13 عامًا على الغزو الأميركي للعراق.. الفوضى تعم كل جوانب الحياة في بغداد

أستاذة في القانون الدولي لـ«الشرق الأوسط» : الأحزاب السياسية سرقت أحلامنا بالتغيير

فوضى المرور في شوارع بغداد («الشرق الأوسط»)
فوضى المرور في شوارع بغداد («الشرق الأوسط»)
TT

13 عامًا على الغزو الأميركي للعراق.. الفوضى تعم كل جوانب الحياة في بغداد

فوضى المرور في شوارع بغداد («الشرق الأوسط»)
فوضى المرور في شوارع بغداد («الشرق الأوسط»)

الفوضى التي سادت، قبل 13 عامًا عندما دخلت الدبابات الأميركية إلى بغداد وسحقت الأرصفة والحواجز وإشارات المرور وحتى السيارات براكبيها وخربت معالم العاصمة العراقية بروح همجية وكسرت أبواب المتحف العراقي وبوابات قصور صدام حسين، لتسمح للغوغاء باجتياح هذه القصور الرئاسية والمتاحف والمراكز الفنية وتستبيح سرقتها من قبل مجموعة من السراق أطلقوا عليهم تسمية (الحواسم)، هذه الفوضى لا تزال بقاياها وقوانينها وأساليبها هي التي تسود المزاج العام في شوارع بغداد وبقية مدن العراق، باستثناء مدن إقليم كردستان العراق.
فوضى احتلال القوات الأميركية للعراق استهلت بتحطيم تماثيل صدام حسين. ففي بغداد لف جندي أميركي الحبل حول رقبة التمثال (صدام حسين)، الذي أطلق عليه اسم الصنم في ساحة الفردوس (الجندي المجهول سابقًا) للإطاحة به، وكانت هذه الحادثة استقراء لما حدث لاحقًا وشنق الرئيس السابق.
الدبابات الأميركية كانت تتحرك ببغداد والعراقيون في حيرة من أمرهم، بل عاشوا أيامًا من حالة الذهول بينما كانت دعوات من سياسيين مثل أحمد الجلبي، زعيم المؤتمر الوطني الراحل، والمفكر كنعان مكية، بأن يخرج الشعب العراقي ويستقبل القوات الأميركية بالورود، باعتبارهم محررين للعراق من نظام صدام حسين. وكان مكية في حوار سابق لـ«الشرق الأوسط» قد أبدى ندمه على هذه الدعوة لما آل إليه العراق من أوضاع سيئة بسبب نتائج الاحتلال الأميركي.
يقول المحامي عامر الكرخي لـ«الشرق الأوسط»: «كنت في بناية تطل على شارع (أبو نؤاس) وجسر الجمهورية وأنا أراقب اجتياح الدبابات الأميركية لشوارع مدينتي التي ولدت وعشت فيها، كانت دموعي تنزل رغمًا عني بينما أسمع دعوات بعض السياسيين الذين كانوا في المعارضة العراقية المقيمة في الخارج بأن نستقبل المحتلين بالورود وعرفت بأن العراق صار في مهب ريح الاحتلال البغيض»، مشيرًا إلى أن «الفوضى عمت عندما حل بول بريمر، الحاكم المدني الأميركي للعراق إبان الاحتلال، الدولة ومؤسساتها والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وهذا يعني قانونيًا أنه المسؤول الأول والأخير عما حصل من فوضى وقتل واستباحة وسرقة أموال الدولة».
ويضيف الكرخي قائلاً: «عندما تعم الفوضى القوانين والقضاء، فهذا يعني ضياع البلد بشكل تام، ونحن نعاني اليوم من هذه الفوضى في القضاء العراقي بعد أن تم تسييسه وبعد أن تم تكليف مدحت المحمود رئيسًا لمجلس القضاء الأعلى، وصار يصدر القرارات وفق متطلبات الكتل السياسية المتنفذة، وفي غياب القضاء النزيه يكون البلد بالتأكيد في حالة عارمة من الفوضى، فالرشى اليوم هي التي تتحكم في براءة أي متهم أو عدم براءته، وهناك أشخاص يعدمون بدلاً عن آخرين، والمعتقلات العراقية تزدحم بالناس الذين لا نعرف تهمهم». وقال: «هل يعقل أن كل هذا يحصل في بلد شرعت على أرضه أول القوانين في مسلة حمورابي قبل أكثر من ستة آلاف عام، وأن الحكومات التي تعاقبت على قيادة دفة العراق لم تستطع وخلال 13 عامًا من تغيير النظام من إصلاح النظام القضائي وإنقاذه من الفساد»؟
