مأزق للرئاسة والحكومة الفرنسيتين بسبب مشروع إصلاح قانون العمل

هولاند وفالس متمسكان بخط متشدد والنقابات تهدد بالتصعيد

جانب من مظاهرات المواطنين في باريس حول تعديلات الأجور (أ.ف.ب)
جانب من مظاهرات المواطنين في باريس حول تعديلات الأجور (أ.ف.ب)
TT

مأزق للرئاسة والحكومة الفرنسيتين بسبب مشروع إصلاح قانون العمل

جانب من مظاهرات المواطنين في باريس حول تعديلات الأجور (أ.ف.ب)
جانب من مظاهرات المواطنين في باريس حول تعديلات الأجور (أ.ف.ب)

قبل عام واحد على الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي ستشهدها فرنسا في ربيع العام القادم، وفيما شعبية الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند وحكومته التي يقودها مانويل فالس في الحضيض، تعيش البلاد على وقع الهزات الاجتماعية والاقتصادية بعد أن عرفت هزات أمنية وسياسية كان عنوانها الأبرز التراجع عن مشروع سحب الجنسية من الفرنسيين المتمتعين بجنسيتين في حال صدرت بحقهم أحكام تتعلق بنشاطات إرهابية.
وتجد السلطة التنفيذية نفسها اليوم في وضع لا تحسد عليه إزاء مصير مشروع قانون العمل الذي أبرمه البرلمان الفرنسي في قراءة أولى. فهي، من جهة، أما أن تسحبه من التداول استجابة لما تطالب به النقابات والجناح اليساري في الحزب الاشتراكي واليسار المتشدد وفي هذه الحال، ستفقد الحكومة أي مصداقية. ومن جهة ثانية، تستطيع الحكومة أن تتمسك بمشروعها والسير به حتى النهاية. لكنها في هذه الحال تغامر باستمرار حركة الاحتجاجات الشعبية التي تعطل الكثير من نشاطات البلاد الاقتصادية مترافقة مع استمرار نزول عشرات الآلاف من المواطنين إلى الشوارع كل أسبوع للمطالبة بسحب المشروع الذي ترى فيه نسفا لمكتسبات العمال والموظفين وخضوعا لمطالب أرباب العمل. ورغم اعتبار هؤلاء أن مشروع الحكومة لا يذهب بعيدا في إدخال الإصلاحات الضرورية على قانون العمل، إلا أنهم وأحزاب اليمين يطالبون الحكومة برفض الخضوع لمطالب النقابات اليسارية «الاستفزازية» ويدعونها «للصمود» والذهاب بالمشروع حتى النهاية.
عندما كلف رئيسا الجمهورية والحكومة وزيرة العمل مريم الخمري المتحدرة من عائلة مغربية مهمة تقديم «آخر المشاريع الإصلاحية الكبرى» لعهد هولاند، كان تصور السلطة التنفيذية أنه سيمثل أفضل داعم لمساعي الحكومة للتعاطي مع موضوع البطالة الذي يشكل الآفة الاجتماعية - الاقتصادية الرئيسية في فرنسا. وبما أن الرئيس هولاند ربط علنا ترشحه لولاية جديدة بتراجع أرقام البطالة، فإن مهمة الخمري كانت، في واقع الأمر، التمهيد لهذا الترشح من أجل تمكين هولاند خوض غمار المعركة الرئاسية والبقاء، في حال فوزه، لخمسة أعوام إضافية في قصر الإليزيه. والحال، أن المشروع لاقى منذ البداية مقاومة عنيفة من الجناح اليساري في الحزب الاشتراكي «الحاكم» ومن النقابات التي رأت فيه تخليا عن (ثوابت) قوانين العمل وضوءا أخضر لأرباب للتحكم برقاب العمال والتلاعب بعدد ساعات العمل وبالاتفاقيات المعمول بها. كذلك أثار المشروع حفيظة الشباب والطلاب بسبب ما جاء به من نصوص جديدة تضع الداخلين حديثا إلى سوق العمل في أوضاع هشة. ولعل أهم بند خلافي في مشروع القانون هو الثاني الذي يغلب الاتفاقيات المعقودة داخل الشركات والمؤسسات على الاتفاقيات العمومية الخاصة بقطاعات العمل. وباختصار، فإن القانون الجديد مستوحى من الفلسفة الليبرالية فيما المعارضون يتمسكون بالعقد الاجتماعي على الطريقة الفرنسية الذي يضمن الكثير من الحقوق للعمال والموظفين والنقابات.
