بعد فشل مؤتمر فيينا: استبعاد العودة للمفاوضات قبل مطلع العام المقبل

استئنافها مرتبط بتبلور ملامح الإدارة الأميركية الجديدة

فشل اجتماع فيينا أول من أمس في دفع الأطراف السورية للعودة إلى المفاوضات مرة أخرى (إ.ب.أ)
فشل اجتماع فيينا أول من أمس في دفع الأطراف السورية للعودة إلى المفاوضات مرة أخرى (إ.ب.أ)
TT

بعد فشل مؤتمر فيينا: استبعاد العودة للمفاوضات قبل مطلع العام المقبل

فشل اجتماع فيينا أول من أمس في دفع الأطراف السورية للعودة إلى المفاوضات مرة أخرى (إ.ب.أ)
فشل اجتماع فيينا أول من أمس في دفع الأطراف السورية للعودة إلى المفاوضات مرة أخرى (إ.ب.أ)

لم تعد جرعات التفاؤل التي يتعمّد المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا ضخها في المشهد الإقليمي العام بين الحين والآخر، قادرة على حجب حجم التشاؤم الذي يسود الأوساط الدبلوماسية والسياسية التي تتوقع ألا يكون ما بعد اجتماع فيينا كما قبله، حتى إنّها تُرجّح أن تكون سوريا على موعد مع «صيف ساخن» وعودة لـ«الحرب الشاملة» بعد مرحلة من الهدن المتنقلة التي انهار القسم الأكبر منها.
واستبق دي ميستورا يوم أمس هذا الجو المتشائم بالإعراب عن تفاؤله في إمكانية استئناف محادثات السلام السورية المعلقة، إلا أنه شدد على ضرورة عقدها «في أقرب وقت» لتجنب فقدان الزخم. ولكن ورغم إخفاق المجموعة الدولية لدعم سوريا التي تضم 17 دولة وتشترك موسكو وواشنطن في رئاستها في تحديد موعد جديد لاستئناف هذه المحادثات، أصر المبعوث الدولي على أن «هناك أملا بمعزل عن التقدم البطيء»، وقال أمام الصحافيين في العاصمة النمساوية: «أشعر براحة كافية لأوضح للشعب السوري والمجتمع الدولي أنه يمكننا إعادة إطلاق المحادثات (...)، لأنه من الواضح أن ليس هناك حلا عسكريا». وأضاف: «لكن نحن في حاجة إلى القيام بذلك في أقرب وقت، ليس في وقت متأخر، وإلا فسنفقد الزخم»، مذكرا المفاوضين بوجوب أن «يأخذوا بعين الاعتبار» أن شهر رمضان سيبدأ بحلول السادس من يونيو (حزيران).
وجاءت تصريحات دي ميستورا هذه غداة فشل المحادثات بين الدول الكبرى حول النزاع السوري في فيينا بتحقيق أي اختراق واضح لحل الأزمة المستمرة منذ خمس سنوات، واقتصار نتائج الاجتماع على تعهد المشاركين بتعزيز وقف إطلاق النار الهش وإيصال المساعدات الإنسانية.
وبينما حاولت الهيئة العليا للمفاوضات السورية المعارضة إبداء نوع من الإيجابية في التعاطي مع نتائج فيينا، مؤكدة أنّها «لا تريد العودة إلى الحرب الشاملة، بل نحن نؤكّد التزامنا بالمفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة للوصول إلى حل سياسي عادل»، حثّ الناطق باسم الهيئة سالم المسلط الأطراف الدولية المعنية بالصراع السوري على العمل «وبشكل فوري على إيقاف قصف وحصار الشعب السوري».
واستبعد رئيس الائتلاف السوري المعارض أنس العبدة أن يبدأ الحكم الانتقالي في سوريا مطلع شهر أغسطس (آب) المقبل، لما قال أنّ «انعدام أي مقدمات إيجابية قد تفضي لهذه النتيجة»، معتبرًا الأمر «محاولة لبث الأمل أكثر منها محاولة حقيقية من أجل الوصول إلى انتقال سياسي حقيقي». وتساءل رئيس الائتلاف «إذا كان الروس والمجتمع الدولي غير قادرين على إجبار نظام الأسد كي يسمح بمرور بعض المساعدات الإنسانية لأهلنا المحاصرين كما حدث في داريا منذ أيام، فكيف يمكن لنا أن نتوقع أن هذا المجتمع الدولي قادر على إحداث انتقال سياسي؟» وأضاف: «إذا لم يحدث تقدم حقيقي بهذا الملف فلن تكون هناك بيئة مناسبة لعملية سياسية ذات جدوى وذات معنى».
