عندما انتهى عرض فيلم وودي ألن الجديد «كافيه سوسيتي» بعد ساعة و35 دقيقة في الحفلة الصباحية المخصصة للنقاد، صفّق البعض بفتور والتزمت الغالبية الصمت. حين الاستماع إلى تعليقات بعضهم حال الخروج من القاعة الكبيرة، تتناهى إليك الكلمات التي تعبر عن الشعور بأن الفيلم لم يدخل خانة الإعجاب والكلمات المستخدمة هي من نوع «محبِط»، «مكرَر»، «عادي» و«يريد أن يقول شيئًا لكنه لا يفعل».
في الحقيقة، يريد الفيلم أن يقول شيئًا ويفعل، لكنه ليس شيئًا جديدًا. أي شخص شاهد خمسة أفلام للمخرج ألن سيكتشف أن ما يقوله هنا ما هو إلا ترداد لما قاله في أحد هذه الأفلام الخمسة التي شاهدها سابقًا إن لم يكن كلها.
حكايته، إذا ما نزعت قشورها، تتبلور عن الحيرة المعتادة في أفلامه بين حب وآخر. بطلنا شاب يعرفه الفيلم (صوت وودي ألن) بأنه من عائلة يهودية نيويوركية يصبو لدخول هوليوود من بابها الواسع. إنها حقبة الثلاثينات التي كان كل شيء ممكن الحدوث فيها ولو أن ذلك يعتمد على العلاقات التي يمكن للقادم اللجوء إليها.
في حالة بوبي (جسي وايزنبيرغ) لديه عم اسمه فيليب (ستيف كارِل) من كبار أصحاب وكالات إدارة المواهب. متزوج منذ 25 سنة وناجح في عمله ونافذ في قراراته وثري. شقيقته تتصل به من نيويورك وتقول له أن ابنها في طريقه إليه. لكن فيليب غير متحمس للقائه. ينشغل عنه لثلاثة أسابيع لعل الشاب ييأس ويعود إلى حيث أتى. لكن ابن شقيقته لم ييأس وهو مستعد لأي عمل، كما قال لعمه حين التقاه في نهاية المطاف. فيليب يعيّن امرأة جميلة اسمها ڤوني (كرستن ستيوارت) لتعريف بوبي بالأماكن على أن يدعوه إلى الحفلات الساهرة لعله يتعرّف على أهل السينما. بوبي يقع في غرام ڤوني التي تصده بادئ الأمر على أساس أن لديها صديقًا.
لكن الحقيقة هي أنها على علاقة مع عمه فيليب الذي يخبرها بأنه سيطلق زوجته ليتزوّج منها. حين يفعل بعد تردد يدوم لنصف ساعة، ينتقل بوبي عائدًا إلى نيويورك ليشارك أخيه بن (كوري ستول) إدارة الملهى الليلي. هناك يتعرف بعد فترة طويلة على ڤيرونيكا (كَلي روباك) ويتزوّج منها. فجأة ها هي ڤوني تعود إلى حياته من جديد عندما جاءت بصحبة زوجها. بوبي يخون زوجته معها لكن ڤوني ستفضل العودة إلى زوجها والحياة التي تعودت عليها في هوليوود.
هناك، عند نهاية الفيلم، مشهدين يعبّران عن فراغ كل منهما وبحجم واحد (لقطة قريبة متوسطة). الأولى لجيسي وهو ينظر بعيدًا كمن يسترجع حياته، والثانية لڤوني، وهي تفعل الشيء ذاته لكنها تغمض عينيها كما لو أن الصور تتراءى لها إذا ما فعلت. هناك شيء عالق في سماء النهاية في هذا الفيلم لا يريد المخرج تحديده لكن المحتمل أيضًا أنه لا يعرف ما هو.
التكرار الأعم هو في انتقال شخصيات الفيلم الأساسية في عواطفها غير المستقرة. فيليب يريد ترك زوجته. يتراجع. ڤوني حينها تفتح قلبها لبوبي. فيليب يغير رأيه ويطلق زوجته. ڤوني تختاره هو. بوبي وحيدًا ثم يتعرف على فيرونيكا. ثم كل شيء يعود إلى سابق توهانه عندما يلتقي بوبي بحبيبته السابقة التي تردد له ما قالته له سابقًا: «أنا حائرة». إنه منوال شبه دائم في أفلام ألن، يتحسّن وضعه بعض الأحيان عندما تكون هناك حكاية أكثر إثارة للاهتمام، كما كان الحال، مثلاً، في «رصاص فوق برودواي» و«سكوب» و«فيكي كريستينا برشلونة» ومؤخرًا «بلو جاسمين». أما السمة الغالبة فهي دورانه الدائم حول موضوع الحب كونه ليس نهاية العواطف بل بداية تغييرها.
«كافيه سوسيتي» ثري في صورته. هناك دائمًا حركة تقع تشد الاهتمام، لكن الوقع يبقى فاترًا معظم الوقت. إنه كما لو أن وودي يقدم الحبكة التي يريد والقصة التي ينشد والشخصيات التي يفضل ثم يخفق في إيصال مفاد مثير لها جميعًا. يترك، هذه المرة أكثر من مرات أخرى، جمهوره منتظرًا بلورة حقيقية ما لا تقع.