وعندما يقارن العراقيون اليوم بين سنوات حكم النظام السابق والنظام الحالي، وهذا يحصل في الشوارع والمقاهي، عندما يتحدثون عن الإنجازات المعمارية وأوضاع التعليم والصحة والخدمات والفساد والعلاقات الخارجية، فإن هذا يعني أن هناك خللاً كبيرًا في العملية السياسية. وتقول الدكتورة في القانون الدولي ندى العاني لـ«الشرق الأوسط» إن «ما حدث منذ الاحتلال وحتى اليوم هو مصادرة لأحلامنا التي كنا نعيشها خلال حكم النظام السابق».
تصمت قليلاً وكأنها تسترجع الأحداث في ذاكرتها الحية وتقول: «لقد سرقوا أحلامنا، الاحتلال والأحزاب التي حكمت العراق منذ تغيير نظام صدام حسين، وخصوصًا الأحزاب الدينية الشيعية والسنية، سرقوا أحلامنا بأن نعيش بعد التغيير حياة ديمقراطية وفي ظل نظام علماني لا يتدخل فيه رجال الدين، وأن ننعم بانتخابات نزيهة، هذه الأحلام التي كنا نناقشها مع المقربين منا أو بين أنفسنا ونتطلع لتحقيقها بعد رحيل نظام متسلط قتل واعتقل الآلاف وزج البلد في حروب عبثية، وإذ بنا اليوم نجد أن مسلسل الخراب وغياب القوانين وسيادة الفوضى تجسدت وتم حرماننا من الحياة الكريمة التي كنا نتطلع إليها».
وتضيف ندى العاني: «لقد صبرنا طويلاً، وعلى المستوى الشخصي أنا لم أفكر في ترك العراق يومًا، بل ذهبت إلى لندن وواشنطن ونيويورك وباريس وفيينا وروما والقاهرة وعمان لحضور مؤتمرات دولية أو لتمثيل العراق رسميًا في محافل تخص القوانين الدولية أو حقوق الإنسان، وكنت دائمًا أعود إلى بغداد مثل طائر يعود إلى عشه، لكنني قررت أخيرًا الهجرة إلى أوروبا وبشكل مشروع وليس عن طريق التهريب»، مستطردة: «أنا حاليًا في بداية الخمسينات من عمري ولي خبرات متراكمة، وأعد نفسي كفاءة وطنية، وأحب بلدي، لكن ما حدث وما يحدث وما سيحدث باعتقادي من ممارسات سياسية واقتصادية وأمنية لم يترك لي المجال للبقاء في بلد يطرد أبناءه وكفاءاته ليبقي على نظام المحاصصات الطائفية وتعيين الأقارب والمحسوبيات ويتغاضى عن سارقي المال العام من قبل المسؤولين».
الفوضى تتجسد في شوارع بغداد في طرق قيادة السيارات حيث لا التزام بتاتًا بقوانين وتعاليم المرور، على الرغم من وجود شرطة مرور في الشارع. ويوضح ضابط المرور (ح.مجيد) لـ«الشرق الأوسط»: «كيف نستطيع أن نضبط المرور وهناك تجاوزات كبيرة من قبل المسؤولين في الحكومة ومن قبل أعضاء البرلمان على قوانين المرور وعلى شرطة المرور؟ الجميع عرف كيف أن حماية وزير عراقي قامت بالاعتداء على زميل لنا عندما لم يوقف السير ليسمح لموكب الوزير بالمرور في شارع مزدحم جدًا، أو عندما يأتي موكب برلماني بالاتجاه المعاكس من سير الشارع العام، وعندما نحاول محاسبة هذا السائق أو ذاك من المخالفين يبرز لنا هويته ليثبت أنه يعمل مع هذا الوزير أو ذاك البرلماني أو مع قيادي في حزب متنفذ»، مشيرًا إلى أن «غياب الأنظمة والقوانين المرورية يعني غياب القانون والدولة في الشارع، وهذا يعني أن البلد بالفعل يعيش حالة من الانفلات والفوضى».



