«ويمبلدون».. من حفلة شاي إنجليزية إلى بطولة تنس عالمية

139 عامًا من المباريات الساخنة واللحظات التاريخية.. والفراولة

«ويمبلدون».. من حفلة شاي إنجليزية إلى بطولة تنس عالمية
TT

«ويمبلدون».. من حفلة شاي إنجليزية إلى بطولة تنس عالمية

«ويمبلدون».. من حفلة شاي إنجليزية إلى بطولة تنس عالمية

يتميز الصيف في بريطانيا، وإن كان فصلاً مزاجيًا، بفعاليات تقليدية. حفلات الشاي تقليد تعود جذوره إلى العصر الفيكتوري. فوسط الحدائق والمروج الخضراء، يجتمع الإنجليز لاحتساء الشاي وتناول الكعك (سكونز) ولا تغيب عن موائدهم الفراولة التي تصاحبها الكريما. وعلى هامش حفلة الشاي، يستغل البعض المناسبة والمساحة والشمس للمشاركة في مباراة تنس (كرة المضرب)، حتى تباغتهم زخات مطر مفاجئة.
وهذا هو حال «ويمبلدون» اليوم، وبعد مئات السنين، إذ تستقطب أعرق بطولات التنس في العالم حضورها ومتابعيها لهذه الصورة التاريخية المتأصلة بالمجتمع الإنجليزي. وعلى مدار أسبوعين من المباريات الحامية لأبرع لاعبي ولاعبات تنس في العالم، والتي ينقلها الإعلام إلى بقاع الأرض كافة، تعيد الفراولة والكريما والمروج الخضراء الزوار والمشاهدين إلى حفلة شاي برونق إنجليزي أصيل.

