«بلاتون».. مهرجان يبث الفرح في شوارع فورونيغ الروسية

عروض موسيقية في الهواء الطلق ومسرحيات بالساحات العامة

جانب من فعالية كرنفال مسرح الشوارع  و جانب من فعاليات مهرجان «بلاتون» الدولي للفنون و كرنفال مسرح الشوارع ضمن مهرجان «بلاتون» الدولي للفنون
جانب من فعالية كرنفال مسرح الشوارع و جانب من فعاليات مهرجان «بلاتون» الدولي للفنون و كرنفال مسرح الشوارع ضمن مهرجان «بلاتون» الدولي للفنون
TT

«بلاتون».. مهرجان يبث الفرح في شوارع فورونيغ الروسية

جانب من فعالية كرنفال مسرح الشوارع  و جانب من فعاليات مهرجان «بلاتون» الدولي للفنون و كرنفال مسرح الشوارع ضمن مهرجان «بلاتون» الدولي للفنون
جانب من فعالية كرنفال مسرح الشوارع و جانب من فعاليات مهرجان «بلاتون» الدولي للفنون و كرنفال مسرح الشوارع ضمن مهرجان «بلاتون» الدولي للفنون

اجتمعت باقة واسعة من مختلف أصناف الفن المسرحي والنشاطات الأدبية في «مهرجان بلاتون الدولي للفنون»، الذي يُعد الأضخم من نوعه على مستوى مهرجانات المحافظات الروسية. وتستضيف المهرجان مدينة فورونيغ الروسية في شهر يونيو (حزيران) من كل عام، وذلك منذ انطلاقه أول مرة عام 2011، بمبادرة من ميخائيل بيتشكوف، المخرج المسرحي الروسي الشهير، ابن مدينة فورونيغ، الذي قرر أن يطلق على المهرجان اسم واحد من مشاهير مدينة فورونيغ أيضًا، هو الكاتب المسرحي والشاعر السوفياتي - الروسي أندريه بلاتون، الذي ولد وبدأ مسيرة الإبداع نهاية القرن التاسع عشر، في الإمبراطورة الروسية، وأكملها في روسيا السوفياتية إلى أن توفي عام 1951.
وفي كل عام يشهد «مهرجان بلاتون الدولي للفنون» أعمالا مسرحية من مؤلفات الكاتب بلاتون، وموسيقى، وغيرها من نشاطات فنية تحاكي الحقبة الزمنية التي عايشها.
ومن عام لآخر يزداد عدد عشاق مهرجان بلاتون للفنون، الذي يبهر الحضور والمشاركين بنشاطات فنية تشمل «الموسيقى الأكاديمية» أو «الكلاسيكية»، و«موسيقى العالم»، الفقرة التي تشارك فيها فرق من دول أخرى. وهناك بالطبع «المسرح» ما بين الكوميديا والتراجيديا بعروض لأشهر الفرق المسرحية، أما النشاط المميز في مهرجان بلاتون فهو «مسرح الشوارع»، حيث يبذل الفنانون والممثلون قصارى جهدهم لتقديم عروض على المسارح في الساحات العامة، وعروض أخرى تمزج الرسم بالأداء المسرحي خلال عرض متنقل عبر الشوارع، بطريقة تشبه الكرنفالات في أميركا اللاتينية. وليكتمل المشهد الفني، لا بد من «المعارض» الفنية، و«معارض الكتاب».
هذا العام، كما يحدث كل عام، تفرغت كل مسارح المدينة وصالات العرض والصالات الخاصة لحفلات الفرق الفنية، ومعها خشبات المسارح في الهواء الطلق، تفرغت كلها في شهر يونيو لاستقبال فعاليات «مهرجان بلاتون الدولي للفنون»، الذي سجلت فعالياته المختلفة مشاركة جماهيرية وحضورًا يقترب من 80 ألف مواطن من مختلف الفئات العمرية، بينما سجل شباك التذاكر للعروض المسرحية والفنية والغنائية بيع 23 ألف بطاقة لضيوف المهرجان من أبناء مدينة فورونيغ والمدن الأخرى، إلى جانب الضيوف من عدد من دول العالم.
أما العرض الأهم في البرنامج هذا العام، بناء على انطباعات مشاركين في المهرجان تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، فهو العرض المسرحي، أو المسير المسرحي الذي يمكن وصفه بأنه «كرنفال فني»، أطلق عليه المنظمون «الغيوم الملونة»، وتشارك فيه فرق فنية من مختلف مسارح المدينة، بما في ذلك مسارح الأطفال. بعض الفرق اختار ارتداء أزياء من حقبة تاريخية معينة وتصوير مشاهد من التاريخ، والبعض الآخر اختار تكرار مشاهد من أفلام سينمائية قديمة لكنها ما زالت رائجة حتى الآن، وفرق أخرى اختارت تصميم أزياء تحاكي عالم الأحلام والخيال، تجسد شخصيات أقرب إلى شخصيات الرسوم المتحركة، بأزياء تتوزع الألوان عليها بأسلوب يشع بالنضارة ويبعث على الأمل ويولد السعادة، ناهيك عن البالونات الملونة التي يحملها العدد الأكبر من أعضاء الفرق الفنية المشاركة. وكانت هناك الزهور بألوانها الزاهية، التي شكلت إحدى الفرق المشاركة منها مركبا يعوم على الهواء في مواكبته لمسير الكرنفال الفني.
في هذا العرض المتحرك حرصت كل فرقة على إدهاش الحاضرين على جانبي الطريق طوال مسير الكرنفال، الذين زاد عددهم وفق التقديرات عن 16 ألف شخص.
أما الفعالية التي حلت في المرتبة الثانية ضمن اهتمامات المشاركين في «مهرجان بلاتون الدولي للفنون» فهي «معرض الكتاب»، الذي زاره أكثر من 10 آلاف ضيف، وحملت رفوفه كتبا تلبي جميع الأذواق والاهتمامات، وشملت إصدارات حديثة قد لا يجدها المرء في دور بيع الكتب، وكتبا للأطفال، وروايات قديمة وحديثة، وكتبا علمية وغيره. أما الفعالية التي أطلق عليها المنظمون «موسيقى العالم» في منطقة يطلق عليها «البئر البيضاء»، فقد حلت ثالثة ضمن اهتمامات ضيوف مهرجان بلاتون. والبئر البيضاء حيث يجرى الحفل الفني سنويا، هي عبارة عن حقل تنقيب عن مواد ومعادن خام، و«أطلق عليها هذا الاسم لأنها أدنى من مستوى الأرض، بينما يغطي اللون الأبيض تربتها والصخور المحيطة بها. وهذا العام شارك في «موسيقى العالم» فرق من المغرب والولايات المتحدة وغينيا وليتوانيا، وكلها فرق عصرية، لكنها بطابع «فني قومي».
خلال الأيام القادمة سيودع عشاق المهرجانات فعاليات «مهرجان بلاتون الدولي للفنون»، إلا أن معظمهم يأملون بعودتهم إليه صيف العام القادم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».