البغداديون يقضون أوقاتهم بعروض للأزياء وفي المقاهي حتى الفجر

بغداد تقاوم اليأس بحب الحياة

القاسم المشترك في حياة هذه المدينة في النهار والليل هو ازدحام شوارعها خصوصًا بعد الإفطار في شهر رمضان (أ.ف.ب)
القاسم المشترك في حياة هذه المدينة في النهار والليل هو ازدحام شوارعها خصوصًا بعد الإفطار في شهر رمضان (أ.ف.ب)
TT

البغداديون يقضون أوقاتهم بعروض للأزياء وفي المقاهي حتى الفجر

القاسم المشترك في حياة هذه المدينة في النهار والليل هو ازدحام شوارعها خصوصًا بعد الإفطار في شهر رمضان (أ.ف.ب)
القاسم المشترك في حياة هذه المدينة في النهار والليل هو ازدحام شوارعها خصوصًا بعد الإفطار في شهر رمضان (أ.ف.ب)

رغم كل الفوضى والأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها بغداد، فإن هذه المدينة التي قاومت الكثير من المصائب عبر تاريخها تبقى عصية على النسيان، بل هي مدينة تزدحم بالحياة والأمل بفضل ناسها الذين يشكلون روح بغداد الحقيقية.
وبغداد النهار هي غيرها بالتأكيد عن بغداد الليل، والقاسم المشترك في حياة هذه المدينة في النهار والليل هو ازدحام شوارعها بالسيارات، خصوصا بعد الإفطار في شهر رمضان، حيث الأسواق تبقى مفتوحة حتى ما بعد منتصف الليل. ومن ينغمس في حياتها اليومية فلن يصدق التقارير الإخبارية والمعلومات التي تتحدث عن أزمات العراق، بل سيتأكد أنه يعيش في مدينة حيوية رغم همومها، ولكل فئة اجتماعية اهتماماتها، وفي جميع المجالات.
وقبل يومين استضاف مركز «أوج بغداد» الثقافي عرضا للأزياء مستمدا من الفلكلور العراقي أقيم في الغاليري ذاته المعلق على جدرانه لوحات معرض الفنانة عشتار جميل حمودي، الذي حمل اسم «أحزان النخيل»، وكان المركز ذاته قد أقام عرضا خاصا للفيلم العراقي «صمت الراعي» من إخراج رعد مشتت وبطولة آلاء نجم ومحمود أبو العباس، وهو الفيلم الذي حاز جوائز عربية وآسيوية، وسيتم عرضه في مهرجان وهران السينمائي في الجزائر الشهر المقبل.
الفعاليات الثقافية والفنية لا تتوقف في بغداد، بل إن صالات العرض التشكيلي مزدحمة باستمرار بالأعمال الفنية، وقاعة الرباط في شارع المغرب بجانب الرصافة حريصة على تحقيق برنامجها من الحفلات الموسيقية التي كان آخرها إحياء ذكرى الملحن والمطرب العراقي رضا علي الذي لحن لكبار المطربين العراقيين والعرب، بينهم فايزة أحمد وسميرة توفيق.
وحتى تجد العائلة العراقية مكانا لها في أماسي وليالي مطاعم بغداد ومقاهيها التي تطل على نهر دجلة مباشرة، خصوصا في مواقيت الإفطار والسحور لا بد من حجوزات مسبقة؛ فمطعم مثل «عيون بغداد» ذي الطابع البغدادي الأصيل من حيث العمارة والأثاث والأطباق تسهر فيه العوائل حتى مواقيت الإمساك، وهكذا غالبية المطاعم التي حرصت على تقديم وجبات الإفطار والسحور فقط.
حضور هذه النشاطات والفعاليات الثقافية والاجتماعية لا يقتصر على فئة معينة، بل تجد بينهم الفنان والكاتب والطبيب والمهندس والموظف، وعلى حد قول الفنانة المسرحية آلاء نجم، فإن «حضور هذه الفعاليات هو تحدٍ للظلام الذي يريد الإرهابيون أن يجرونا إليه، ونحن نريد أن نبرهن بأن بغداد تبقى حية ونابضة بالجمال والإبداع والعطاء»، مشيرة إلى حرصها «على حضور غالبية الفعاليات الفنية والثقافية من عروض مسرحية أو أماسٍ شعرية أو معارض تشكيلية».
تضيف آلاء نجم التي التقتها «الشرق الأوسط» في عرض الأزياء الذي أقيم في مركز «أوج بغداد» الثقافي الذي استمد المصمم سيف العبيدي خطوطه من العباءة والجلباب العربي والبغدادي مزينا قطعه بالحرف العربي، قائلة «كنت سعيدة بحضور عرض الأزياء هذا؛ كون المصمم عراقيا استوحى خطوطه من الزي البغدادي الأصيل وقدمه بأسلوب معاصر، كما أن العارضات عراقيات، وهذا يعني أن هناك إصرارا على تحدي محاولات وضع العصي في دواليب التقدم والإبداع»، منبهة إلى أن «بغداد مصدر إلهامنا نحن الفنانين، وتبقى مدينة جميلة رغم الخراب الذي طال أغلب مناطقها، لكن كل شيء سيعود أجمل مما كان، فالعراقيون مبدعون في العمارة والفنون والحياة وهذا أهم شيء، وأعني إصرار أهل المدينة على مقاومة اليأس وإعادة بناء العاصمة التي كانت توصف بأنها واحدة من أجمل المدن العربية».
من الظواهر الحضارية التي برزت مؤخرا في قلب العاصمة العراقية هي انتشار المقاهي التي يرتادها الزوار من الجنسين ومن أعمار مختلفة، ولعل أبرزها التي تشكل بالفعل ظاهرة إيجابية اجتماعيا وثقافيا هي مقهى «رضا علوان» وسط الكرادة داخل في جانب الرصافة، فعلى كراسي هذا المقهى المنتشرة فوق الرصيف يتوزع المثقفون العراقيون، نساء ورجالا، ومن مختلف الأجيال والاختصاصات الإبداعية، يتبادلون الآراء والأفكار ويناقشونها بحرية وبهدوء؛ إذ لم تعد أنظار المارة تستهجن جلوس المرأة العراقية في المقهى البغدادي ووسط حي يعد شعبيا إلى حدٍ ما.
يقول الفنان الموسيقي هندرين حكمت، أستاذ آلة السنطور في معهد الدراسات الموسيقية ببغداد لـ«الشرق الأوسط» هنا «يلتقي الفنان المسرحي مع الموسيقي والشاعر والرسام والمعماري لمناقشة حدث ثقافي ما، مثل عرض مسرحي أو حفل للفرقة السيمفونية، أو يتم تبادل المقترحات وتطويرها»، مشيرا إلى أن «أشهر المقاهي الثقافية ببغداد كانت في شارع الرشيد، مثل مقاهي: حسن عجمي والزهاوي والبرلمان والبرازيلية، وكل هذه المقاهي ذات التاريخ العتيد اختفت بسبب الخراب الذي عم أول شارع في بغداد والعراق وأعني شارع الرشيد، وفي هذا المقهى وجد المثقفون العراقيون ضالتهم وتحولت إلى مقر للقاءاتهم».



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.