يعتبر دوري «ويمبلدون» للتنس الأهم والأشهر عالميًا، ولهذا يعتبر كسب بطولتها الهدف الأعظم لدى اللاعبين واللاعبات. ترتبط حكاية لعبة التنس تاريخيًا مع نمو هذه البطولة. وبات استكشاف هذه العلاقة اليوم متاحا من خلال متحف ويمبلدون الشهير.
* متحف ويمبلدون.. التنس من الألف إلى الياء
يوفر متحف ويمبلدون الذي شيد داخل حرم «آل إنغلاند تنس آند كريكت» طوال 11 شهرا من السنة جولات لزواره متوفرة بـ19 لغة مختلفة. وتتيح هذه الفرصة الفريدة من نوعها المجال لمحبي التنس بخوض رحلة في الزمن تصطحبهم عبر القرون الماضية للكشف عن أسرار ولادة اللعبة وبداياتها في إنجلترا، وانطلاق دوري ويمبلدون وتطورها مع الزمن. وفي جولة خاصة بالصحافيين تحت رعاية الخطوط الجوية البريطانية «بريتيش ايرويز» زارت «الشرق الأوسط» ملاعب ويمبلدون ومتحفها العريق خلال أيام دورة 2016. وجابت في أرجائه لاستكشاف مسيرة لعبة التنس في أكثر مقراتها عراقة.
ومع أن المتحف غير ضخم، إلا أنه يجمع معلومات ومقتنيات هائلة. فمن خلال جولة من أوله إلى آخره بقيادة أحد مرشدي المتحف، انتقلنا من القرن السابع عشر حين كانت لعبة التنس (كرة المضرب) هواية تمارس في الحدائق خلال حفلات الشاي الإنجليزية العريقة إلى القرن الثامن عشر عندما اقتحمها أفراد العائلة المالكة وحتى القرن التاسع عشر الذي كلل أول بطولة تنس في حقبة فيكتوريا. إلى ذلك، يأخذ المتحف زواره إلى أهم حقبات بطولة ويمبلدون منذ انطلاقها إلى يومنا الحالي.
ويصاحب المعلومات والمقتنيات التاريخية اللافتة، شروحات لتطور كرة التنس الصفراء وتحول وتقدم المضرب. كما تحرص أجزاء أخرى من المتحف على أن تأرخ تطور الأزياء والموضة التي يرتديها اللاعبون واللاعبات في البطولة. وفي زاوية أخرى، تلمع الكؤوس والجوائز الذهبية والفضية والبرونزية وراء الزجاج ليشعر الزوار بطعم الفوز. كما يوثق ركن آخر نجاحات أبطال ويمبلدون التاريخية من بيلي جين، وفريد بيري، ونافراتيلوفا، إلى فيدرير وسيرينا ويليامز، ومحبوب الجمهور آندي موري.
وتتيح آخر إضافة تقنية لأحد أركان المتحف ألا وهي خاصية الواقع الافتراضي التي افتتحت في 20 يونيو (حزيران) المنصرم للزوار الشعور وكأنهم سيخوضون مباراة أمام جمهور غفير على أحد ملاعب ويمبلدون العريقة.
وإلى جانب جولة المتحف الغنية بالتاريخ والمعلومات، تتيح الجولة الفرصة للزوار بالتجول في جميع الملاعب مع أن بعضها غير متاح عادة للعموم. ويختتم الزوار الجولة بنكهة ملكية، حيث تفتح لهم أبواب الملعب الرئيسي «سينتر كورت» الذي يشهد أهم المباريات. كما تتاح لهم فرصة دخول المقصورة الملكية «رويال بوكس» التي يستخدمها أفراد العائلة المالكة وأعضاء نادي الشرف لمشاهدة مباريات هذا الملعب.
* أعرق البطولات منذ عام 1877
تعد بطولة ويمبلدون أقدم بطولات رياضة التنس في العالم وأكثرها شهرة. ومنذ انطلاقها في عام 1877، جرت استضافة البطولة على ملعب «أول إنغلاند لون تينيس آند كروكيت كلوب» في ويمبلدون بلندن. وتستمر الفعالية السنوية على مدار أسبوعين، منذ أواخر يونيو حتى مطلع يوليو (تموز).
وتعتبر بطولة ويمبلدون واحدة من أربع بطولات تنس كبرى عالميًا يطلق عليها معًا «غراند سلامز»، لكنها تتميز عن الثلاثة الباقين بأن مواجهاتها لا تزال تجري على العشب.
وعلى خلاف الحال مع البطولة في صورتها الحالية، والتي تتضمن أربع مسابقات للناشئين وأربعة بدعوات بجانب المنافسات الخمس الرئيسة - مباريات الفردي والزوجي للرجال ومباريات الفردي والزوجي للسيدات والمباريات المختلطة - اشتملت أول بطولة ويمبلدون على حدث واحد فحسب تحت عنوان «مباريات الفردي للرجال». ونظرًا لأنه لم يكن مسموحًا للسيدات المشاركة بالبطولة عام 1877، فإن بطل مسابقة ويمبلدون الأولى من بين 22 متسابقا من الذكور كان سبنسر ويليام غور، 27 عامًا. ومثلما جرى الحال في الكثير من مسابقات ويمبلدون التالية حتى زود الملعب الرئيس بسقف قابل للطي عام 2009، جرى إرجاء المباراة النهائية بسبب الأمطار. وعندما أقيمت بعد موعدها الأصلي بثلاثة أيام، لم تكن ظروف الطقس تحسنت كثيرًا.
في تلك الفترة، كانت رياضة التنس لا تزال في بداياتها، حيث اعتمد اللاعبون على معدات مصنوعة يدويًا وضربات غير دقيقة بالكرة.
