مبادرة النقاط الـ10 تحتوي نزاع «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» في الغوطة الشرقية

تضمّنت إنهاء الأعمال العسكرية ورفع الحصار وعودة المقاتلين إلى جبهات القتال

مقاتل من «فيلق الرحمن» في وضع استعداد لقتال قوات النظام في قرية بالا بالغوطة الشرقية لدمشق (إ.ف.ب)
مقاتل من «فيلق الرحمن» في وضع استعداد لقتال قوات النظام في قرية بالا بالغوطة الشرقية لدمشق (إ.ف.ب)
TT

مبادرة النقاط الـ10 تحتوي نزاع «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» في الغوطة الشرقية

مقاتل من «فيلق الرحمن» في وضع استعداد لقتال قوات النظام في قرية بالا بالغوطة الشرقية لدمشق (إ.ف.ب)
مقاتل من «فيلق الرحمن» في وضع استعداد لقتال قوات النظام في قرية بالا بالغوطة الشرقية لدمشق (إ.ف.ب)

وقع 24 فصيلاً من الجيش السوري الحر، أول من أمس، مبادرة تتألف من عشرة بنود، في محاولة لاحتواء الخلاف القائم بين فصيلي «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» في غوطة دمشق الشرقية. وفيما لم يصدر بعد أي تعقيب من قيادة الطرفين على المبادرة، أثنى محمد علوش، كبير مفاوضي المعارضة السورية في جنيف، على هذه المبادرة. وقال في تغريده على حسابه على «تويتر» إن «مبادرة الفصائل لحل الخلاف في الغوطة هي أنضج مبادرة وبانتظار الموافقة من جميع الأطراف».
وأكدت فصائل الجيش الحر في بيان نشرته على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، وتضمن مبادرة من عشرة بنود لإنهاء النزاع بين الفصيلين الأقوى في الغوطة، أن «ما يجري في الغوطة الشرقية يشكّل تهديدًا حقيقيًا للثورة السورية». وطالبت بـ«وقف إطلاق النار، وإنهاء الأعمال العسكرية، وفتح الطرقات، ورفع الحصار، وعودة الثوار إلى جبهات القتال، وفتح الطرق من الطرفين وبكل الاتجاهات فورًا». وحددت مهلة 24 ساعة لكلا الطرفين للرد على ما جاء ببنود هذه المبادرة.
الفصائل نفسها تعهّدت بـ«ضمان ألا يقوم أي طرف من الأطراف باسترداد أي حق له بالقوة، واستعداها حيازة الضمانات المكتوبة وغير المكتوبة على ذلك من قيادة التشكيلين، وإيداعها لدى لجنة ضامنة من الفصائل»، داعية في الوقت نفسه إلى «وقف التجييش الإعلامي والديني من الطرفين فورًا، وتشكيل لجنة لمراقبة وقف إطلاق النار، تبدأ عملها فور وقف إطلاق النار، وإخلاء سبيل الموقوفين من الطرفين».
ويعدّ «فيلق الرحمن» ثاني أكبر فصيل عسكري بعد «جيش الإسلام» في الغوطة الشرقية وريف دمشق، وهما يتنافسان على ضم تشكيلات عسكرية، في ما يشبه التسابق على تزعّم فصائل المعارضة والسيطرة على الغوطة الشرقية. وقد بدأت المعارك بين الفصيلين منذ 28 أبريل (نيسان) الماضي، ولا تزال مستمرة إلى الآن، بسبب خلافات على بعض المقرات التي يدعي كل طرف أنه يملكها، إضافة إلى ادعاء كل طرف أن الآخر قتل مقاتلين تابعين له.
وتضمّن بيان الجيش الحرّ، ضرورة أن «يتوافق الطرفان على تشكيل لجنة مدنية وقضائية تتولى مهمة إصلاح الأجهزة الأمنية تكون توصياتها ملزمة، وتحال كل القضايا إلى لجنة قضائية تحدد آلية تشكيلها اللجنة الضامنة من الفصائل». ودعا كلاً من «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» إلى «إصدار تعهد مكتوب وموقع من قائد كل من الفصيلين بالالتزام بحكم اللجنة القضائية بكل المظالم السابقة التي يدعيها كل فصيل ضد الآخر».
وقطعًا للطريق على أي نقض لهذا الاتفاق كما حصل في مرات سابقة، أكدت الفصائل الموقعة على البيان، أن «من يخل ببند من بنود هذا الاتفاق أو بجزء منه يعرض نفسه لوقوف الفصائل جميعًا ضده، اقتصاديًّا وسياسيًّا وعسكريًّا وإعلاميًا، وسيعتبر فصيلاً منحرفًا عن خط الثورة». وحددت مهلة 24 ساعة لكلا الطرفين للرد على ما جاء ببنود هذه المبادرة.
عضو مجلس قيادة الثورة في ريف دمشق إسماعيل الداراني، أكد أن «هذا الاتفاق جاء ثمرة جهود مضنية بذلتها لجنة مؤلفة من الفاعليات المدنية المؤثرة، أحد أعضائها عمر حمزة الناطق باسم مجلس قيادة الثورة». وأشار إلى أن هذه الفاعليات «بقيت تعمل على مدى خمسة أيام أو أسبوع تقريبًا، أقنعت خلالها الفصيلين (جيش الإسلام، وفيلق الرحمن) على تسمية ثلاثة ممثلين عن كل منهم للمشاركة في المفاوضات، وهو ما أسهم في ولادة هذا الاتفاق، الذي جاء نتيجة تفاهم شامل رضخ له الجميع».
وشدد الداراني في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن «الاتفاق ليس محصورًا بـ(جيش الإسلام وفيلق الرحمن) فحسب، إنما هو قاعدة ليرعى أي خلاف قد يقع بين أي فصيلين على كامل الأراضي السورية، كما أنه يشكّل أرضية لحل أي خلافات مستقبلية»، مشيرًا إلى أن «كل فصائل الثورة باتت تتحسس اليوم خطورة الخلافات القائمة بين بعض أطرافها، والتي تطورت لتصل في أحيان إلى حدّ سقوط أعداد كبيرة من الشهداء لدى الطرفين المتنازعين، بما بات يهدد مصير الثورة والقضية التي يحملونها». وكشف الداراني أن الاتفاق «هو أفضل ما تم التوافق عليه منذ بدأت الخلافات»، مؤكدًا أن «الفصائل المختلفة يجب أن تكون لها مرجعية للبت في النزاعات القائمة بينهما، وهذا كان موضع قبول الجميع من دون استثناء».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.