من جهته، رجّح عضو الائتلاف الوطني السوري سمير نشار أن تكون سوريا وبالتحديد مدينة حلب على موعد مع «تصعيد خطير في المرحلة القادمة»، منبها من أن تخلي المجتمع الدولي عن الفصائل المعتدلة بات يدفعها أكثر فأكثر باتجاه المجموعات المتطرفة وأبرزها «جبهة النصرة». وإذ حثّ نشّار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «الدول الإقليمية الصديقة لسوريا وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وتركيا لأخذ المبادرة وكسر حلقة النفوذ الإيراني انطلاقا من الملف السوري منعا من تمدده أكثر في المنطقة»، حمّل واشنطن مسؤولية ما آلت إليه الأمور خاصة «بعد تحولها مجرد وسيط بين المعارضة والمحور الآخر الذي تتزعمه موسكو بدل أن تكون في موقع الحليف للثورة السورية».
ويعتبر قسم كبير من المراقبين أن «تردد» الإدارة الأميركية هو السبب الرئيسي لفشل العملية السياسية في سوريا والعودة للحل العسكري، وهو ما عبّر عنه السفير اللبناني السابق في واشنطن رياض طبارة قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «كل المعطيات تشير إلى أن الأمور لا تزال طويلة في سوريا باعتبار أن الأرضية غير جاهزة بعد للانطلاق في عملية سياسية جدية لحل الأزمة»، معتبرا أن «طريقة تعاطي الإدارة الأميركية مع الملف تعيق تقدم الأمور، ما يوحي بأننا في مرحلة تمرير وقت قد تستمر حتى نهاية العام حتى تبلور ملامح الإدارة الأميركية الجديدة، على أن تبقى الكلمة للميدان حتى ذلك الحين».
وأتت المواقف الصادرة من طهران كما من دمشق يوم أمس، لتؤكد فشل اجتماع فيينا وانهيار العملية السياسية، إذ انتقد مساعد وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان «عدم وجود رغبة جادة لسيطرة بلدان الجوار السوري على الحدود والحد من تدفق المسلحين، ما يجعل الحفاظ على الهدنة في هذا البلد أمر تكتنفه الصعوبات». من جهته، قال وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم إن بلاده «مستمرة في جهودها في مكافحة الإرهاب ميدانيا مع مواصلة العمل لحل الأزمة ومتابعة المحادثات في جنيف».
وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أعلن في تصريح له بعد محادثات فيينا الثلاثاء، أن «موعد الأول من أغسطس (آب) الذي تم تحديده للأطراف المتحاربة في سوريا للاتفاق على إطار عمل حول عملية الانتقال السياسي هو هدف وليس موعدًا نهائيا لذلك». من جهته، قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إنه سيكون من الضروري البحث في البدائل إذا لم يمتثل الرئيس السوري بشار الأسد لمحاولات التوصل إلى هدنة في عموم البلاد.
وأكد البيان الصادر عن المجموعة الدولية التزام جميع أعضائها بـ«تسهيل بدء عملية الانتقال السياسي في سوريا بما يتفق مع قرار 2254 لعام (2015) والبيانات الصادرة عن المجموعة»، مطالبين دي ميستورا «تيسير التوصل إلى اتفاقات بين الأطراف السورية من أجل الإفراج عن المعتقلين». وحث أعضاء المجموعة الدولية على الامتثال الكامل من قبل كافة الأطراف لشروط وقف الأعمال العدائية، بما في ذلك وقف العمليات الهجومية، وتعهدوا باستخدام نفوذهم لدى الأطراف لضمان التزامها، ودعوا لـ«الامتناع عن ردود الأفعال المبالغ فيها وممارسة ضبط النفس»، وأضافوا أنّه «وفي حالة عدم التزام الأطراف بتنفيذ تعهداتها بحسن نية فإن العواقب قد تشمل العودة إلى حالة الحرب الشاملة التي اتفق جميع أعضاء المجموعة الدولية أنها لن تكون في مصلحة أحد».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.