«رحلات الحج».. توثيق أدبي وسجل ثقافي

باحث سعودي يرصد 30 رحلة من ناصر خسرو قبل ألف عام إلى الياباني محمد صالح قبل 83 عاما

الكعبة بداية موسم الحج كما صورها محمد السعودي
الكعبة بداية موسم الحج كما صورها محمد السعودي
TT

«رحلات الحج».. توثيق أدبي وسجل ثقافي

الكعبة بداية موسم الحج كما صورها محمد السعودي
الكعبة بداية موسم الحج كما صورها محمد السعودي

تعد رحلات الحج التي دونها الكثير من العلماء والأدباء والمؤرخين والرحالة، الذين قصدوا الديار المقدسة لتأدية الركن الخامس من أركان الإسلام، سفرا خالدا وسجلا ثقافيا لخدمة الأدب والتاريخ. وعلى مدى القرون الماضية قام عدد من الرحالة بتأدية فريضة الحج من خلال رحلات متباينة على مدى الألف سنة الماضية، وحظيت هذه الرحلات بعناية خاصة من قبل أصحابها، ودار حولها الكثير من المؤلفات، وقد رصد عبد الله الحقيل المؤرخ والباحث والمؤلف الأمين العام السابق لدارة الملك عبد العزيز 30 رحلة للحج بدأت أولاها منذ ألف عام.
وكشف لـ«الشرق الأوسط» أن الرحلة الأقدم كانت للرحالة الفارسي ناصر خسرو شاه، ثم رحلة ابن جبير الأندلسي، وابن بطوطة، وعبد القادر الجزائري، وغيرهم، ثم الياباني تاكيشي سوزوكي، المعروف باسم محمد صالح، قبل نحو 83 عاما.
حول رحلة ناصر خسرو شاه عام 442 هجرية، يوضح الحقيل الذي يعنينا من هذه الرحلة الطويلة ما يتصل بالحج، حيث يصف مكة المكرمة قائلا: «تقع مكة بين جبال عالية، ولا ترى من بعيد، من أي جانب يقصدها السائر، وأقرب جبل منها هو جبل أبي قبيس، وهو مستدير كالقبة، لو رمي سهم من أسفله لبلغ قمته، وهو شرق مكة، فترى الشمس من داخل المسجد الحرام وهي تشرق من فوقه في شهر (ديسمبر)، وقد نصب على قمته برج من الحجر يقال إن إبراهيم عليه السلام رفعه عليه».
ابن جبير الأندلسي
أما ابن جبير الأندلسي فقد حج عام 578 هجرية متوجها من غرناطة إلى جدة. وهو يقص رحلته وحجه إلى بيت الله الحرام، ويصف لنا مشاهد كثيرة، ويرسم الطريق إلى مكة، منازله ومناهله، رسما بارعا، وتصويرا دقيقا، متقصيا أحوال مكة من جميع جهاتها. يقول: «في مساء يوم الثلاثاء الحادي عشر من ربيع الأول 578هـ، تركنا جدة متوجهين إلى مكة بعد أن ضمن الحجاج بعضهم بعضا، وبعد تسجيل أسمائهم في سجل لدى قائد جدة علي بن موفق، فواصلوا السير ليلا حتى وصلوا (القرين) مع طلوع الشمس، والمسمى اليوم (بحرة)».
ويفيض ابن جبير في وصف الكعبة والحرم والآثار، ولا يكف عن إحصائياته ومقاييسه مستعملا الشبر، ويصف موضع الطواف بأنه «مفروش بحجارة مبسوطة كالرخام حسنا، أما سائر الحرم فهو مفروش بالرمل الأبيض، وطواف النساء في آخر الحجارة المفروشة».