من ناحية أخرى، فإنه خلال الفترة بين عامي 1915 - 1918 وعامي 1940 - 1945 بسبب ظروف الحربين العالميتين الأولى والثانية، فإن شعبية المسابقة استمرت في التنامي. عام 1884، استحدثت مسابقة زوجي الرجال، وفي العام ذاته وجهت الدعوة للسيدات للمشاركة بالبطولة. في خمسينات القرن الماضي، انتقلت البطولة من الموقع الأصلي لها في ووربل رود، والذي كان مستأجرًا، إلى الموقع الحالي الأكبر تشرتش رود. وفي عام 1967، دخلت بطولة ويمبلدون التاريخ باعتبارها أول بطولة رياضية يجري بثها تلفزيونيًا بالألوان.
* نادٍ عريق وعضوية محدودة
تأسس النادي في 23 يوليو 1868 تحت اسم «أول إنغلاند كروكيت كلوب». وفي عام 1877، جرى تغيير الاسم إلى «أول إنغلاند كروكيت آند لون تينيس». وفي الأول من أغسطس (آب) 2011، جرى تحويل النادي إلى شركة محدودة تحت اسم «أول إنغلاند لون تينيس آند كروكيت كلوب ليميتيد». ويجري تنظيم نشاطات النادي باعتباره ناديا خاصا لأعضاء معينين على نحو منفصل عن بطولة ويمبلدون.
تعتبر الملكة إليزابيث هي الراعية الرسمية للمكان، في الوقت الذي تتألف العضوية من خمس فئات: 1. أعضاء كاملي العضوية، 2. أعضاء مدى الحياة، 3. أعضاء شرفيين، 4. أعضاء مؤقتين، 5. أعضاء صغار مؤقتين. وتقتصر أعداد الأعضاء التابعين للفئات الأولى والثانية والثالثة على 500 فرد فقط. ويتضمن الأعضاء الشرفيون الأبطال السابقين لويمبلدون ولاعبي «لون تينيس» الآخرين المشهورين والمتبرعين للنادي أو بطولة ويمبلدون وآخرين قدموا خدمات خاصة إلى «لون تينيس». أما الأعضاء المؤقتون فيجري اختيارهم من عام لآخر، ويعتبرون بوجه عام من اللاعبين النشطين الذين يستخدمون منشآت المكان باستمرار ويشاركون في مباريات خلال فترة العضوية.
أما الملاعب فهي مملوكة لـ«أول إنغلاند لون تينيس غراوند»، وتتألف من 19 ملعب عشب (بينها الملعب الرئيس والملعب رقم واحد)، وثمانية ملاعب «أميركان كلاي»، وخمسة ملاعب داخلية، واثنين «غرينسيت فلفلو» وثلاثة «غرينسيت تروفي». وداخل «أورانجي بارك»، يوجد 22 ملعب عشب للتدريب عليها أي يصل مجموعها إلى 41 ملعبا. ويبلغ إجمالي المساحة، بما فيها الأماكن المخصصة لانتظار السيارات، أكثر من 42 فدانًا.
وفي أعقاب إنجاز المسابقات الخمس الكبرى، يحصل الفائزون على الكؤوس التقليدية لويمبلدون. وقد تخلت البطولة عن «فيلد كوب» عام 1883 و«تشالينج كوب» عام 1886، قرر «أول إنغلاند كلوب» أن الكؤوس المستقبلية لا ينبغي أن تتحول لملكية الفائزين، الذين بدلاً منها سيحصلون على نسخ طبق الأصل من الكؤوس الأصلية التي ستودع بمتحف ويمبلدون. وبينما تميزت كؤوس ويمبلدون بقيمة بالغة في نفوس اللاعبين، فإن المكافأة المالية لم يتم إقرارها حتى عام 1968. كما كان ذلك العام الأول الذي يسمح خلاله «كلوب» للاعبين المحترفين بالتنافس. بيد أن المفاجأة تكمن في أن المكافأة المالية للرجال والسيدات لم تصبح متساوية سوى عام 2007 فقط.
* فراولة وأزياء مميزة
رغم التغييرات الكثيرة التي طرأت على البطولة منذ انطلاقها عام 1887، تبقى هناك عدة تقاليد عريقة تتمسك بها البطولة، منها الفراولة المزروعة في إنجلترا والكريما البريطانية التي يلتهما الحضور خلال أيام البطولة، وقد يصل استهلاكهم إلى 28 ألف كيلوغرام من الفراولة وألف لتر من الكريما سنويا. ويوزع على اللاعبين تقليديا الموز لتزويدهم بالطاقة. ويستهلك اللاعبون الذي قد يتعدى عددهم الـ700 لاعب أكثر من 5 آلاف كيلوغرام من الموز.
وتتميز ويمبلدون بلونين ملكيين ألا وهما الأخضر الداكن والأرجواني اللذين أصبحا ألوان البطولة المعتمدة في عام 1909.
بالنسبة للملابس، فإن الزي المقبول للاعبين في بطولة ويمبلدون في القرن التاسع عشر كان قميصا أبيض سادة بأكمام طويلة وبنطالا للرجال، وفساتين بيضاء طويلة وقبعات للسيدات. ولم يبدأ اللاعبون، خصوصًا السيدات، في إدخال تغييرات على ملابسهم حتى عشرينات وثلاثينات القرن الماضي. وبالفعل، بدأت اللاعبات التمرد على الملابس الثقيلة التي تقيد الحركة باستبدالها بأخرى تسهل الحركة.
وفي ثلاثينات القرن الماضي، عمد اللاعب الفرنسي رينيه لاكوست للترويج للعلامة التجارية التي يملكها عبر ارتداء منتجاتها داخل الملعب. أما اليوم، مع أن اللون الأبيض لم يغب عن آخر أزياء البطولة، إلا أنه قد تحولت ملابس اللاعبين لأدوات دعاية في إطار صفقات رعاية تقدر قيمتها بعدة ملايين من الجنيهات الإسترلينية لصالح شركات مثل «رالف لورين» و«لاكوست» و«فريد بيري» و«نايك» وغيرها. واللافت أنه حتى الفتية والفتيات الذين يلمون الكرات خلال المباريات ويصل عددهم إلى نحو 250 شخصا أصبحوا يرتدون أزياء رياضية من ابتكار مصمم الأزياء الأميركي رالف لورين منذ عام 2006 تتميز باللون العاجي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».