يستعين عبد الرحمن عبد الرب محمد أحيانًا لدى إعداد طبقه المفضل من لحم البقر المجري ببهارات من موطنه الأصلي، اليمن، حيث نشأ وترعرع، قبل أن يقدمه لأبنائه الثلاثة.
عبد الرحمن عبد الرب محمد طبيب أطفال، عمره 45 عامًا، ويقيم ويعمل في بلدة جيولا القريبة من حدود المجر الشرقية مع رومانيا، منذ أكثر من 20 عامًا، ويقول إنه أصبح مجريًا قلبًا وقالبًا.
يعالج محمد مئات المواليد كل عام ومنهم كثيرون مبتسرون. ولإخلاصه الشديد في العمل انتخبه آباء الأطفال الذين عالجهم «طبيب العام» في استفتاء على الإنترنت. وفي الأسبوع الماضي تسلم جائزة «استيلاس» المرموقة في بودابست.
قال محمد لـ«رويترز» إن المجر احتضنته كوطن بديل، وإنه وجد نفسه طبيبًا في جيولا حيث يتقبله المجريون تقبلاً تامًا.
مشاعر المجريين إزاءه لم تتغير بعد أن تحولت المجر العام الماضي إلى طريق رئيسي يسلكه مئات الآلاف من المهاجرين الفارين من الحرب والفقر في الشرق الأوسط وأفريقيا.
ودفع ذلك التدفق الحكومة المجرية لإقامة سياج بطول الحدود مع صربيا وكرواتيا لمنع المهاجرين من العبور. وتظهر استطلاعات الرأي أن معظم المجريين أيدوا الفكرة.
يقول محمد الذي حصل على الجنسية المجرية في 2007: «ضربات قلبي تتسارع عندما يفوز مجري في رياضة ما وعندما أسمع النشيد الوطني المجري»، مضيفًا أنه لم يشعر قط بالغربة في جيولا. ويضيف: «لا أشعر بأني غريب هنا. يدخلوني بيوتهم ويستأمنوني على فلذات أكبادهم.. ويثقون فيّ ثقة بالغة».
تعد قصة محمد إحدى قصص نجاح تعايش الجنسيات المختلفة في المجر التي منحت العام الماضي 508 مهاجرين فقط حق اللجوء، أو نوعًا آخر من أنواع الحماية الدولية.
وفي غرفة الكشف يلهو الطبيب مع طفلة صغيرة تعاني مشكلة جلدية، مما يزيل سريعًا الرهبة عنها وأمها. أما الجدران فتزينت باللعب المجسمة وشخصيات أفلام الرسوم المتحركة.
قالت نورا كاندر بيريس والدة الطفلة: «لا نعتبر الدكتور أجنبيًا. تقبلناه.. فهو يعيش هنا منذ زمن ولا نراه يمنيًا بل هو مجري».
أتى محمد إلى المجر عام 1989، وهو العام الذي انهارت فيه الشيوعية، لدراسة الطب بمنحة من الدولة. كان قد نشأ في قرية بشمال اليمن وقرر أن يعمل بالطب بعد أن توفيت أخته الصغرى عندما بلعت عملة معدنية. لم يكن هناك بالمكان طبيب يمكنهم الاستعانة به.
قال: «حاولنا مساعدتها قدر إمكاننا لكنها للأسف.. توفيت أمام عيني».
تجاربه الأولى في المجر لم تكن كلها إيجابية بالضرورة. ذات مرة أحاط أفراد من حركة «ذوو الرؤوس الصلعاء» بالكلية التي كان يدرس بها مع طلاب أجانب آخرين عام 1989. كان أصحاب تلك الحركة معروفين بالعنف والعنصرية.
قال: «الليلة الأولى كانت مرعبة ونصحونا ألا نخرج من الكلية في الصباح لأن ذوي الرؤوس الصلعاء يطوقونها.. لم تكن لدي أي فكرة عن أصحاب الرؤوس الصلعاء هؤلاء».
تخرج محمد عام 1996 وبعد أن أمضى عامين في اليمن عاد إلى المجر. ومن حينها لم يواجه أي مواقف سلبية هناك. وحين سئل إن كان يعتبر نفسه يمنيًا أم مجريًا قال: «كأنك تسألين أي من أبنائك تحبين.. ليس لدي وطن أول أو وطن ثان. أعشق البلدين بالقدر ذاته».
عالج محمد عددًا من الأطفال المهاجرين من سوريا في مستشفى جيولا، السنة الماضية. وقال إنه على قناعة بأنه يتعين عدم إلقاء عبء حل أزمة اللاجئين على أوروبا وحدها.
وأضاف: «هذه مشكلة على العالم كله حلها وليس أوروبا وحدها»، وأضاف أنه يمكن أيضًا تفهم مخاوف المجريين من المهاجرين. قال: «عن نفسي لم أشعر باختلاف. وضع الناس من أمثالي هنا هو نفسه ما كان عليه قبل عام أو عامين».
طبيب أطفال يمني يكسب بإخلاصه قلوب المجريين
عبد الرحمن عبد الرب محمد يقول إنه يعشق البلدين بالقدر ذاته
طبيب أطفال يمني يكسب بإخلاصه قلوب المجريين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة