فيينا تستقبل فصل الربيع رغم استمرار الشتاء

بيض ملون وأوبرا احتفاءً بـ«الفصح» في النمسا

من احتفالات استقبال فصل الربيع في فينا
من احتفالات استقبال فصل الربيع في فينا
TT

فيينا تستقبل فصل الربيع رغم استمرار الشتاء

من احتفالات استقبال فصل الربيع في فينا
من احتفالات استقبال فصل الربيع في فينا

رغم أن خصائص فصل الشتاء لا تزال قابضة على زمام الأحوال الجوية بالنمسا، فإن التوقيت الرسمي يقول إن «فصل الربيع يبدأ 21 مارس»!.
وبما أن النمساويين شعب شغوف بالتخطيط، فقد اكتملت قبل فترة كافية كل الاستعدادات اللازمة لاستقبال فصل الربيع، وفي مقدمة ذلك تجهيزات الاحتفاء بعيد الفصح الذي يؤرخ له بأول يوم قمري للربيع، فيما تتمدد الاحتفالات وعمليات التسوق في معظم أواخر مارس (آذار) وحتى الأسبوع الأول من شهر أبريل (نيسان).
وفي هذا السياق، تنتشر في 20 من شهر مارس وحتى 6 أبريل أسواق تقليدية متخصصة توفر لوازم عيد الفصح، وتبيع منتجات محلية مميزة؛ أهمها البيض الملون والمزخرف، وأنواع من الخبز المحلى بالسكر، وأجبان، وعسل، وتحف من الزجاج والسيراميك المرسوم، وشموع معطرة، وزيوت وروائح وبخور وزهور وورود ونباتات.
يحتفل النمساويون، كمعظم المسيحيين الكاثوليك، بعيد الفصح الذي ينهي فترة صيام عند البعض 55 يوما وعند آخرين 40 يوما، لا يتناولون خلالها ما يشتهون وتتوق إليه النفس من أطعمة، وبالطبع وما إن تنتهي أيام الصوم حتى تتنوع الأطعمة والمشروبات والأطايب.
يسبق عيد الفصح، الذي يختلف توقيته بين المسيحيين الكاثوليك والمسيحيين الأرثوذكس وفقًا للتقويم المتبع؛ غربيًا كان أم شرقيًا، أسبوع يسمونه دينيا «الأسبوع المقدس»، ولكل يوم من أيامه اسم وشعائر ومقدسات.
يختتم هذا الأسبوع بيوم الأحد الذي يلي بدر الاعتدال الربيعي (الدور الشمسي والدور القمري) ويعقبه اثنين يكون يوم عطلة، ولارتباط توقيت العيد بالقمر، تعتمد الغالبية على الإعلان الرسمي من قبل الدولة.
استخدام البيض تقليد قديم يرتبط بالخصوبة وتجدد الحياة رمزًا للاستمرارية والرخاء وكثرة المواليد، ولهذا تحكي أُسُرٌ لأطفالها أن البيض تجلبه لهم الأرانب، وذلك لما يعرف عن الأرانب من كثرة التزواج والخصوبة.
بجانب البيض الذي يسلق جيدا ثم يزين ويؤكل، هناك نوع يفرغ ويزين مجوفا ويستخدم زينة تجمل البيوت والمحال التجارية التي تنشط طيلة الموسم مفضلة اللون الأصفر الذي يرتبط تجاريا بعيد الفصح رمزًا للخصوبة.
ومع كثرة المنتجات التسويقية ولمزيد من الجذب وزيادة القوة الشرائية، أضحى البيض مصنوعا من الشوكولاته المغلفة بألوان زاهية ورسومات لافتة، كما هناك مجسمات لخراف من المخبوزات والحلوى، فيما تستطيب كثير من الأسر النمساوية المتدينة تناول لحم الضان أيام عيد الفصح لارتباطه عند بعضهم بمعتقد ديني، فيما استغلت المحال التجارية ذلك المعتقد لتقديم مزيد من المبيعات وجني مزيد من الأرباح.
بدورها، تتنوع المبيعات بالنمسا من سوق لآخر ومن مدينة لأخرى، وإن أجمعوا على أهمية «البيض الملون» الذي تحرص أسر على أن يكون تلوينه مناسبة يجتمعون لأجلها ويتشاركونها، ورغم استخدام ألوان صناعية في تلوين البيض، فإن كثيرا من الجدات يفضلن التلوين بسلق البيض مع نباتات طبيعية وخضراوات يكتسب لونها. وتواجه هذه المصانع ورغم رخص منتجاتها منافسة حادة من بعض دول الجوار النمساوي، خصوصًا دولتي كرواتيا وسلوفاكيا، وكلتيهما تشتهر عالميا بزخرفة البيض لدرجة النقش الناعم باستخدام أنواع دقيقة من الإبر.
وضمن تنوع واختلاف طرق الاحتفال ثقافيا وفنيا، تحتفل مدينة سالزبورغ، على سبيل المثال، بإبداعاتها من الموسيقى الكلاسيكية، حيث تقدم طيلة الفترة من 26 مارس وحتى 6 أبريل عروض أوبرالية للأطفال، وعروض موسيقية في حرص بالغ على مختارات لمؤلفين عرفوا بالتدين مثل الألماني الشهير يوهان سبستيان باخ (1840 – 1893) الذي عمل عازف أورغن في كثير من الكنائس، وله تراتيل ومعزوفات من تلك الموصوفة بـ«الموسيقى المقدسة».
وجرت العادة أن تبدأ العروض بسالزبورغ يوم الأحد الذي يسمونه «أحد النخيل» بأوبرا، وتختتم بالأوبرا ذاتها يوم الاثنين الذي يسمونه «اثنين الفصح».
أما فيينا، فأكثر ما تشتهر به عروض مسرحية متنوعة، كما تشتهر بكثرة أسواق الفصح المقامة في الهواء الطلق، ولكل تاجر كوخ خشبي صغير كالذي يظهر إبان أسواق عيد الميلاد.
أكبر هذه الأسواق بفيينا سوق تاريخية ضخمة تقام في الساحة الأمامية لقصر الشونبرون، تفسح المجال لتجار من معظم الأقاليم، ولا تقتصر معروضاتها على البيض الطبيعي؛ بل هناك بيض وأرانب من الخشب والقش والبلاستيك والشوكولاته، كما أن هناك معروضات لحرفيين، ورسمًا على الزجاج، ومشغولات يدوية، وشموعًا، وكثيرًا من المأكولات والحلويات، يفتتح هذا السوق يوم 21 مارس ويمتد حتى 6 أبريل،، وينظم ورشات تفسح للصغار فرص التلوين. من جانبه، يمتاز سوق «إم هوف»، أقدم جادات المدينة، بالمنقوشات التقليدية والمصوغات وقطع الإكسسوار التي تباع جنبا إلى جنب مخبوزات منزلية وبيض ملون بالطبع.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».