الإنثروبولوجيا.. وعلاقة الشباب بالإرهاب

ثمة حاجة إلى دراسات عربية ميدانية ومفسرة

عناصر من داعش في الرقة السورية
عناصر من داعش في الرقة السورية
TT

الإنثروبولوجيا.. وعلاقة الشباب بالإرهاب

عناصر من داعش في الرقة السورية
عناصر من داعش في الرقة السورية

تعرَّض الوضع السياسي العام على امتداد الجغرافية العربية في السنوات الأخيرة لهزات عنيفة، لم تعهدها طبيعة البنيات وخصائصها المستمدة من السلوك التقليدي الديني. ولم يعد ممكنا في عصر ما بعد الحراك المجتمعي العربي تحليل أنماط السلوك والفعل بالتحليل النظري المفترض المألوف عند الباحثين حول الدين والشباب؛ بل أصبح لزاما الانتقال من التصورات القبلية للواقع الذي فرضته فترة استغلال المعرفة من طرف السياسة بشكل ضيق، إلى النظر العلمي في الواقع المعيش وفاعلية الفاعلين فيه.
ومن تلك المواضيع التي تفرض على الباحثين العرب مسحا إثنوغرافيا سوسيولوجيا، مسألة ارتباط الشباب بالدين والعنف. فلم يعد من الممكن الاكتفاء المرضي بخلاصات الدراسات الغربية في هذا المجال، سواء صدرت من مراكز أبحاث فرنكوفونية أم أنغلوساكسونية، أو حتى تلك التي أصدرها خبراء غربيون في هذا المجال. ذلك أن معرفة النسق الاجتماعي وما يتعلق بالحياة المادية التنظيمية، وجزئيات الحياة الاجتماعية، يتطلب الخروج من التعميم السائد في الدراسات الإنتربولوجية الاستشراقية التي تؤكد أن المجتمع العربي المعاصر يعيش تحت سطوة الدين، بالمعنى الذي يجعل من المجتمع، وقوته الشبابية مجرد أسير في زنزانة شيدها الإسلام لتكون حياة مغلقة وعنيفة.
وتبعا لذلك فإن دراسة علاقة الدين بالإرهاب، وتزايد انخراط جزء من الشباب العربي المسلم في مسلسل العنف «الداعشي» بعد 2011م، يتطلب من المثقف العربي، العودة منهجيا على الدراسة والعمل الحقلي. فلا يكاد الباحث يجد دراسة أكاديمية عربية مبنية على المنهجية التي تقوم عليها الإنتربولوجيا وهي الإثنوغرافية، بما هي مشاركة للباحث في المعيش اليومي لظاهرة معينة، وما يتطلبه ذلك من مراقبة وتسجيل، تحقق النظر إلى الواقع كما هو.
صحيح أنه من الصعب على الإنتربولوجيين العرب الانخراط العملي في صفوف التنظيمات الإرهابية، ومعاينة طريقة الاستقطاب والتجنيد، لكنه يملك إمكانات دراسة «عينات» من «الإرهابيين الشباب التائبين»، ويمكن الانطلاق من التجربتين السعودية، والموريتانية الناجحتين في هذا المجال.
فارتباط المثقف بالحقل الإنتربولوجي، يدعم التوجه العقلاني الديني الذي يسير فيه المجتمع العربي المعاصر، وتدعم من فرص فهم ظاهرة «داعش» و«القاعدة» وعلاقتهما بالدين، وبالجيل الجديد من الشباب «الداعشي» العربي أو الغربي المولد والدراسة والثقافة.
ورغم أن الإرهاب ظاهرة مفتوحة ومعقدة، وتتطلب دينامية فكرية توازي دينامية وفاعلية التنظيمات الدينية العنيفة، من ناحية تطورها وتوسعها. فإن تناول الظاهرة عبر البحث الميداني العملي، قادر على تسليط الضوء على دور كل العوامل المعقدة المنتجة للإرهاب؛ سواء كانت ذات طبيعة سياسية، أو اجتماعية، أو دينية، أو نفسية، أو ثقافية أو غير ذلك.
هذا المسلك المنهجي الإنتربولوجي يمكننا من التحليل الدقيق للظاهرة، كما يوصلنا إلى معرفة سياق تطور العنف، بوصفه دينامية داخلية لمجتمع معين (العراقي أو اليمني، مثلا)، وكونه مرتبطا بدينامية خارجية أوسع، تتعلق بتكوين الهوية والقيم المجتمعية العامة العربية. فالسياق الداخلي للجماعة الدولة، يختلف عن سياق الهوية الدينية الجامعة الأمة، كما أن الاستعداد الفطري البشري للعنف لا يرتبط بالعنصر الوراثي، أو الديني، بقدر ما يرتبط بالسياق المجتمعي، وما يدور بداخله وخارجه من تفاعلات، تنمي العنف وتجعل منه نسقا ثقافيا رائجا.
إن الهوية والنسق القيمي لا ينفكان عن التماسك الاجتماعي وعن سلسة الإدراك وشبكة التصورات القبلية للمجتمع. وعنف الدينامية الخارجية في علاقتها بالعولمة والصراعات الدولية، جعل القيمة الدينية تتعرض لخلخلة من جهة الإدراك بشكل لم يكن معروفا عند الأجيال السابقة. إن «جيل الإنترنت» - كما يسميه دون تابسكوت - لم يتجاوز فقط الإدراك التقليدي للدين، بل يستغل إنتاجيات العقلانية والتحديث لخلق تماسك اجتماعي مبني على تقديس استعمال العنف، ضد الدولة والمجتمع، وضد الغرب بوصفه «الآخر»، ولو كان «جيل الإنترنت» نفسه من مواليد هذا «الآخر» المتخيل.
