«المهرجون».. مسرحية ألمانية للجمهور التونسي المولع بالفن الرابع

افتتحت أسبوع اليوم العالمي للمسرح في تونس

«المهرجون».. مسرحية ألمانية للجمهور التونسي المولع بالفن الرابع
TT

«المهرجون».. مسرحية ألمانية للجمهور التونسي المولع بالفن الرابع

«المهرجون».. مسرحية ألمانية للجمهور التونسي المولع بالفن الرابع

كان الإقبال كبيرا على المسرحية الألمانية «كلاوس 1/22» أو المهرجون لـ«روبارتو تشولي» و«ماتيز فلاك»، فالمولعون بالفن الرابع الذين تعودوا على مسرحيات عربية أو فرنسية، حملهم الفضول هذه المرة للاطلاع على تجربة ألمانية مختلفة عما تعودوا عليه من أعمال فنية.
مسرحية «المهرجون» افتتحت أسبوع اليوم العالمي للمسرح في تونس الذي تراوح بين 27 مارس (آذار) والأول من أبريل (نيسان)، وعرضت بقاعة الفن الرابع وسط العاصمة التونسية.
ولكي يستأنس بالجمهور التونسي الذي قد يكون اكتشف المسرح الألماني للمرة الأولى، قدم روبارتو تشولي المناخ العام الذي تدور في كنفه المسرحية، وتحدث عن ضرورة الاحتفاء بفن المهرج، إذ خصص «مسرح آندر روهر» الذي يديره في ألمانيا سلسلة أولى من العروض ثم قرر إنجاز سلسلة ثانية لفن المهرج وإضافة «2/1» إلى العنوان وهو تكريم واحتفاء بالمخرج الإيطالي فدريكو فيليني الذي احتفى بهذا الفن العظيم في شريطه «1/28» كما احتفى بهذا الفن شارلي شابلن على حد قوله.
وعن فن المهرج قال المخرج الألماني: هناك مهرج برداء أبيض وهو يرمز إلى العقل، وهناك مهرج برداء أحمر وهو يرمز إلى القوة وإلى العاطفة، وبمقدور المهرج أن يوثر على الجمهور فيبكي ويضحك في الآن نفسه، وهو يحمل في جعبته الكثير، ثم انطفأ الضوء ليبدأ عرض «المهرجون».
المسرح فارغ ولا يوجد عليه إلا آلة بيانو محشورة في زاوية معتمة. يدخل «المهرجون» وعددهم تسعة تباعا إلى الخشبة وهم يحملون كراسي قريبة من الأرض. ويجلس كل واحد منهم على كرسي بطريقة تشي بشخصيته وعالمه الداخلي، هناك المهرج الهادئ المطمئن الخنوع الذي يلاعب حيوانه الأليف، وثمّة الصاخب المرتبك، وهناك أيضا المهرج الذي يضع قميصا نسائيا تحت البدلة التي يرتديها، وهناك أيضا امرأتان من بين سكان دار العجز التي لا تختلف كثيرا عن السجن.
ينهمك المهرجون في قراءة الصحف على وقع موسيقى البيانو، وفي حركات تنم عن الغضب من الرتابة والسأم، يشرع الجميع في تمزيق الصحف.
وعن هذه الحركة، يقول الناقد المسرحي التونسي كمال الهلالي: «ربما لأن العالم لم يتغير في الخارج وربما لأن العالم لا يحتاجهم أو لعلهم قد أصبحوا هم أنفسهم في غنى عنه، وهم يشكلون أيضا عالما على حدة». ويضيف: «من الامتثال لنظام المكان إلى الفوضى إلى الحرية، يكتشف المهرجون ونكتشف معهم أن الحياة لا تحتمل الحبس والعزلة. وتحمل المسرحية في داخلها رسوما تقود إلى الثورة على الخنوع، بأدوات بسيطة».
وبعد الثورة الداخلية الغامضة، يدخل حارس يحمل مكنسة كهربائية ويكنس الفوضى التي تركها المهرجون، البعض منهم يعارض والبعض الآخر يحتجّ ولكنه ينتهي إلى الخضوع في النهاية. وفي نهاية المسرحية تتوقف موسيقى البيانو، بعد أن توقف العازف عن الحركة (أحدهم ربما غدر به) ليترك المجال لموسيقى الأجساد في فوضاها وفي توقها إلى الحرية وفي ثورتها على الخنوع.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».