جدران من الورق القديم لبناء بيوت سويسرا

تستلهم خلايا النحل في بنائها

بناء بيوتهم من ورق قديم
بناء بيوتهم من ورق قديم
TT

جدران من الورق القديم لبناء بيوت سويسرا

بناء بيوتهم من ورق قديم
بناء بيوتهم من ورق قديم

شهد العالم حتى الآن صناعة ورق لا يقل قوة عن الخشب، وإنتاج ورق لا يبتل بالماء، لكن السويسريين يودون بناء بيوتهم من ورق قديم لا يقل متانة عن الكونكريت.
وتقول شركة «إيكوسيل» السويسرية، المتخصصة في إنتاج المواد الجديدة الرئيفة بالبيئة، إنها قلدت الطبيعة في إنتاج جدران متينة من الكرتون القديم. وأنتجت الشركة جدرانًا من الورق، المطلي بالأسمنت، الذي يشبه خلايا النحل المضلعة في محتواه. وبالتالي، فإن الجدران سيتم إنتاجها بنسبة 100 في المائة من الورق والكرتون القديم الذي سيتم تدويره بطرق حديثة لا تضر بالبيئة.
ويمكن للمرء تصور أنه يعيش في بيت بنيت معظم جدرانه من كرتون خدمة وجبات البيتزا، ومن كرتون صناديق نقل الأثاث، ومن علب الأحذية والبريد... إلخ، وفق حديث بيرنهارد روز من شركة «إيكوسيل»، الذي أضاف أن الجدار يتألف من طبقتين خارجيتين من الكرتون المضغوط، بينهما طبقة عريضة من كرتون تم إنتاجه بشكل خلايا النحل، وتمت تقويته بمادة معدنية خلطت بالأسمنت.
وتضمن الشركة للراغبين ببيوت من ورق جدران «خلايا النحل» الورقية أنها تتحمل ضغط 200 طن على المتر المربع. ومثل هذه المتانة تجعله صالحًا أيضًا لبناء الأرضيات والسقوف، ولاستخدامات شتى أخرى. والأهم أنه أكثر بيئية من أي بيت آخر يبنى من الأسمنت أو الطابوق، لأن الجدران الورقية من «إيكوسيل» لا تطلق من غاز ثاني أكسيد الكربون عند إنتاجها سوى ثلث ما تطلقه صناعة الأسمنت أو القرميد. ولا ينبغي أن ينسى المرء هنا أن هذا النوع من الجدران يستفيد من تدوير أطنان كبيرة من الورق القديم والمستعمل.
وبيوت المستقبل الورقية في سويسرا لا تضمن تغليب كفة الميزان البيئي في قطاع البناء فحسب، وإنما تضمن بناء خفيفًا يقلل كثيرا من كلفة البناء والنقل، فوزن الجدار الورقي لا يزيد عن 230 كغم لكل متر مكعب منه، وهذا يعني أنه أخف عشر مرات من جدار الأسمنت أو القرميد، وأخف ثلاث مرات من الجدار المصنوع من الخشب الأصلي. وطبيعي أن يسهل هذا الوزن عملية البناء، ويجعلها أقرب إلى تركيب مكعبات «ليغو» في لعب الأطفال.
وأشار روز إلى أن بناء بيوت المستقبل من الجدران الورقية سيكون بمثابة لعبة «ليغو»، ولكن للبالغين. فقطع الجدران قابلة للتركيب على بعضها بحسب مزاج الإنسان، كما يمكن بعد سنوات أخرى إعادة تفكيكها وتركيبها بشكل آخر. وهذا يمنح صاحب البيت إمكانية كبيرة لتغيير المساحات، وعدد الغرف، في حالة ولادة طفل مثلا، وتوفير غرفة للوافد الجديد. وغني عن القول أن جدران «خلايا النحل» مقاومة للماء والريح، معززة بطبقات عازلة هدفها حفظ الطاقة وتسرب الماء. ناهيكم عن طبقة خارجية صقيلة مضادة للحريق، ومقاومة لعوامل التغيرات المناخية وغيرها. ويقل سعر الجدران الورقية عدة مرات عن سعر الجدران التقليدية، وهذا ما يجعلها جذابة للبلدان النامية بالطبع.
وقد تم تصميم وإنتاج جدران الورق لبناء بيوت ثابتة تجاه مخاطر الزلزال، فهي مناسبة تمامًا للمدن المهددة بالهزات الأرضية. ويضيف روز أن الوزن القليل للبيوت عامل آخر يحفظ حياة الناس ضد خطر الانهيار بفعل الزلزال.
وبنت «إيكوسيل» حتى الآن عددًا من البيوت الورقية في سويسرا، بعد أن نالت إجازة السلطات، وتحاول الآن الحصول على إجازة البناء في الاتحاد الأوروبي. وتحدث روز عن بناء 400 بيت مماثل خلال السنوات المقبلة، وكلها بيوت تبقى ملكًا للشركة ويجري تأجيرها. والمخطط له أن يبنى 150 مبنى من ثلاثة طوابق في السنة، منها عدد كبير لصالح مؤسسة البريد السويسرية. وهناك 15 منزلاً من الجدران الورقية سيتم بناؤها، يمكن للشاري أن يفوز بسيارة كهربائية صغيرة كهدية، عند شرائها، وهي هدية تشجيعية من وزارة البيئة السويسرية. وتنوي الشركة تزويد هذه البيوت بمصادر طاقة نظيفة تجعلها تكتفي ذاتيًا، وتحولها إلى بيوت «خضراء» 100 في المائة. وتعول شركة «إيكوسيل» على الأمم لمتحدة، والمنظمات الإنسانية العالمية، في ترويج بيوتها الورقية. وذكر روز أن هذه الهيئات الأممية مهتمة بهذه البيوت لاستخدامها في مناطق الحروب والأزمات واللاجئين، بسبب خفة وزنها وسهولة تركيبها وتفكيكها، وسهولة تغيير هندسة البيوت، أو المجمعات التي تبنى منها. وقد نالت شركة «إيكوسيل» جائزة «غرين تيك» العالمية لهذا العام نظير ابتكارها الجدران الورقية، موضوع الحديث، في مجال المواد الجديدة والبناء. وسيتلقى مسؤول الشركة فريدي إيسلي الجائزة يوم 29 مايو (أيار) الحالي في المؤتمر الدولي السنوي لجامعة ميونيخ التقنية الألمانية، وهي جائزة سنوية تمنحها وزارة البيئة الألمانية في مجالات البناء والسيارات والطاقة والتدوير.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».