ويصف حجر إسماعيل وصفا بديعا، ويذكر مساحاته وأقيسته، ويصف قبة زمزم، وأن البئر في وسطها، وعمقها إحدى عشرة قامة حسبما ذرع ابن جبير بنفسه. أما عمق الماء فيقول عنه: «وعمق الماء سبع قامات على ما يذكر».
ابن بطوطة
أما ابن بطوطة فقد جاء في وصف رحلته إلى الحج عام 726هـ حديثه عن قرع الطبول إيذانا ببدء أيام الحج، ويقول: «وإذا كان أول يوم شهر ذي الحجة تضرب الطبول والدباب، في أوقات الصلوات، بكرة وعشية، إشعارا بالموسم المبارك، ولا تزال كذلك إلى يوم الصعود إلى عرفات، فإذا كان اليوم السابع من ذي الحجة خطب الخطيب إثر صلاة الظهر خطبة بليغة يعلم الناس فيها مناسكهم، ويعلمهم بيوم الوقفة، فإذا كان اليوم الثامن بكر الناس بالصعود إلى منى، وأمراء مصر والشام والعراق وأعلام العلم يبيتون تلك الليلة بمنى، وتقع المباهاة والمفاخرة بين أهل مصر والشام والعراق في إيقاد الشمع، ولكن الفضل في ذلك لأهل الشام دائما، فإذا كان اليوم التاسع رحلوا من منى بعد صلاة الصبح إلى عرفة، فيمرون في طريقهم بوادي محسر ويهرولون، وذلك سنة».
أما الكعبة المشرفة، فيتحدث عنها ابن بطوطة تاركا وصفا حيا للمسجد الحرام ومكة المكرمة بقوله: «وفي هذه الأيام تفتح الكعبة الشريفة في كل يوم للعراقيين والخراسانيين وسواهم ممن يصل مع الركب العراقي، وهم يقيمون بمكة بعد سفر الركبين الشامي والمصري أربعة أيام، فيكثرون فيها الصدقات على المجاورين وغيرهم، ولقد شاهدتهم يطوفون بالحرم ليلا، فمن لقوه في الحرم من المجاورين أو المكيين أعطوه الفضة والثياب، وكذلك يعطون للمشاهدين الكعبة الشريفة».
ياباني في مكة
وبخصوص رحلة «ياباني في مكة» أو «الحج إلى مكة المكرمة» للحاج محمد صالح (تاكيشي سوزوكي)، يشير الحقيل إلى أن هذه الرحلة تعد نموذجا للنمط الأدبي المعروف بـ«أدب الرحلات»، وهو رافد من روافد الثقافة والمعرفة من الأدب والتاريخ، يستفيد منه كتّاب السيَر، وعلماء الجغرافيا، وعلماء الاجتماع، والتربية، وعلماء اللغة وغيرهم، إفادة كبيرة. وهذه الرحلة التي ترجمها الدكتور سمير عبد الحميد إبراهيم، وسارة تاكاهاشي سنة 1419هـ تضم بين ثناياها جميع أقسام الرحلات المعروفة لدى الباحثين في أدب الرحلة، فهي قبل كل شيء رحلة أدبية، وفن من فنون القول الأدبي، اعتمد فيها المؤلف، بالإضافة إلى المشاهدات العينية، على ما سمعه من أخبار، وعلى مطالعة الرحلات السابقة التي كتبها غيره.
