سعودية تقود مطعمًا في «دبي مول» نحو المغامرة

ديم البسام تدير 400 موظف لخدمة 600 زبون يوميًا

ديم البسام بين الشيف رؤيا صالح (يمين) ومديرة اللقاء نورة المقيطيب (يسار) الذي أقامته غرفة الشرقية لتسليط الضوء على تجربتها («الشرق الأوسط»)
ديم البسام بين الشيف رؤيا صالح (يمين) ومديرة اللقاء نورة المقيطيب (يسار) الذي أقامته غرفة الشرقية لتسليط الضوء على تجربتها («الشرق الأوسط»)
TT

سعودية تقود مطعمًا في «دبي مول» نحو المغامرة

ديم البسام بين الشيف رؤيا صالح (يمين) ومديرة اللقاء نورة المقيطيب (يسار) الذي أقامته غرفة الشرقية لتسليط الضوء على تجربتها («الشرق الأوسط»)
ديم البسام بين الشيف رؤيا صالح (يمين) ومديرة اللقاء نورة المقيطيب (يسار) الذي أقامته غرفة الشرقية لتسليط الضوء على تجربتها («الشرق الأوسط»)

من النادر أن تمر بمطعم «سويتش» في السوق الإماراتية الشهيرة «دبي مول»، دون أن تجد المنتظرين وجباتهم، وفي حين أن كثيرين يعتقدون أنه مملوك لشركة أجنبية شهيرة، إلا أن صاحبته شابة سعودية اسمها ديم البسام.
ديم، التي تؤمن بعبارة «أنت تأكل بعينك»، نافست مطاعم كثيرة، ولم تتوقف عند محطة «سويتش» الذي أنشأته عام 2009، ويقدم أصنافا غير معهودة كان آخرها «برجر لحم الجمل»، بل تجاوزته لتؤسس أول مطعم متنقل في دبي، تحت اسم «سولت»، وهو عبارة عن شاحنة عتيقة خضعت للتجديد، وأسست مؤخرا مطعم «باركرز».
هذه المغامرات غير المألوفة في الاستثمار بقطاع المطاعم، خاضتها البسام بجراءة، وكانت محور حديثها خلال استضافتها مساء أول من أمس في مدينة الخبر، في لقاء أقامته غرفة الشرقية لتسليط الضوء على تجربتها، وشهد حضورا من رائدات الأعمال والمهتمات في قطاع الاستثمار في المطاعم.
وفاجأت البسام الحاضرات بقولها إن «20 في المائة فقط هي نسبة نجاح المطاعم حول العالم، بينما 80 في المائة منها عرضة للفشل»، وتابعت: «كنت متخوفة كثيرا لكون هذا القطاع ذا مخاطر عالية، لكني اليوم أقف على خطى ثابتة، وأدير 400 موظف، ومطعمي يزوره نحو 600 فرد يوميا». أما في البحرين، فأول ما يتبادر إلى الأذهان عند رصد المطاعم الشهيرة هناك، هو مطعم «فيلا ماماز» الذي يعد أول مطعم عائلي خليجي يقدم خدمات متكاملة، فمن موقعه المتمثل بمنزل قديم بمدينة المنامة، إلى تصميمه الريفي المعجون بالألوان، كل هذا يعكس شغف صاحبته الشيف البحرينية رؤيا صالح، التي تحدثت أيضا عن تجربتها في اللقاء. رؤيا التي جاءت بدايتها من مطبخ منزلها، كانت تبتكر وتخلط النكهات الشعبية التراثية بالطرق الغربية للطبخ، حتى خرجت بأصناف غريبة من المأكولات التي تعتز كثيرا بأنها من اخترعتها، ليصبح مطعمها اليوم مقصدا للزوار من مختلف الدول الخليجية. وقالت: «يستقبل فيلا ماماز نحو 500 ألف زائر في الشهر الواحد، وأطمح لافتتاح فروع له في دبي وإسطنبول ولندن ونيويورك، وأستعد حاليا لإطلاق كتابي الأول حول فنون الطبخ».
ورؤيا التي تقول إنها «تعمل 17 ساعة يوميا»، كانت تقضي كل وقتها مع والدتها وجدتها في تعلم كيفية إعداد الطعام، ولم يتوقف حلمها عند هذا الحد، بل كان لديها شغف بالزراعة، واتجهت لدعم المزارعين المحليين للحصول على أفضل المحاصيل. وتابعت: «هدفي تشجيع الجميع على شراء الخضراوات والفواكه المحلية ودعم المزارعين المحليين، لتسليط الضوء على المنتجات المتوفرة وكيفية استخدامها في الطبخ». يأتي ذلك في حين تشهد سوق المطاعم نموا لافتا في دول الخليج، مع تنافس شركات عالمية ومحلية في دخول عجلة الاستثمار بهذا القطاع، وبحسب أحدث الأرقام فهناك أكثر من 91 ألفا و500 مطعم، يشكلون حجم أعمال ما يزيد عن 44 مليار دولار في دول مجلس التعاون الخليجي، ومصر، وبلاد الشام (لبنان والأردن).
وفي منطقة الشرق الأوسط، تعتبر المطاعم المستقلة هي الفئة الأكبر في السوق، حيث استحوذت على 76 في المائة من حجم السوق، أما سلاسل حقوق الامتياز فهي الأسرع نموا في المنطقة بنسبة 7.5 في المائة، مقارنة بـ3.5 في المائة فقط للمطاعم المستقلة، بحسب ما تفصح أحدث أرقام «يورو مونيتور إنترناشونال». ويحقق قطاع المطاعم نموا عالميا، ومن المتوقع أن تصل قيمة القطاع إلى 3.5 تريليون دولار بنهاية عام 2016.
أما في السعودية وحدها، فتفصح دراسات عن أن السعوديين يتناولون أكثر من 8 مليون وجبة شهريا، مع انتشار أكثر من 5 آلاف مطعم في البلاد، ونحو 100 شركة تعمل في مجال تقديم المنتجات الغذائية، من خضار وحبوب ولحوم ودجاج وعصائر وغيرها. ويستفيد قطاع المطاعم في السعودية من نمو عدد السكان الذي وصل إلى 23 مليون نسمة، إضافة إلى الدخل العالي الذي لا يقل عن 2000 دولار للفرد، ما يساعد المطاعم والشركات على تحقيق إيرادات وأرباح بملايين الدولارات سنويا.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)