إزاء الطريق المسدود الذي آل إليه الوضع، اختار رئيسا الجمهورية والحكومة الحزم ورفض الخضوع لمطالب كل الناقمين على المشروع وتجاهل مطالب عشرات الآلاف من المتظاهرين كل أسبوع في شوارع باريس والمدن الكبرى. وتترافق هذه المظاهرات بحركة إضرابية أصابت قطاعات أساسية في الاقتصاد الفرنسي ومنها حركة النقل العام «سكك حديدية، مترو الأنفاق» والمصافي مستودعات المنتجات البترولية وإنتاج وتوزيع الكهرباء وقطاعات الصحة والوظائف العمومية بما فيها المستشفيات والإدارات.. بيد أن الصورة التي علقت في أذهان المواطنين كانت تلك الخاصة بعشرات الآلاف من الناس المتجمعين صفوفا أمام محطات المنتوجات النفطية التي فقد الوقود من خزاناتها. وعلى سبيل المثال، فإن 15 مستودعا نفطيا من أصل مائة تم فتحها بوجه الصهاريج فيما محطات تكرير النفط ما زالت معطلة في غالبيتها. وأفادت شركة توتال، الموزع الرئيسي للمحروقات في فرنسا، أن 741 محطة «من أصل 2200 محطة» تعاني من صعوبات تزود بالوقود. أما الصورة الأخرى فهي «المناوشات» بين رجال الأمن والمتظاهرين وبعض من يستغل المظاهرات للقيام بعمليات شغب صدمت المواطنين كتهشيم واجهات المحلات والبنوك وإحراق سيارات الشرطة وإلقاء الحجارة وقنابل المولوتوف. ولم يتردد اليمني الكلاسيكي وكذلك اليمين المتطرف باستغلال صعوبات الحكومة للتنديد بـ«فقدان السلطة» و«تراجع هيبة القانون» واتهام الحكومة ورئيسها بـ«الضعف».
في اليومين الماضيين، كان الرئيس هولاند في اليابان للمشاركة في قمة السبع للبلدان الأكثر تصنيعا. ورغم القاعدة غير المكتوبة التي تفرض على رئيس الجمهورية ألا يتناول المشاكل الداخلية عندما يكون خارج البلاد، فإن هولاند ضرب هذه القاعدة عرض الحائط ليؤكد أنه «سيتمسك بمشروع القانون لأنه يرى فيه إصلاحا جيدا». وأضاف هولاند أن «الواجب الأول» للسلطة التنفيذية هو ضمان حرية التنقل ودوران الاقتصاد بشكل طبيعي. وهذا الخط المتشدد التزمه كذلك مانويل فالس الذي اعتبر أن محرك الاحتجاجات هو نقابة الاتحاد العام للشغل المرتبطة بالحزب الشيوعي. وقال فالس إنه «لن يتراجع ولن يرحل عن الحكم لأن هذه النقابة تريد وضع العصي في دواليب المشروع». لكن مشكلة الرجلين أن الرأي العام يدعو في غالبيته الساحقة «66 في المائة» إلى التراجع عن المشروع بينما تهدد النقابات بالتصعيد، وقالت الهيئة المشتركة لسبع نقابات عمالية وطلابية إنها «مستمرة في التصعيد» ولن تتراجع عن تحركها، مضيفة أنها دعت لمظاهرات إضافية في 14 الشهر القادم.
الواقع أن هذا الخيار ليس عفويا بل المقصود منه أن يتزامن مع انطلاق البطولة الأوروبية 2016 لكرة القدم التي تستضيفها فرنسا. وحتى الآن، كان المسؤولون منكبين على معالجة الأوجه الأمنية لهذه التظاهرة الرياضية الكبرى وذلك على خلفية التهديدات الأمنية التي تعرفها البلاد بعد المقتلة التي عرفتها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ومؤخرا، عمد البرلمان لتجديد العمل للمرة الثانية بحالة الطوارئ المفروضة منذ نوفمبر الماضي. لكن يبدو أنها لن تكون كافية لتوفير المستوى المطلوب منن الأمن بعد ما عرفه الملعب الكبير في محلة سان دوني «شمال العاصمة» من تجاوزات وثغرات أمنية نهاية الأسبوع الماضي بمناسبة المباراة الختامية لناديي العاصمة: باريس سان جيرمان ومرسيليا. وتهيئ الحكومة لتعبئة عشرات الآلاف من رجال الأمن في العاصمة والمدن الكبرى التي تستضيف المباريات المرتقبة.
هكذا تعيش فرنسا هذه الأيام على وقع الصعوبات اليومية والتهديدات الأمنية ومساعي الأطراف السياسية لاستغلال الأوضاع لتحقيق مكاسب ضيقة. وتجد الحكومة نفسها في حالة لا تحسد، فهي إن أقدمت ستكون خاسرة وإن تراجعت فقدت هيبتها. أما «المخرج» فقد لمح إلبيه وزير المالية ميشال سابان، عندما اقترح «شخصيا» إعادة النظر في الفقرة الثانية موضع الخلاف الرئيسي، بحيث تخطو الحكومة خطوة إلى الوراء تحت اسم إدخال الليونة على مشروع القانون لإرضاء المحتجين دون أن تفقد ماء الوجه.



