سجاد كرمان المزهري يتصدر المزاد بأكثر من مليوني جنيه إسترليني

سجادة «مزهرية» أواخر القرن الـ16
سجادة «مزهرية» أواخر القرن الـ16
TT

سجاد كرمان المزهري يتصدر المزاد بأكثر من مليوني جنيه إسترليني

سجادة «مزهرية» أواخر القرن الـ16
سجادة «مزهرية» أواخر القرن الـ16

تستضيف «دار كريستيز العالمية للمزادات» في مقرها الرئيس بالعاصمة البريطانية لندن، خلال أيام، مزادها الربيعي للتحف الإسلامية والشرق أوسطية. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المزاد هو أحد أكبر مزادين للتحف الإسلامية والشرق أوسطية تنظمهما الدار سنويا في لندن، بجانب مزاد الخريف. وفيما يخص السجاد والمنسوجات، لا بد من القول: إن «كريستيز» كسبت قصب السبق على الدور المنافسة خلال السنوات القليلة الماضية، وغدت مزاداتها الأغنى والأهم على مستوى العالم.
في مزاد «كريستيز» الربيعي المخصص للسجاد، الذي ينظم من الساعة العاشرة والنصف صباح يوم الأربعاء 19 أبريل (نيسان) الحالي، تعرض الدار 189 قطعة من مختلف الأشكال والأنواع والمصادر والتصاميم، وتتراوح تقديرات أثمانها من 3 آلاف جنيه إسترليني إلى مليون ونصف جنيه. ومن البديهي أن بعض القطع ستجتذب المقتني العادي الذي يطمح لاقتناء سجادة يفرشها في غرفة استقبال بيته؛ نظرا لأن أسعارها، بصورة عامة، تظل – على ارتفاعها – معقولة بالنسبة لأهمية هذا المزاد الكبير.
وللعلم، فإن «كريستيز» وغيرها من دور المزادات تنظم على مدار السنة مزادات أخرى للسجاد، تخصص أساسا للجمهور المحلي، أسعار ما يعرض فيها من سجاد وبسط متدنية بالمقارنة مع أسعار ما يعرض في المزادين السنويين الكبيرين.
* مجموعة روتشيلد
أهم ما يميز معروضات المزاد الربيعي هذا، 3 قطع نادرة، وبالتالي ثمينة جدا، من المجموعة الخاصة للوريثة الثرية آليس دي روتشيلد (1847 – 1922)، سليلة إحدى أغنى الأسر الأوروبية اليهودية. القطع الثلاث تنتمي إلى ما يعرفه خبراء السجاد الشرقي بـ«سجاد كرمان المزهري» Vase Carpets، الذي اشتهر بصنعه نساجو مدينة كرمان الإيرانية خلال 100 سنة من العهد الصفوي خلال القرن الميلادي الـ17. وكان الاسم في الأساس قد استخدم لوصف تصميم حقل السجادة الذي يمثل أفنانا وزهورا كما لو كانت في مزهرية vase، غير أنه منذ العام 1976 صار يدل على تقنية النسج – أو بالأصح العقد – بصرف النظر عن تصميم الحقل، الذي بات أحيانا يشمل تصاوير طيور وحيوانات. والسبب أن الخبراء تنبهوا إلى وجود تقنية عقد مشتركة بين قطع من «السجاد المزهري» كانت قد عرضت في أحد المعارض العالمية ذلك العام. وحاليا، يعد «سجاد كرمان المزهري» من أثمن السجاد الذي يظهر بين الفينة والفينة في المزادات والمعارض العالمية.
القطع الثلاث المعروضة في «كريستيز» هي:
- سجادة كاملة بحالة ممتازة، حقلها أزرق اللون، وإطارها يطغى عليه اللون الأحمر، ولقد نثرت في حقلها أوراق شجر مسننة وزهور بالألوان الأحمر والأخضر والأصفر والأسود. طولها 251 سم (نحو مترين ونصف المتر) وعرضها 151 سم، وقدر خبراء «كريستيز» ثمنها بين مليون جنيه ومليون و500 ألف جنيه، أي بين مليون و500 ألف دولار أميركي ومليوني دولار.
- قطعة شبه كاملة، حقلها أزرق غامق مكسو بأفنان ومزهرات palmettes وأوراق شجر ملتفة ومسننة، وزهور وطيور من مختلف الألوان، وإطار رفيع أشهب اللون، عليه نقوش ومزهرات. طول هذه القطعة 306 سم وعرضها 196 سم، وقدر ثمنها بين 400 ألف و600 ألف جنيه.
- قطعة من سجادة كبيرة، بديعة الألوان، حقلها أحمر اللون يعج بالمزهرات والأفنان والزهور والتشاكيل الفنية الشرقية، والإطار الأساسي أزرق داخلي عليه تصاميم عربية – إسلامية Arabesque باللونين الأحمر والأبيض. طول هذه القطعة 286 سم وعرضها 205 سم، وقدر ثمنها بين 250 ألف و350 ألف جنيه.
* قطع تركية أثرية
بجانب قطع هذه المجموعة، ثمة قطع أخرى غاية في الأهمية، لعل أبرزها بالنسبة لهواة السجاد التركي الأثري، عدة قطع تعود أيضا إلى القرنين الـ16 والـ17 من إنتاج «أوشاك»، أعرق مراكز نسج السجاد التركي الأثري، أبرزها سجادة كبيرة الحجم (750 سم - 379 سم) من التصميم الوسامي، وهي ذات وسامين كبيرين، وقدر ثمنها بين 60 و80 ألف جنيه. وسجادة ثانية ذات وسام صغير في وسطها، رائعة الجمال وصغيرة الحجم (198 سم -122 سم) قدر ثمنها بين 50 و80 ألف جنيه، وتعود هاتان السجادتان إلى القرن الـ17. ثم هناك من القرن الـ16 سجادة «أوشاك» ثالثة جميلة ونفيسة جدا، بتصميم المحراب المزدوج Double - Niche Ushak، قدر ثمنها بين 70 و100 ألف جنيه، مع أنها صغيرة الحجم (150 سم - 97 سم)، وسجادة بتصميم مماثل قدر ثمنها بين 50 و70 ألف جنيه. كذلك معروضة سجادة بتصميم الأوشاك النجمي Star Ushak، قدر ثمنها بين 20 و30 ألف جنيه. ومن الفترة ذاتها سجادة بتصميم الأوشاك الطيري Bird Ushak، قدر ثمنها بين 15 و20 ألف جنيه. وفضلاً عن قطع «الأوشاك» المذكورة، هناك كثير من السجاجيد التركية الأثرية من «الترنسلفانيا»، والغورديز والكولا واللاذق والموجور.
بالنسبة للسجاد الإيراني، كالعادة تتوافر في مزاد «كريستيز» هذا الربيع قطع إيرانية بديعة، بعضها استثنائي في جماله وفنياته العالية. ومن أبرزها: سجادة هريس حريرية، تعود إلى القرن الـ19 قدر ثمنها بين 50 و70 ألف جنيه، وسجادة تصويرية كرمانية رائعة، قدر ثمنها بين 25 و35 ألف جنيه، وسجادة تبريزية تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، قدر ثمنها بين 20 و25 ألف جنيه، وسجادة كاشانية حريرية بتقنية الـ«سوف» قدر ثمنها بين 18 و22 ألف جنيه، وسجادة مشهدية كبيرة الحجم بتوقيع «الأستاذ صابر» قدر ثمنها بين 15 و20 ألف جنيه.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».