انتقادات لترميم قلعة عمر بن حفصون

جمعيات تراثية: لا علاقة للمبنى بالمعلم الأصلي

قلعة عمر بن حفصون قبل الترميم وبعده  (نقلا عن صحيفة «لابانغوارديا»)
قلعة عمر بن حفصون قبل الترميم وبعده (نقلا عن صحيفة «لابانغوارديا»)
TT

انتقادات لترميم قلعة عمر بن حفصون

قلعة عمر بن حفصون قبل الترميم وبعده  (نقلا عن صحيفة «لابانغوارديا»)
قلعة عمر بن حفصون قبل الترميم وبعده (نقلا عن صحيفة «لابانغوارديا»)

تعرض ترميم «قلعة ببشتر» التي تعود إلى القرن الثالث الهجري (القرن التاسع الميلادي)، واتخذها عمر بن حفصون قاعدة له لمنازلة أمراء الأندلس، إلى انتقادات واسعة، وصلت إلى حد وصفه بأنه قد قضى على القلعة تمامًا.وتقع قلعة عمر بن حفصون هذه في بلدة بيجامارتين في محافظة قادس، جنوب إسبانيا، وهي مقامة على مرتفع عال لهذا يمكن مشاهدتها من مسافة بعيدة.
ونظرا لأهميتها التاريخية اعتبرتها الحكومة المحلية في إقليم الأندلس عام 1985، من الآثار الوطنية، ثم أخذت بلدية مدينة بيجامارتين تطالب بترميمها، حتى وافقت الحكومة المحلية عام 2007 في إدراج القلعة ضمن التراث التاريخي الأندلسي، وهو ما يحمل في طياته منع المساس بالقلعة وضرورة المحافظة عليها، ومن ثم لا بد من ترميمها. وقد وافقت الحكومة المحلية عام 2011 على ترميمها، وفي عام 2014 بدأت أعمال الترميم حتى هذا العام. وبعد إكمال العملية قامت إحدى الجمعيات بانتقاد أعمال الترميم، وقالت إنه قد قضى على الأهمية التاريخية للقلعة وحتى على منظرها، و«إن المبنى المرمم ليس له علاقة بالمبنى الأصلي»، ووصلت إلى حد وصف عملية الترميم بأنها «مدمرة».
وقالت انماكولادا نييتو، عن تجمع اليسار المتحد، بأنها ستعرض على البرلمان المحلي لإقليم الأندلس سؤالا حول هذا الترميم، قائلة: «نود أن نعرف رأي الحكومة المحلية فيما إذا كانت النتيجة النهائية هي التي كانت تترجاها أو أنها ليست كذلك».
يقول المهندس المسؤول عن ترميم القلعة، كارلوس كيبيدو، الحاصل على كثير من الجوائز في الهندسة المعمارية: «لقد فوجئت بما يقولون، فهذه ليست المرة الأولى في الترميم على هذه الطريقة، ولهذا لا أفهم هذه الضجة، لقد بدأ العمل على مرحلتين، ولا تزال هناك مرحلة ثالثة.. إن المبنى المرمم على الرغم من كونه يبدو بسيطا، لكنه في الحقيقة نتيجة جهود استغرقت وقتا طويلا من الدراسة والتحليل والبحث والعمل»، وعلق على الانتقادات بقوله: «أتفهم أن الانتقادات مفيدة وبناءة، ولا بد من احترام كل الآراء، ولكن لا بد للمنتقدين أن يفحصوا بدقة مخطط الترميم، فكل شيء قمنا به كان له سببه».
وقد دافعت الحكومة المحلية لإقليم الأندلس عن عملية الترميم بهذا الشكل، وقالت إن القلعة كانت مقبلة على الانهيار، وقد سقطت أجزاء من السور وأحد الأروقة، ولهذا «لم يكن في الإمكان إجراء عملية ترميم بإعادة حجر فوق حجر»، وأضافت الحكومة المحلية بأنه «لم نتسلم حتى الآن أي احتجاج رسمي».
ورد كارلوس مورينيس، نائب رئيس جمعية إسبانيا نوسترا: «لقد أخبرنا أحد أبناء بلدة بيجامارتين، من المقيمين في العاصمة مدريد، بهذا الترميم، ونحن قمنا بدورنا بملاحظته، في رأينا إنه من أسوأ الترميمات الموجودة في العالم».
يشار إلى أن قلعة ببشتر تعتبر من القلاع التاريخية المهمة، وقد سقطت بيد الإسبان في القرن الثالث عشر الميلادي، ثم عاد المسلمون واستولوا عليها، ثم عادت مرة أخرى إلى الإسبان، تحت قيادة ألفونسو الحادي عشر، عام 1341، وتعرضت للحصار من قبل المسلمين، لكنها لم تسقط بيدهم.
وعمر بن حفصون هو ثائر من أصل قوطي، استطاع التحصن في جبل بُبشتر، وانضمت إليه كثير من المناطق المجاورة، واستطاع الصمود أمام هجمات الدولة الأموية، في عهد الأمير محمد بن عبد الرحمن، ثم الأمير المنذر بن محمد، ومن بعده الأمير عبد الله بن محمد، وأخيرًا عقد الصلح مع عبد الرحمن الناصر، وبعد وفاته عام 306هـ/ 918م، تقاسم أولاده الأربعة مناطق مملكته، فسهل على الدولة الأموية إسقاطهم الواحد تلو الآخر، وسقطت قلعة ببشتر عام 316هـ/ 928م، ثم أمر عبد الرحمن الناصر بنبش قبر عمر بن حفصون وحمل جثمانه إلى قرطبة، وهناك صلبه هو وأبناءه أمام جامع قرطبة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».