بوتين يزور كازاخستان لتعزيز العلاقات وبحث ملف الطاقة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

بوتين يزور كازاخستان لتعزيز العلاقات وبحث ملف الطاقة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كازاخستان، الأربعاء، في زيارة تستمر يومين تهدف لتوطيد العلاقات مع حليفة بلاده الواقعة في وسط آسيا في ظل تفاقم التوتر على خلفية حرب أوكرانيا.

ورغم انضوائها في «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» التي تقودها موسكو، فإن كازاخستان أعربت عن قلقها حيال النزاع المتواصل منذ نحو ثلاث سنوات مع رفض رئيسها قاسم جومارت توكاييف التغاضي عنه.

وفي مقال نشرته صحيفة «إسفيستيا» الروسية قبيل زيارة بوتين، أكد توكاييف دعم بلاده «الحوار السلمي» من دون أن يأتي على ذكر أوكرانيا، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

من جانبه، أشاد بوتين بـ«التقارب الثقافي والروحي والقيمي» بين كازاخستان وروسيا، وذلك في مقال نشر في صحيفة «كازاخ» الرسمية، قائلا إنه يساعد في تطوير «العلاقات الودية والقائمة على التحالف» مع أستانا بشكل أكبر.

وبث الإعلام الرسمي الروسي مقطعا مصورا لطائرة بوتين لدى هبوطها في أستانا الأربعاء.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال حفل الاستقبال في مقر الرئاسة أكوردا في أستانا بكازاخستان... 27 نوفمبر 2024 (رويترز)

تدهورت العلاقات التجارية بين البلدين في الأشهر الأخيرة مع منع موسكو بعض الصادرات الزراعية من كازاخستان غداة رفض الأخيرة الانضمام إلى مجموعة «بريكس».

وجعل بوتين توسيع تحالف الاقتصادات الناشئة أساسا لسياسة روسيا الخارجية، مسوّقا لمجموعة «بريكس» على أنها قوة موازية لما يعتبرها «هيمنة» الغرب على العالم.

تأتي زيارة بوتين على وقع تصاعد التوتر بين موسكو والغرب بسبب حرب أوكرانيا، إذ أطلقت روسيا صاروخا تجريبيا فرط صوتي باتّجاه جارتها الأسبوع الماضي، بينما أطلقت كييف صواريخ بعيدة المدى زودتها بها كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على روسيا لأول مرة.

وفي سبتمبر (أيلول)، دعا توكاييف إلى حل سلمي للنزاع، محذرا من أن التصعيد يمكن أن يؤدي إلى «تداعيات لا يمكن إصلاحها بالنسبة للبشرية بأكملها».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف يلتقطان صورة مع أطفال في أستانا في 27 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا على جدول الأعمال

ورغم أن رحلات بوتين الدولية بقيت محدودة منذ العملية العسكرية الروسية الشاملة في أوكرانيا عام 2022، فإنه زار الدولة الواقعة في وسط آسيا بشكل متكرر.

تعد كازاخستان حليفا عسكريا واقتصاديا تاريخيا لروسيا وتمتد الحدود بين البلدين على مسافة 7500 كيلومتر.

ويتوقع أن يناقش الزعيمان العلاقات التجارية وملف الطاقة، إضافة إلى بناء أول محطة في كازاخستان للطاقة النووية، علما بأن شركة «روساتوم» الروسية من بين الشركات المرشحة لبنائها.

تسهم كازاخستان بنحو 43 في المائة من إنتاج اليورانيوم العالمي لكنها لا تملك مفاعلات نووية.

وأكد بوتين الأربعاء أن «(روساتوم) مستعدة لمشاريع كبيرة جديدة مع كازاخستان».

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف يرسمان على لوحة قبل لقائهما في أستانا في 27 نوفمبر (أ.ف.ب)

سيوقّع البلدان أيضا عدة وثائق الأربعاء وسيصدران بيانا للإعلام، بحسب مستشار الكرملين يوري أوشاكوف.

ويجتمع بوتين الخميس وقادة «منظمة معاهدة الأمن الجماعي» في أستانا في إطار قمة أمنية.

وستتصدر أوكرانيا جدول الأعمال، إذ يتوقع أن يناقش القادة «الإذن الغربي (لكييف) بإطلاق صواريخ بعيدة المدى باتّجاه عمق أراضي روسيا الاتحادية»، وفق ما أكدت وكالة «تاس» الإخبارية نقلا عن مصدر.

وفي خطوة لافتة، ستتغيب أرمينيا عن الاجتماع بعدما علّقت عضويتها في المنظمة احتجاجا على عدم وقوف موسكو إلى جانبها في نزاعها مع أذربيجان.

وقال أوشاكوف الثلاثاء إن أرمينيا ما زالت عضوا كاملا في التحالف ويمكن أن تعود في أي لحظة.