عائلات بعلبك تواجه «حزب الله» في الاستفتاء على خياراته خارج لبنان

قلق من تبدّل المزاج الشعبي بعد انخراطه في حروب سوريا والعراق واليمن

قوات أمن تحرس موظفي لجنة الانتخابات اللبنانية أثناء نقلهم صناديق الاقتراع إلى مركز انتخابي في بيروت أمس (رويترز)
قوات أمن تحرس موظفي لجنة الانتخابات اللبنانية أثناء نقلهم صناديق الاقتراع إلى مركز انتخابي في بيروت أمس (رويترز)
TT

عائلات بعلبك تواجه «حزب الله» في الاستفتاء على خياراته خارج لبنان

قوات أمن تحرس موظفي لجنة الانتخابات اللبنانية أثناء نقلهم صناديق الاقتراع إلى مركز انتخابي في بيروت أمس (رويترز)
قوات أمن تحرس موظفي لجنة الانتخابات اللبنانية أثناء نقلهم صناديق الاقتراع إلى مركز انتخابي في بيروت أمس (رويترز)

لا تختلف المعركة البلدية في مدينة بعلبك بشمال شرقي لبنان عن باقي المعارك المحتدمة، التي تدور رحاها اليوم في العاصمة بيروت، وكل مدن وبلدات البقاع، لكن ميزة معركة مدينة بعلبك - ذات الكثافة الشيعية - أنها معركة سياسية تخوضها الأحزاب بكل طاقاتها، حيث يضع حلفاء سوريا، وعلى رأسهم ما يسمّى «حزب الله» وحركة «أمل» وحزب البعث العربي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي، كل ثقلهم لدعم لائحة «التنمية والوفاء التوافقية» المشكّلة من حزبيين، في مواجهة لائحة «بعلبك مدينتي» المشكّلة من عائلات المدينة برئاسة المحامي غالب ياغي.
المعادلة في بعلبك واضحة والشعارات أيضًا، فـ«حزب الله»، يقرّ برعايته للائحة الحزبية، على أساس أن نجاحها يعدّ استفتاء شعبيًا على خياراته، وهو يسعى عبرها إلى تثبيت دوره في المدينة، على أساس أن النتائج إما تنتهي بتأييد خيارات فتفوز لائحته، وإما تشكّل انقلابًا عليها فتفوز اللائحة المنافسة. ولذلك يعرف الحزب تمامًا أن نجاح اللائحة المنافسة، يعني أن المزاج الشعبي، ولا سيما في الشارع الشيعي، تبدّل وبات رافضًا لمجازفته السياسية والعسكرية سواء في لبنان أو سوريا أو المنطقة ككل.
وفي المعلومات المتداولة في بعلبك عشية فتح صناديق الاقتراع، أن ما يسمى «حزب الله» بدا متوجسًا من نتائج الانتخابات، وهو لا يستهين بمنازلة قد لا تصب في مصلحة لائحته، سيما أن اللائحة المواجهة لديها برنامجها الواضح الذي يترجم رغبة الناس في التغيير. وأن البلدية التي حملت صبغة الحزب في الدورتين السابقتين على مدى 12 سنة «لم تكن على قدر تطلعات أبناء المدينة اقتصاديا واجتماعيًا وأمنيًا» بحسب لائحة «بعلبك مدينتي» التي ترى أن الحركة السياحية التي تعتمد عليها بعلبك بشكل كبير باتت شبه معدمة، عدا عن التراجع الإنمائي والتفلت الأمني الذي ضرب عصب المدينة.
رئيس لائحة «بعلبك مدينتي» المحامي غالب ياغي، أعلن أن لائحته تخوض معركة إنمائية في مواجهة الشعارات السياسية التي رفعها ما يسمى «حزب الله» ولم تجلب لبعلبك إلا الفقر والتراجع. وأكد ياغي لـ«الشرق الأوسط»، أنه «على مدى 12 سنة (ولايتان بلديتان لسلطة ما يسمى «حزب الله») لم تشهد مدينتنا سوى تراجع في الوضع الإنمائي والمعيشي والسياحي، حتى باتت مدينة معدمة». وأردف «بدل أن يوجه الحزب الناس نحو الإنماء ورفع مستوى معيشتهم، أخذهم باتجاه ما يسمّيه تحرير سوريا والعراق واليمن وغيرها من بلاد العالم».
وبعيدًا عن الاعتبارات السياسية، رأى ياغي أن «قرار بعلبك مصادر من قبل الحزب منذ العام 2004. وهذا ما أدّى إلى تراجع المدينة السياحية الأثرية، بعدما كانت مدينة المهرجانات التي تنبض بالحياة»، مشيرًا إلى أن «التفلت الأمني والفوضى حوّلا بعلبك إلى مدينة شبه خالية حتّى من جوارها الذين أصبحوا يخافون زيارتها». وأضاف ياغي «لائحتنا مؤلفة من نُخب العائلات البعلبكية، لدينا خطة نهضوية، هدفها إنعاش المدينة وإعادتها إلى الخريطة السياحية»، مؤكدًا أن لائحته «مدعومة من العائلات وليس من أي حزب أو جهة سياسية». وأبدى ارتياحه لـ«فوز اللائحة بكامل أعضائها»، لكنه تخوّف من «عمليات تزوير قد تلجأ إليها قوى الأمر الواقع من أجل تزوير إرادة الناس».
وفي مقابل «التكليف الشرعي» الذي أصدرته قيادة ما يسمّى «حزب الله» لمحازبيها ومناصريها والحلفاء للنزول بكثافة والتصويت للوائح المدعومة منه في كل لبنان، فإن لائحة «بعلبك مدينتي» تراهن على الصوت السنّي الذي يشكل نحو 35 في المائة من عدد الناخبين في بعلبك، سيما أن مزاج الطائفة السنيّة بات ناقمًا على تصرفات الحزب في المدينة، وما زاد من نقمتها دخوله في الحرب السورية. إلا أن بعض الأصوات السنيّة التابعة لجمعية المشاريع الإسلامية المعروفة بـ«الأحباش» المقربة من النظام السوري لا تزال تصب لصالح تحالف ما يسمّى «حزب الله».
أما في المقلب الآخر، فاعتبر رئيس بلدية بعلبك الحالي حمد حسن، المرشّح على لائحة «التنمية والوفاء التوافقية»، أن المجلس البلدي الحالي (تنتهي ولايته آخر الشهر الحالي) حقق الكثير من الإنجازات والمشاريع الأساسية للمدينة وأهلها. ولفت إلى أن «المزاج الشعبي راضٍ عن أداء البلدية». وأكد حمد أن اتهامات اللائحة المنافسة بتراجع الخدمات والسياحة في بعلبك يسيء لأصحابه. وقال حسن «الناس تعرف أن المدينة تعجّ بالسياح، خاصة بعدما حرر إخواننا في المقاومة (ما يسمى «حزب الله») جبهة القلمون (السورية المتاخمة للحدود مع لبنان) من الإرهابيين، وأزالوا خطر الصواريخ التي كانت تسقط في منطقة بعلبك، وبعد أن تمكنت القوى الأمنية من الحد من عمليات الخطف». ودعا اللائحة الأخرى إلى «عدم استخدام العصب المذهبي وعدم تشويه صورة المدينة لمصالح شخصية».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.