ثلاثية نادرة

سجادة من ممتلكات عائلة روتشيلد تعود لنهايات القرن الـ17
سجادة من ممتلكات عائلة روتشيلد تعود لنهايات القرن الـ17
TT

ثلاثية نادرة

سجادة من ممتلكات عائلة روتشيلد تعود لنهايات القرن الـ17
سجادة من ممتلكات عائلة روتشيلد تعود لنهايات القرن الـ17

خلال الجولة، التقيت مع لويز برودهيرست، مدير قسم بسط وسجاد المشرق، في «كرستيز» التي تعرض لنا أهم 3 قطع برأيها في المزاد. تبدأ برودهيرست حديثها بالقول: «إن مزاد السجاد ضخم ويضم نحو 184 قطعة، تضم فيما بينها القطع الكلاسيكية والقطع الزخرفية». تشير لويز لثلاث قطع، من أهم القطع التي تعرض، وهي من ممتلكات عائلة روتشيلد الثرية والعريقة في أوروبا والمعروفة بمقتنياتها النفيسة، وهي سجادات مزهرية نادرة من إقليم كرمان بإيران، ظلت بعيدة عن أعين العالم لأكثر من قرن ولم تنشر صور لها طوال تلك الفترة.
القطعة الأولى تعود لأواخر القرن الـ17 في جنوب شرقي فارس، وتقول لويز: «السجادة مكتملة حتى أطرافها وهي في حالة جيدة»، وتكمل: «من الأشياء التي نلاحظها هنا أن في الربع الأعلى من السجادة تصبح النقوشات أكثر كثافة والتصميم أكثر تعقيدا»، وتستبعد أن يكون هناك شخص آخر شارك في النسج، قائلة: «السجادة كلها من نسج شخص واحد، ولكنه قرر أن يغير في التصميم، وعلى الرغم من أنها تغييرات دقيقة فإنها تعكس براعة في اللعب بالألوان والخطوط المحددة لأوراق النباتات، حيث لجأ الصانع لاستخدام اللون الأحمر لتحديد بعض الأشكال بدلا من اللون الأسود الشائع استخدامه، وذلك بغرض إضافة بعض العمق. من الملاحظ أيضا أن الصوف المستخدم من نوعية جيدة، والألوان ممتازة، فالنساجون من كيرمان لهم صيت في استخدام الألوان الطبيعية واللعب بها». وبإشارتي إلى لون دخيل على نقوش بيضاء، تقول: «إن ذلك أمر طبيعي بل مرغوب، قد يكون السبب هو انتهاء (لفة) الصوف التي استخدمت في الأجزاء الأخرى وقيام النساج باستخدام صوف جديد، والمعروف أن الألوان الطبيعية تختلف في تدرجاتها، هو أمر مستحب ويضيف لندرة القطعة ولا نجده في القطع التي تستخدم الألوان الكيميائية. عموما جامع السجاد المتمرس يبحث عن تلك التنويعات في الألوان وفي النسيج، فهي تجعل القطعة مختلفة ونادرة».
القطعة الثانية من الثلاثية تمثل جزءا من سجادة ضخمة، تقول لويز: «هذه السجادة قسمت إلى 16 جزءا، نعرف أين يوجد كل منها، فهناك قطع في متاحف ومؤسسات عالمية، مثل اللوفر وفيكتوريا آند ألبرت، وفي قطر وبرلين وسانت بيترسبيرغ. ولكن القطعة أمامنا تعد أفضل مثال لتصميم السجادة كلها. القطعة الأخيرة رغم اكتمالها تحمل آثار الزمن وآثار عمليات إصلاح غير موفقة»، مؤكدة: «هذه السجادة هي الأندر بين الثلاثة، والأكثر تميزا في نقوشاتها، فهي تمثل حدائق الجنة، بها 6 أنواع من الطيور، وطيور عملاقة أسطورية، إلى جانب النوافير المصممة على النسق الإسلامي، وأشجار ترمز للتناغم. ولكن من جانب آخر القطعة رغم أهميتها الأكاديمية، ليست بحالة ممتازة وتحتاج للاهتمام».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».