هوليوود الثلاثينات تفتتح دورة «كان» 2016

المخرج وودي ألن يعود باحثًا في الذات.. ومنتقلاً عبر الأزمنة

كرستن ستيوارت وجيسي أيزنبيرغ في «كافيه سوسيتي»  -  وودي ألن (أ.ف.ب)
كرستن ستيوارت وجيسي أيزنبيرغ في «كافيه سوسيتي» - وودي ألن (أ.ف.ب)
TT

هوليوود الثلاثينات تفتتح دورة «كان» 2016

كرستن ستيوارت وجيسي أيزنبيرغ في «كافيه سوسيتي»  -  وودي ألن (أ.ف.ب)
كرستن ستيوارت وجيسي أيزنبيرغ في «كافيه سوسيتي» - وودي ألن (أ.ف.ب)

عندما ينطلق مهرجان كان السينمائي في الحادي عشر من هذا الشهر، تترصع الشاشة ببعض جواهر السينما المثيرة. ذلك أن فيلم الافتتاح ليس سوى الكوميديا الجديدة للمخرج وودي ألن «كافيه سوسيتي»، وبطولتها للممثلة التي برهنت على حسن موهبتها كرستن ستيوارت، والممثلين ستيف كارِل وجسي أيزنبيرغ. وهؤلاء سيحضرون حفل الافتتاح وسيرفعون أيديهم تحية لجمهور مكتظ لا تزال أفلام وودي ألن تعني لهم ينبوعًا صافيًا من الترفيه النوعي.
«كافيه سوسيتي» هو الفيلم الروائي الطويل الخمسون لألن مخرجًا، وذلك منذ أن بدأ المهنة مخرجًا وممثلاً في الوقت ذاته سنة 1965 بفيلم «ما الجديد، بوسيكات». وفيه يتناول ألن حكاية شاب (أيزنبيرغ) يقصد هوليوود في الثلاثينات باحثًا عن مستقبل له فيها. والده (كارِل) رجل أعمال ناجح وكان يتمنى لو أن ابنه تبع خطاه، لكنه يقوم بإرسال سكرتيرته الخاصة (ستيوارت) للإشراف على إدارة أعمال ابنه ومتطلباته، والاثنان يقعان في الحب.
* مفهوم هوليوود
هذه ليست المرّة الأولى التي يتناول فيها ألن موضوعًا هوليووديًا، كما هي ليست المرّة الأولى التي يستدعي فيها ألن الحقب الذهبية السابقة.
ألن هو مخرج نيويوركي ينتمي إلى مدن الساحل الشرقي لأميركا التي تختلف عن مدن الساحل الغربي في هندستها المعمارية وشوارعها وبيئاتها المختلفة. في «نهاية هوليوودية» (2002) نراه يلعب دور مخرج تضطره الظروف لقبول العمل في هوليوود، مما يعني أن عليه الانتقال إليها. في أول مشهد له هناك نراه مرتبكًا وهو يقود سيارة عريضة من سيارات السبعينات ثم يحاول صفّها فيصطدم بالجدار أمامه. مع التعليق الصوتي في ذلك الفيلم، أعرب عن علاقته المهزوزة بهوليوود. شعوره بعدم الارتياح لها كمكان عيش أو كنظام عمل. وهو بالفعل لم يحقق فيلمًا نصّت عليه استوديوهات هوليوود، ولو أن هذه سارعت أكثر من مرّة لتوزيع أفلامه.
علاقته، كما مفهومه لهوليوود كان بدأ قبل ذلك الفيلم. فهو لعب دور ناقد سينمائي تقرر زوجته (دايان كيتون) تركه لحب جديد في «العبها ثانية يا سام» الذي حققه هربرت روس في عام 1972. وتحت إدارة مارتن رِت مثل ألن دور كاتب سيناريو مبتدئ تُسند إليه مهمّة وضع اسمه على سيناريوهات كتّاب ممنوعين، في غمرة الحملة المكارثية في الخمسينات، من مزاولة الكتابة. «الواجهة» (1976) كان في الوقت ذاته كوميديا وسياسة متقنًا.
بعد ذلك ارتبط ألن بمواضيع تنبش في هوليوود في أعمال من إخراجه هو، أولها «ذكريات ستاردست» (1980)، ثم منها «وردة القاهرة الأرجوانية» (1985) حول الشخصية السينمائية الذي صحا ليجد نفسه قد أصبح كائنًا حقيقيًا. ذلك الفيلم تناول، جانبيًا، هوليوود الثلاثينات، ولو أن مكان الأحداث وقع في مدينة نيو جيرسي (كشأن أفلام عدّة لألن).
ثم هي هوليوود مرّة أخرى في «نهاية هوليوودية» (2002) الذي يحمل علاقة من تحت الحكاية البادية بينه وبين «ذكريات ستاردست». ففي هذا الأخير مثل دور مخرج مضطر للعمل في هوليوود، لكن أولويته هي عاطفية، إذ قررت زوجته دايان كيتون (التي كانت على علاقة عاطفية فعلية مع ألن) تركه صوب حب جديد.
في «نهاية هوليوودية»، ها هو ألن المخرج مضطر لا للعمل في هوليوود فقط بل مع زوجته السابقة.
* فنان بحياتين
