر الأفريقية إلى مناطق الحوثيين، ويتولى أيضاً مهام أخرى، أبرزها صرف المخصّصات المالية للعناصر الأفريقية.

أما الشخص الرابع المسؤول عن ملف التوسّع الخارجي الحوثي إلى القرن الأفريقي فهو أسامة حسن أحمد المأخذي، واسمه الحركي (أبو شهيد)، وهو - وفق التقرير - أحد العناصر الحوثية العاملة في جهاز الأمن والمخابرات، وملف المسار الأفريقي، وتتلخّص مهمته في التنسيق مع الشخصيات الأفريقية المؤثّرة في كل من (الصومال - إثيوبيا - إريتريا - جيبوتي - السودان) من أجل حشدهم لتدريبهم وتأهيلهم، وإلحاقهم بصفوف ميليشيا الحوثي، بصفتهم مقاتلين وعاملين في الدول القادمين منها، وبصفتهم عناصر استخباراتية، تقوم بمهام مختلفة، منها نشر الفكر الحوثي، والقيام بالعمليات الاستخباراتية، وتهريب الأسلحة، والاتجار بالبشر، ونقل المخدرات عبر البحر من وإلى القرن الأفريقي واليمن.

الجماعة الحوثية متهمة بتجنيد اللاجئين الأفارقة بالترغيب والترهيب (الأمم المتحدة)

إلى ذلك أورد التقرير أسماء 16 شخصية أفريقية، هم أبرز المتعاونين مع الجماعة الحوثية للتوسع في القرن الأفريقي، يتصدرهم، تاجو شريف، وهو مسؤول عن الجالية الإثيوبية في صنعاء، والتحق بدورات ثقافية حوثية، ويعمل على استقطاب وتجنيد عناصر أفريقية لصالح العمل العسكري والاستخباراتي الحوثي.

ويرى التقرير في توصياته أن التوسع الحوثي في القرن الأفريقي يمثل تهديداً كبيراً يستدعي تحركاً دولياً وإقليمياً عاجلاً، من خلال خطة رادعة متكاملة توقف التوسع والنشاط الخارجي بشكل كامل، وبما يعزز الاستقرار والأمن في المنطقة.