تحذيرات من استمرار تأثير الفيضانات على الوضع الإنساني في اليمن

مستويات عالية من الأمطار يشهدها اليمن سنوياً (أ.ف.ب)
مستويات عالية من الأمطار يشهدها اليمن سنوياً (أ.ف.ب)
TT

تحذيرات من استمرار تأثير الفيضانات على الوضع الإنساني في اليمن

مستويات عالية من الأمطار يشهدها اليمن سنوياً (أ.ف.ب)
مستويات عالية من الأمطار يشهدها اليمن سنوياً (أ.ف.ب)

على الرغم من اقتراب موسم الأمطار في اليمن من نهايته مع رحيل فصل الصيف، تواصلت التحذيرات من استمرار هطول الأمطار على مناطق عدة، مع تراجع حدتها وغزارتها، مع استمرار تأثير الفيضانات التي حدثت خلال الأشهر الماضية، وتسببت بخسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات والبنية التحتية.

ويتوقع خبراء ومراكز أرصاد استمرار هطول الأمطار على مناطق متفرقة مختلفة الطبيعة الجغرافية خلال الأيام المقبلة، وتشمل تلك المناطق محافظة المهرة أقصى شرقي اليمن، والمرتفعات الغربية في محافظات تعز، وإب، ولحج، وريمة، وذمار، وصنعاء، والمحويت، وعمران، وحجة وصعدة، بالإضافة إلى الساحل الغربي في محافظات حجة، والحديدة وتعز، والمناطق السهلية في محافظات أبين، وشبوة وحضرموت.

آثار عميقة تسببت بها الفيضانات في اليمن وأدت إلى تفاقم الظروف الإنسانية المتردية (أ.ف.ب)

وحذّر الخبراء الذين نشروا توقعاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي من تشكل سحب عملاقة تنذر بأمطار غزيرة وسيول وعواصف وبروق شديدة، واحتمال هبوب رياح عنيفة، مع أجواء غائمة أغلب الوقت، داعين السكان إلى اتخاذ الاحتياطات اللازمة.

وشهد اليمن منذ مطلع الشهر الحالب تراجعاً في هطول الأمطار في مختلف أنحاء البلاد، بعد شهرين من الأمطار التي تسببت بفيضانات مدمرة في عدد من المحافظات، وتركزت الآثار العميقة لهذه الفيضانات في محافظتي الحديدة والمحويت غرباً.

وحذَّرت لجنة الإنقاذ الدولية من تفاقم الكارثة الإنسانية في اليمن مع استمرار الفيضانات، التي بدأت في مارس (آذار) واشتدت في يوليو (تموز) وأغسطس (آب)، وأدت إلى نزوح عشرات الآلاف من الأسر، وتدمير البنية التحتية الحيوية، وتأجيج الانتشار السريع للكوليرا، وتضرر أكثر من 268 ألف شخص في اليمن، في ظل موجة ماطرة شهدتها البلاد.

ونبهت اللجنة في بيان لها إلى أن استمرار احتمالية وجود خطر فيضانات مفاجئة إضافية بسبب تشبع الأرض بفعل الأمطار الغزيرة وأنظمة الصرف السيئة، رغم توقف هطول الأمطار خلال الشهر الحالب، ووصفت هذا الخطر بالمرتفع.