أما التاريخ فينبثق في أعمال أكثر. فالثلاثينات التي يعود إليها وودي ألن في فيلمه الجديد «كافيه سوسيتي» هي ذاتها التي دارت فيها أحداث «ذكريات ستاردست» و«وردة القاهرة الأرجوانية» ثم «أيام الراديو» (1987)، وإلى الأربعينات دارت أحداث «ظلال وضباب» (1991)، الذي دارت أحداثه في ألمانيا خلال مطلع الحقبة النازية. ثم نجده عاد، سنة 1994، إلى برودواي العشرينات، ليتحدث عن كاتب مسرحي يحاول شق طريقه سنة 1928 في فيلم «رصاص فوق برودواي».
وآخر سبر غور في الأزمنة قبل فيلمه الجديد هذا هو «منتصف الليل في باريس» الذي عرضه في مهرجان «كان» قبل خمسة أعوام. تنتقل أحداث هذا الفيلم وبعض شخصياته من الحاضر إلى العشرينات: أووَن ولسون يصل وخطيبته راتشل ماكأدامز إلى باريس ومعهما والداها. هو رجل يؤمن ببنائه مستقبله منفردًا، وهي ابنة الأثرياء التي تريد جذبه إلى عالمها. في إحدى الليالي يجد نفسه على جادة أحد شوارع باريس تلتقطه عربة بحصان وتدلف به إلى العشرينات، حيث يجالس في أحد المقاهي الليلة شخصيات مثل ف. سكوت فتزجيرالد وأرنست همنغواي وجوزيفين بايكر وسلفادور دالي.
مثل بطله ذاك، يعيش ألن في عالمين في الواقع. الحالي حيث بلغ ثمانين سنة من العمر أمضى منها 51 سنة مخرجًا وممثلاً. يستغني، في معظم أفلامه عن الموسيقى المكتوبة للأفلام بأغاني وألحان جاز من الفترة الماضية. ويوغل في ذلك الماضي بحثًا عن نفسه قبل نفوس شخصياته أو من خلالها.
هذا يغلف قلق ألن الوجودي. بحثه الدائم عن هوية عاطفية (ومن قبل دينية) ودأبه على طرح تلك الاتجاهات المختلفة لشخصياته منتقلة ما بين أوضاعها المتباينة، كما عبّر أخيرًا عن ذلك أفضل تعبير من خلال فيلمه «بلو جاسمين» (تعني «ياسمين الحزينة» و«ياسمين أزرق» معًا والأصح الأولى)، حيث كايت بلانشت تترك ثراء نيويورك بعد انفصالها عن زوجها الثري من دون ثروته للعيش مع شقيقتها (سالي هوكينز) الفقيرة في غرب البلاد.
على النحو ذاته، عاد في العام الماضي ليقدّم «رجل غير منطقي» الذي عرضه في مهرجان «كان» أيضًا. هنا عاد لطرح المواقف العاطفية والوجدانية التي تصيب الرجال في مرحلة لاحقة. بطله بروفسور (واكين فينكس) يعزم على الانتحار ويتراجع عندما تدخل حياته طالبة.
* توهان دائم
حقيقة أن أفلام ألن هي نسخة من نفسه وتوهانها (باكرًا ما كان هذا التوهان واضحًا ومشخصًا عندما كان يقوم بأدوار البطولة لنفسه)، تعكس عدم إيمانه بالحب الخالد. مثل كل شخصياته هو باحث دائم عن الهوية العاطفية والشخصية، ويبث ذلك في كل شخصية يكتبها من شخصيات أفلامه الرجالية والنسائية.
في المقابل، أرضية الشخصيات النسائية ذاتها لا تتغيّر كثيرًا ولكن لديها هامشًا عريضًا من الحركة عادة. نساء وودي ألن قويّات عادة حتى حينما يكن رقيقات ورومانسيات. تتدرّج هذه القوّة تبعًا للتفاعل العاطفي الذي يشغل القلب حيال الأزمة التي تمر بها. الفتاة (إميلي ستون) التي أنقذت حياة البروفسور ليست سوى واحدة. كايت بلانشيت التي ترفض الرضوخ للمتغيرات المعيشية والعاطفية حولها هي مثال ثانٍ.
ما لا يتغيّر أيضًا هو الدور الذي يؤديه وودي ألن في أفلامه. في البداية لم يكن يكف عن التمثيل، لكنه بعدما اعترف أنه لم يعد من المنطقي أن يقبّل على الشاشة ممثلة تصغره بثلاثة عقود بات يظهر أقل. بصرف النظر عن تكرار ظهوره فإن شخصيّته هي بدورها واحدة: إنه رجل قلق، يخشى على نفسه من نفسه. وحتى المرّة الوحيدة التي وجدناه فيها بعيدًا تمامًا عن هذه الصورة، وكانت في فيلم نال تقديرًا أقل مما كان يستحق وهو «ظلال وضباب» (1991) نجده متّهمًا بريئًا (كما كانت حال أعماله الأولى) تعيد إلى الذاكرة بحثه الأساسي حول هويّته ذات الجوانب والخصال المتعددة.
فيلمه الجديد، الذي لم يره أحد بعد سوى من انتخبه للافتتاح، قد يأتي بجديد على صعيد علاقات ألن بالفن وبالهوية الخاصة وتلك العاطفية وبهوليوود الأمس، في نظرة حانية من عالم اليوم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».