هناك خطوط جانبية. بن، شقيق بوبي، رجل عصابات يتخلص من أعدائه بقتلهم. ولدي رجال يقومون بذلك على تقاليد عصابات شيكاغو ونيويورك في تلك الحقبة. وألن هو كثير النقد لليهود. بن في النهاية وقد حكم عليه بالإعدام يقرر أن يصبح مسيحيًا لأن الديانة اليهودية لا تؤمن بالآخرة وهو يرفض أن يكون عاش حياته بلا تكملة، كما يقول الفيلم. في مشاهد أخرى يثير التهكم ذاته الذي عمد إليه في «تفكيك هاري» (1997) وهو من الأفلام التي قام ببطولتها. فيه تشكو شقيقته من أنه ليس يهوديًا مؤمنًا. هنا تشكو والدة بوبي من أن والده ليس مؤمنًا.
لكن المنحى المتكرر الآخر يكمن فيما هو أبعد.
من اللقطة الأولى لجيسي وايزنبيرغ تدرك أن الفيلم سيكون من تلك المرّات التي على الممثل الأول أن يتكلم ويتحرك ويتصرف كما كان وودي ألن يفعل عندما كان لا يزال يمثل في الأفلام، إنما بطلاقة وإجادة أفضل. هنا ليس فقط أن وودي يضع في شخصياته (هيو جاكمان في «سكوب»، كولين فارل في «حلم كاساندرا»، أووَن ويلسون في «منتصف الليل في باريس» إلخ…) شخصيته هو ويديرها بالاستناد لمعرفته نفسه. وهي تستجيب. إذا تمنيت أن ترى جيسي أيزنبيرغ على حقيقته عليك أن تبحث عن فيلم آخر.
في ثاني مشاهده مع المرأة التي ستصبح زوجته فيرونيكا، تجد تشابهًا بين ما تقوم به والصورة المجسدة للممثلة دايان كيتون عندما كانت بطلة أفلام ألن في الثمانينات. الحركات ذاتها والطريقة نفسها في التصرف.
كل ذلك كان يمكن القبول به لولا أن الفيلم لا يبتعد بدوره عن ناصية تلك الأعمال المتوقعة للمخرج. ما كان يتوقعه المشاهد من فيلم لألن يدخل فيه غمار الثلاثينات الهوليوودية، يتبلور إلى مناسبة لعرض الحكاية العاطفية ذاتها ومن دون حبكة ضرورية.
هذه هي المرّة الثانية عشرة التي يشترك فيها المخرج في مهرجان كان، ودائمًا خارج المسابقة. لكن المرء له الحق في التساؤل عما لو أن هذا الفيلم اشترك في المسابقة فعلاً، هل كان سيفوز؟ لا أعتقد.
بذا، ينضم فيلم الافتتاح إلى تلك الأفلام التي افتتحت دورات كان سابقة من حيث كونه خيبة أمل غير محسوبة.
كانيّات
> إلى جانب فيلم «ترامونتين» لمخرجه فاتشي بولغوريان، هناك عدة أفلام لبنانية ستعرض خارج العروض الرسمية تبعًا لاشتراك وزارة السياحة اللبنانية في أعمال كان، كما جرت العادة منذ عام 2005. من بينها «غواصة» لمنيا عقل و«حلم برجوازي مؤسف» لمازن خالد و«وحدة» لصوفي بطرس و«الليل» لصولا سعد.
> أعلن هنا عن أنه من بين المشاريع الجديدة التي يحوم حولها المنتجون والموزعون فيلم يدور حول محاولة الاغتيال التي خطط لها «جيش الجمهورية الآيرلندية» (IRA) للنيل من رئيسة الوزراء البريطانية أيامها مارغريت ثاتشر. لا يعرف بعد من التي ستقوم بدور ثاتشر، لكن المشروع مساق حاليًا للبيع المسبق في سوق المهرجان.
> وإلى «كان» وصل المخرجان عادل العربي وبلال فلاح قادمين من بلجيكا حيث يعملان ليعلنا عن أنهما اتفقا مع المخرج الأميركي جون سينلغتون على كتابة سيناريو يدور حول انتشار المخدرات في لوس أنجليس في مطلع الثمانينات. للمخرجين العربيين فيلم عرض في العام الماضي في بروكسل تحت عنوان «بلاك» وتناول عصابات الشوارع البلجيكية.
> يحتفل «الاتحاد الفيدرالي لنقاد السينما» (فيبرسكي) خلال هذه الدورة بمرور 70 سنة على بدء منح الجوائز الخاصة بهذه الجمعية النقدية في مهرجانات السينما العالمية. وهو شارك بلجنة متواضعة في دورة عام 1946 من هذا المهرجان ثم تمددت نشاطاته ولجانه لتشمل مهرجانات في كل بقاع الأرض.