مجموعات موالية للنظام تستغل سلطتها في عمليات خطف وسرقة بالمناطق الخاضعة له

يرأس إحداها ابن عم الرئيس السوري ويناديه أنصاره بـ«رئيس الساحل»

أم سورية تنتظر مع طفليها أمس دورها لأخذ بعض الأدوية في ملجأ للاجئين افتتح حديثا في العاصمة البلغارية صوفيا (أ.ب)
أم سورية تنتظر مع طفليها أمس دورها لأخذ بعض الأدوية في ملجأ للاجئين افتتح حديثا في العاصمة البلغارية صوفيا (أ.ب)
TT

مجموعات موالية للنظام تستغل سلطتها في عمليات خطف وسرقة بالمناطق الخاضعة له

أم سورية تنتظر مع طفليها أمس دورها لأخذ بعض الأدوية في ملجأ للاجئين افتتح حديثا في العاصمة البلغارية صوفيا (أ.ب)
أم سورية تنتظر مع طفليها أمس دورها لأخذ بعض الأدوية في ملجأ للاجئين افتتح حديثا في العاصمة البلغارية صوفيا (أ.ب)

اعتمد النظام السوري منذ انطلاق الاحتجاجات ضده على مجموعات عسكرية وأمنية لضبط الأمن في المناطق التي تخضع لسيطرته. وفي حين تتوزع عناصر هذه المجموعات بين «لجان الدفاع الوطني» و«اللجان الشعبية» إضافة إلى مجموعات ما يعرف بـ«الشبيحة»، فإن قادتها بدأوا في الفترة الأخيرة يستغلون السلطة التي منحت إليهم لتنفيذ عمليات خطف وسرقة واحتجاز فتيات، الأمر الذي بات مصدر خطر على حياة المواطنين الموالين للنظام قبل المعارضين له. ومن أبرز قادة هؤلاء المجموعات هلال الأسد، ابن عم الرئيس السوري بشار الأسد الذي يرأس لجان «الدفاع الوطني» في مدينة اللاذقية، مما دفع السلطات النظامية إلى منحه سلطة مطلقة لاعتقال أي شخص يشتبه بمعارضته للنظام، بحسب ما يؤكد عضو اتحاد تنسيقيات الثورة السورية في اللاذقية وريفها عمار الحسن، موضحا لـ«الشرق الأوسط» أن أنصار هلال الأسد باتوا ينادونه بـ«رئيس الساحل»، في إشارة إلى النفوذ الذي يمتلكه في المنطقة. وينتشر أتباع هلال في مختلف أنحاء مدينة اللاذقية لرصد العائلات الثرية والتجار ورجال الأعمال، بحسب ما يقول الحسن، مؤكدا أن «عمليات خطف تستهدف هؤلاء الأشخاص ليتم ابتزاز أهلهم بمبالغ مالية كبيرة».
ولا تقتصر تجاوزات المجموعات الموالية للنظام في المناطق الخاضعة له على عمليات الخطف، إذ يؤكد الحسن أن «سيارات الشبيحة تجوب ليلا ونهارا شوارع اللاذقية وتطلق النار في الهواء لإرهاب الناس وتخويفهم»، لافتا إلى أن أي شخص يعترض على هذه السلوكيات يتم ضربه واعتقاله على مرأى ومسمع الجميع.
وتقيم «قوات الدفاع الوطني» و«اللجان الشعبية» و«الشبيحة» حواجز على الطرق الرئيسة في المدن الواقعة تحت سيطرة النظام. ويعمد عناصرها إلى تفتيش المارة، واعتقال أي شخص يشتبه بانتمائه إلى المعارضة. وكان هلال الأسد يعمل مديرا عاما لشركة «الإسكان للتعهدات» الحكومية، ومع انطلاق الاحتجاجات في سوريا عمد إلى تأسيس «لجان الدفاع الوطني» في اللاذقية بهدف فض المظاهرات التي كانت تخرج في شوارع المدينة آنذاك. ورغم قمع الاحتجاجات في اللاذقية وإنهائها، فإن مجموعات هلال الأسد بقيت تمارس عملها بحجة تأمين الأمن وبموافقة السلطات الرسمية، بحسب ما يقول ناشطون في الساحل مؤكدين أن «أنصار الأسد (هلال) يتقاضون ما بين 200 و300 دولار أميركي مقابل عملهم في صفوف قواته»، كما يشير الناشطون إلى أن معظم هؤلاء تم تجنيدهم من القرى العلوية، ولا سيما القرداحة وجبلة.
واللافت أن السلطة المطلقة التي بات يتمتع بها هلال الأسد قائد «قوات الدفاع الوطني» في اللاذقية، دفعت ابنه سليمان إلى القيام بأعمال مشينة بحق أهالي اللاذقية من دون أي حساب أو رقيب، بحسب ما يؤكد ناشط معارض، رفض الكشف عن اسمه، مشيرا إلى أن «سليمان شاب مراهق، يقوم بإيقاف الفتيات بالشوارع واحتجازهن في سيارته متحديا كل الأعراف والتقاليد الاجتماعية، إضافة إلى الاعتداء على الناس في المقاهي والأماكن العامة». وفي حين أشارت بعض التقارير إلى أن كثرة الشكاوى التي قدمها أهالي اللاذقية بحق سليمان دفعت السلطات إلى احتجازه، فإن عمار الحسن، عضو اتحاد تنسيقيات الثورة السورية في اللاذقية وريفها، ينفي لـ«الشرق الأوسط» هذه المعلومات، موضحا أن «ممارسات سليمان أحرجت النظام أمام الموالين له، فتم نقله إلى إحدى مزارع والده في دمشق وليس اعتقاله».
وإلى جانب اللاذقية، فإن طرطوس الخاضعة بدورها لسلطة النظام السوري يعاني سكانها من ممارسات المجموعات المؤيدة للنظام. ونقل ناشطون عن عدد من سكان المدينة حصول عمليات سرقة سيارات وممتلكات من المارة في أحياء مختلفة من طرطوس. وقال ناشط يقيم في المدينة إن «العناصر التابعة للنظام يستوقفون الناس مدعين أنهم من الأمن العسكري أو أمن الدولة ويستولون على ما بحوزة المدنيين من ممتلكات، تحت تهديد السلاح». ويتهم بعض الناشطين المدنيين في طرطوس عناصر من قوات «الشبيحة» وقوات «الدفاع الوطني» الموالية للنظام بهذه الممارسات.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.