ولذلك يحصل «جيل الإنترنت» على تمثيل معنوي ورمزي لذاته ومستقبله، وفي الوقت نفسه يخلق لنفسه عالما يعده أصيلا يجب فرضه «بالإرهاب». وكما يذهب إلى ذلك بعضهم الباحثين، فإن هذا التماسك الاجتماعي الذي يخلقه الجيل الشبابي، يجعل من الدين نظرية جاذبة في عالم مضطرب؛ مما يضمن لأفراد الجيل قدرة على المقاومة والاستمرار في جماعة دينية قابلة للتوسع، وخلق رمزية كبيرة تفتح التماسك الاجتماعي الديني على آفاق عالمية، تتخذ من الإرهاب قيمة لاحمة للمشترك الجماعي لعالم «جيل الإنترنيت».
ولعل هذا التوجه العلمي «الميداني» هو الذي منح أعمال الإنتربولوجي الأميركي سكوت أتران، مدير الأبحاث الإنتربولوجية في المركز الوطني للبحث العلمي في باريس، أهمية بالغة في هذا المجال. فقد أصبحت أبحاثه، وبالتالي توجيهاته، في مجال الإرهاب وعلاقة الشباب بالتنظيمات الإرهابية محل حفاوة علمية في أكبر مراكز الأبحاث العالمية ولدى مختلف الحكومات الغربية والأمم المتحدة. ويمثل كتابه «الحديث إلى العدو: الدين والأخوة وصناعة الإرهابيين وتفكيكهم» الذي صدر عام 2010م واحدا من الأبحاث الإنتربولوجية الميدانية التي اشتغلت على «مجموعة من الإرهابيين السابقين»، وخرجت بخلاصات علمية تتعلق بطرق تكوين وإنتاج الجيل الجديد من الإرهابيين، وطرق تشكيل الوعي ونوعية التصورات والسلوكيات التي يمارسونها، داخل جماعتهم الداخلية، ومع المحيط الخارجي الذي يعدونه عالم الكفر.
انطلاقا من هذه الخلفية البحثية، ينتهي مدير الأبحاث الإنتربولوجية في المركز الوطني للبحث العلمي في باريس، إلى أن قضايا الإرهاب والعنف والدين في العالم الإسلامي معقدة، ويرى أن مجمل الشباب الذين يلتحقون بالحركات الإرهابية، يقومون بذلك بدافع قناعاتي تصوري، مبني على الإيمان بقضية والإخلاص لها، و«لعائلاتهم المتخيلة». وهم يعدون أنفسهم في جماعة عقدية متحدة، في شكلها الأصيل المتضامن بشكل إنساني بدائي، وهذا بدوره يفسر سهولة التجنيد المبني على القرابة العائلية، والانتماء لأصدقاء المعسكر، والمدرسة، ورفاق الرياضة، وزملاء العمل. مما يعني أن نحو ثلاثة أرباع التجنيد لفائدة التنظيمات الإرهابية يكون خارج مؤسسة المسجد، التي أصبح تأثيرها شبه غائب في هذا المجال، ولعل تطورات الهجمات الإرهابية لباريس في سنة 2015. وتلك التي ضربت بروكسل يوم 22 مارس (آذار)، التي أسفرت عن 31 قتيلا.
ينبهنا كذلك الباحث الإنتربولوجي الكبير أتران، أن الشباب لا ينخرطون في موجة الإرهاب؛ لأنهم منتقمون استثنائيون وفقراء غير مبالين بالحياة، ويعشقون الحور العين، بل إنهم جيل لا يخلو من العقلانية، على الرغم من القناعة الدينية الشمولية المدمرة التي يؤمن بها هذا الجيل الجديد من الشباب، المتعلم والواعي.
ثم يعود أتران ليؤكد أنه ليس كل الانتحاريين لهم دافع ديني، والمجموعات العلمانية قامت بتفجيرات انتحارية عدة، ومنها «نمور التاميل» في سريلانكا، وهي تنظيم قومي هندوسي، كما وقعت مثل تلك الهجمات في السابق في لبنان، ونفذها قوميون وعلمانيون. فالقضية - حسب أتران - ليست دينية، ولا هي حرب شاملة، يخوضها شباب متعطش للدماء ضد العالم. إنه جيل من الشباب، يجب علينا مواجهته، بخلق أنماط وصور جديدة عن أبطال يمثلون تصوراته ورغباته غير المفصولة عن الواقع، فهو جيل طموح ومبادر، ويسعى إلى البروز. لذلك فالتعامل معه لا يجب أن يكون بالقنابل والرصاص، ولا بالإثارة الإعلامية التي تجعل منهم أبطالا وقادة يقودون الحروب باسم «داعش». فالواقع ما زال يؤكد أنهم أقلية هامشية، ويجب أن يبقوا كذلك كما هم فعلا.
هذه هي خلاصة غير عربية، لمجموعة من أبحاث مدير مركز باريس، سكوت أتران، الذي اشتغل ميدانيا مع زملائه على مقابلات مباشرة مع مقاتلين من «جبهة النصرة» وجماعات مقاتلة أخرى في سوريا، وكذلك «داعش» في العراق. وحاول الإجابة فيها على أسئلة مركزية من مثل لماذا ينضم الشباب للجماعات الإرهابية؟ وما قناعات وطرق تفكير هذا النوع من البشر؟ وما الأسباب والعوامل التي تدفع الشباب المسلم المولود بأوروبا، الذي عاش وتربى ودرس فيها، إلى «الهجرة» والالتحاق «بداعش»؟
*أستاذ العلوم السياسية
جامعة محمد الخامس الرباط



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».