لا يقف الكتاب على الجانب الحرفي لأدب الرحلات، ولكنه يجيد تصوير مشاعر مسلم من بيئة مختلفة تلامس قلبه وروحه معاني الحج الإنسانية فيستجيب لها بشغف ويتلمس معانيها بشاعرية. فمناسك الحج وشعائره المختلفة تمثل ثقافة مختلفة يسعى الياباني إلى استيعابها فاتحا قلبه لسيل متدفق من المضامين التي قد لا يعيها آلاف الحجاج الآخرين.
في تلك الرحلة التي كانت في عام 1938 سافر تاكيشي سوزوكي إلى مكة المكرمة بالباخرة من مرفأ كوبة في اليابان وانتقل إلى مصر مرورا بقناة السويس على باخرة مصرية، ثم صوب وجهه نحو السعودية لأداء مناسك الحج والإحرام.
ولقد بدأ المؤلف رحلته بمقدمة عن الإسلام ومبادئه، ثم بمقدمة أخرى عن الرحلة ذاتها، والظروف التي دفعته إلى القيام بها، وركز على الأمور الجغرافية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعمرانية، ووصف الطرق والعمران، والمرافق والظواهر المناخية، ووجه عناية خاصة للأمور الاجتماعية، فتحدث عن البشر، فئات المجتمع وطبقاته، ووضع الرجال والنساء في المجتمع، وغير ذلك، ولم تخلُ رحلته من ذكر رجال الدولة والعلماء، وعلى رأسهم مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة الملك عبد العزيز (طيب الله ثراه)، وقد أفرد فصلا كاملا عنه.
في الفصل الثاني يتحدث عن وصوله إلى الجزيرة العربية، وارتدائه ملابس الإحرام، يصف لحظة ارتدائه لملابس الإحرام: «حين حانت ساعة ارتداء ملابس الإحرام، كان جميع الحجاج في سعادة غامرة، وانطلقت ألسنتهم بالتلبية والتكبير، بينما كانت دموع الفرح والسعادة تنهمر أحيانا من عيون بعضهم.. لا يمكن أن أشاهد في أي مكان آخر مثل هذه المشاعر الجياشة، والأحاسيس العميقة، والعواطف الحارة، إلا في هذا المكان، وفي تلك اللحظات بالذات.. كان الحجاج يرتدون ملابس الإحرام، لا فرق بين غني وفقير، كنا جميعا نرتدي نفس الملابس، المصنوعة من قطعتين من القماش الأبيض، ففي الحج يتساوى الجميع».
في طريقه من الفندق الذي سكنه بجوار البيت الحرام، كان يمشي في درب ضيق تحيطه الجبال والبيوت، ويقول إنه كان يتلمس الأرض بخشوع وهو يستحضر التاريخ الإسلامي ويشعر أن «هذا الطريق الضيق المظلم موجود منذ 1330 سنة يقود المسلمين المؤمنين إلى طريق الكعبة».
لقد رسم المؤلف في كتابه هذه صورة للملك عبد العزيز الذي شاهده عن قرب والتقى به، وقد خصه الملك دون غيره من الحجاج باللقاء أطول وقت ممكن، بل أوقفه بجانبه طوال مدة مصافحته لوفود العالم الإسلامي التي قدمت للسلام عليه في الحج، وقد رسم المؤلف للملك عبد العزيز صورة دقيقة الملامح، جميلة القسمات، خطها بأصدق الكلمات، وأوضح العبارات، دون رياء أو مجاملات.