استمرار الكارثة

قالت اللجنة إن الفيضانات أثرت بشدة على محافظات الحديدة، وحجة، ومأرب، وصعدة وتعز، حيث تأثر ما يقرب من 268 ألف فرد في 38285 عائلة حتى الشهر الماضي، وفقاً لتقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وتسببت الأمطار الغزيرة، التي من المتوقع استمرارها هذا الشهر، في تدمير واسع النطاق للمنازل والأراضي الزراعية والبنية التحتية.

وقيَّدت الأمطار والفيضانات - وفق بيان اللجنة - من إمكانية الوصول إلى الغذاء، وهي قضية يعاني منها بالفعل أكثر من 17 مليون يمني بسبب الصراع والتدهور الاقتصادي وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وكلها تفاقمت بسبب أزمة المناخ.

توقعات باستمرار الأمطار الغزيرة في اليمن رغم انتهاء موسمها برحيل فصل الصيف (رويترز)

وبينت المنظمة أن محافظة تعز (جنوب غرب) شهدت وحدها تدمير ما يقدّر بنحو 70 إلى 100 في المائة من الأراضي الزراعية جراء الأمطار.

ودعت المجتمع الدولي والجهات المانحة إلى تقديم المزيد من الدعم للحد من تفاقم الكارثة الإنسانية في اليمن جراء الفيضانات المدمرة الأخيرة التي ضربت البلاد، والتفشي المتسارع لوباء الكوليرا، مشددة على زيادة الدعم المالي واللوجيستي لتلبية الاحتياجات الفورية والطويلة الأجل للمتضررين من تفاقم الكارثة الإنسانية في اليمن.

ونوهت اللجنة إلى أن الكارثة الإنسانية في اليمن تتضاعف «مدفوعة بالتأثيرات المدمرة للفيضانات الأخيرة والتفشي المتسارع لوباء الكوليرا في معظم أنحاء البلاد»، مرجحة أنه، و«من دون اتخاذ إجراءات في الوقت المناسب، سيستمر الوضع في التدهور؛ مما يعرض المزيد من الأرواح للخطر».

انتشار سريع للكوليرا

قال إيزايا أوجولا، القائم بأعمال مدير لجنة الإنقاذ الدولية في اليمن، إن البلاد «تواجه أزمة على جبهات متعددة» بدءاً من الصراع المستمر إلى الفيضانات الشديدة، والآن «تفشي وباء الكوليرا الذي انتشر بسرعة في الكثير من المحافظات».

وأضاف: «إن حياة الناس معرّضة للخطر بشكل مباشر، ومن المرجح أن يؤدي تدمير مرافق المياه والصرف الصحي إلى تفاقم انتشار المرض»، في حين أطلقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عمليات طوارئ في المناطق الأكثر تضرراً في حجة، والحديدة، والمحويت وتعز، حيث قدمت مساعدات نقدية لنحو 2000 عائلة متضررة.

دمار هائل في البنية التحتية تسببت به الفيضانات الأخيرة في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وأشار إلى أن المرحلة الأولية ركزت على تلبية الاحتياجات الفورية، مع التخطيط لمزيد من التقييمات لتوجيه التدخلات المحتملة في مجال المياه والصرف الصحي، مثل إنشاء نقاط المياه والمراحيض الطارئة.

وبيَّن أوجولا أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر وشركاءها أجروا تقييمات في المناطق المتضررة، وكشفوا عن نزوح ما يقرب من 9600 شخص بسبب الفيضانات في تعز، وحجة والحديدة، حيث تعرَّضت البنية الأساسية للمياه والصرف الصحي والصحة لأضرار كبيرة؛ مما زاد من خطر تفشي الكوليرا في هذه المناطق.

وكان مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية وزَّع مساعدات إيوائية طارئة على المتضررين من السيول والفيضانات في مديرية موزع التابعة لمحافظة تعز، الثلاثاء الماضي.

وتضمنت المساعدات الطارئة 100 خيمة و370 حقيبة إيواء استفاد منها 2220 فرداً من المتضررين من السيول في المديرية.

ويأتي هذا التدخل بالتنسيق مع كتلة الإيواء ومكاتب مركز الملك سلمان للإغاثة في اليمن، وبالتنسيق مع السلطة المحلية ووحدة النازحين.