* توثيق بالكاميرا للمشاعر المقدسة قبل قرن من الزمان

* الدمام: «الشرق الأوسط»

* يمثل الكتاب «مصور في الحج» الصادر عن مشروع «كلمة» التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، أحد أهم كتب التوثيق المصور لرحلة الحج باستخدام الكاميرا والصورة، بعد أن كان الرحالة يعتمدون على التوثيق بالكتابة والوصف. وهذا الكتاب يروي رحلة الحج بين عامي (1904 - 1908) من تأليف فريد قيومجي كحيل وروبرت غراهام، وقام بترجمته الدكتور سري خريس.
أما المصور وكاتب اليوميات فهو محمد علي أفندي السعودي، وقد قام برحلتي حج ضمن حاشية أمير الحج الرسمية الممثلة في قافلة الحجاج المصرية التي تصاحب «المحمل» أو «كسوة الكعبة». وهو مصري عاش إبان التحولات الهامة التي مرت بها مصر ومنطقة الشرق الأوسط بداية القرن العشرين، وشهدت تلك المرحلة ضعف سيطرة الإمبراطورية العثمانية، ونشأة حركة الأتراك الشباب في تركيا، وتزامنت رحلته مع تشييد سكة الحجاز الحديدية التي امتدت من دمشق إلى المدينة المنورة، والتي غيرت طرق الحج المعتادة بعد ذلك.
وكان السعودي على صلة بالشيخ محمد عبده، وبحسب الكتاب فقد كلفه بتزويده بوصف مفصل للتاريخ الديني لكل الآثار المحيطة بالحرم، والمنتشرة في البقاع المقدسة في كل من مكة والمدينة، وكان هذا التكليف قبل أن يخرج السعودي في رحلته الأولى لأداء فريضة الحج، وعند عودته سلم السعودي نتائج رحلته للشيخ محمد عبده، وخاطبه واصفا إياه بمفتي الديار المصرية، قائلا: «أقدم لك، بناء على طلبك، ما استطعت كتابته بقلم الرصاص في هذه المرحلة، وسأزودك بما تبقى من معلومات بعد الانتهاء من كتابي الذي يتحدث عن رحلة الحج ووصف الحجاز، بإذن الله».
وتعكس يوميات المصور محمد أفندي السعودي رؤية نادرة لرحلة الحج التي قامت بها الحملة المصرية في مطلع القرن العشرين، ويروي المؤلف تفاصيل رحلته الثانية إلى الديار المقدسة، برفقة إبراهيم رفعت باشا، أمير الحج المسؤول عن قافلة الحج المصرية آنذاك. كما ينقل الأخطار التي واجهها الحجاج في رحلتهم البرية، والمصاعب المرتبطة بعملية التقاط الصور الفوتوغرافية ذاتها.

* «الطريق إلى مكة».. فيلم عالمي بتمويل سعودي

* مكة: «الشرق الأوسط»

* ضمن التجارب النادرة لتوثيق رحلات الحج القديمة سينمائيا، يأتي فيلم «الطريق إلى مكة» الذي يتخذ من رحلة ابن بطوطة في القرن الرابع عشر موضوعا له، يحكي الفيلم في 45 دقيقة رحلة ابن بطوطة من بلدته طنجة في المغرب وعبر الصحراء على امتداد آلاف الأميال إلى مكة لأداء الحج، كما يتطرق الفيلم للمخاطر والصعاب التي تعرض لها ابن بطوطة خلال رحلته الطويلة التي أخذته إلى القاهرة ومن ثم التوجه إلى دمشق ليصحب الركب المسافر إلى الحجاز، ويمزج الفيلم بين الصورة التي كان عليها الحج في الماضي وتلك التي يبدو عليها الآن.
أنتج الفيلم بالتعاون بين مؤسسات سعودية ثقافية وخاصة، بينها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ومكتبة الملك عبد العزيز العامة، ومجموعة «الزامل». وشارك في الفيلم الممثلون حسام جانسي ونديم صوالحة ونبيل الوهابي، ولعب دور ابن بطوطة الممثل شمس الدين زينون، ومن إخراج بروس نيبور، واستغرق تصوير الفيلم أربع سنوات في المغرب والسعودية، وبلغت ميزانية الفيلم نحو 60 مليون ريال.
وعرض الفيلم لأول مرة في مركز سلطان بن عبد العزيز للعلوم والتقنية «سايتك» بالخبر شرق السعودية في يونيو (حزيران) 2011، كما عرض على هامش معرض الكتاب في الرياض، وضمن فعاليات منتدى جدة الاقتصادي في دورته الثانية عشرة، كما عرض في أكثر من 50 مدينة حول العالم، وترجم إلى لغات عدة، منها الفرنسية والروسية والتركية والإنجليزية، وحاز على الكثير من الجوائز بينها جوائز مهرجانات في هيوستن، وبوسطن، وباريس.
وأنتج الفيلم السينمائي الكندي الراحل جيك ايبرتس، الذي أنتج أو مول خمسين فيلما حازت على 37 أوسكار، من بينها «عربات النار»، و«غاندي»، و«اسم الوردة»، و«الرقص مع الذئاب»، و«مدينة الفرح»، و«المخادع»، و«الطريق إلى مكة».



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».