كيف نفذ المهاجمون اعتداءات باريس؟

مسؤول فرنسي: الإرهابيون يحاولون ويفشلون ثم يتعلمون ليحاولوا مجددًا ولديهم صبر.. وجيش من الانتحاريين

رواد مسرح باتاكلان يهربون من موقع تفجيرات نوفمبر الماضي (نيويورك تايمز)
رواد مسرح باتاكلان يهربون من موقع تفجيرات نوفمبر الماضي (نيويورك تايمز)
TT

كيف نفذ المهاجمون اعتداءات باريس؟

رواد مسرح باتاكلان يهربون من موقع تفجيرات نوفمبر الماضي (نيويورك تايمز)
رواد مسرح باتاكلان يهربون من موقع تفجيرات نوفمبر الماضي (نيويورك تايمز)

لم يتوقف إطلاق النار، وكل من استطاع الفرار أطلق ساقيه للريح لينجو بنفسه. وسط كل هذا الضجيج دخل شخص باريس ليكون قريبا من مشاهد الموت.
ففي 13 نوفمبر (تشرين الثاني) وبعد العاشرة مساء بقليل، أوقف عبد الحميد أباعود سيارته المؤجرة، التي استخدمها في الهروب، في ضاحية مونتريل شرق العاصمة وترك خلفه بندقيته الآلية «كلاشنيكوف» التي يعتقد أنه استخدمها في إطلاق النار على رواد المطعم بوسط باريس قبل ذلك بنصف ساعة. غير مبال بكاميرات المراقبة التي سجلت تحركاته، استقل عبود مترو الأنفاق، الخط رقم 9، ليعود للجانب المحاصر من العاصمة. وقبل انقشاع ظلمة الليل، أفاد المحققون أنه مر على المقاهي المحطمة وقاعة الحفلات التي كانت من بين أهدافه.
بعد عام من نشر الرعب في أوروبا لم يشهد سوى أربع محاولات فاشلة، كان عبود على يقين من أن هذه المحاولة مختلفة عن سابقاتها. فقد وجد هذه المرة بنفسه في مسرح الأحداث ولم يكتف بالإدارة عن بعد، ففي هذه المرة كان يرصد فريقه من القتلة، الفريق الذي تألف من أصدقاء قدامى ومتعصبين جدد. أفاد المحققون أنه أعد لموجة ثانية من الاعتداءات بعد الأولي بأيام وأنه خطط للقيام بعملية انتحارية بتفجير نفسه في حي الأعمال بقلب العاصمة باريس.
تحول أباعود (28 عاما) بلجيكي الجنسية، من جندي مشاة إلى ملازم في جيش تنظيم داعش، وكان تحت ضغط متزايد لتنفيذ عمل كبير، بحسب مسؤولي استخبارات غربيين. قال لويس كابريولي، النائب السابق لرئيس وحدة مكافحة الإرهاب الفرنسية، إن «كل العمليات التي تمت في 2015 انتهت بفشل ذريع»، لكن هذه المرة «كان مصرا على التأكد من نجاح العملية».
وبعد مرور أسبوعين على الهجمات، وبعد ما دفنت فرنسا ضحاياها وأعدت قائمة مطولة بالمشتبهين من شركاء أباعود، ظهرت أدلة جديدة عن قيام مجموعة من تسعة مسلحين على الأقل مشتبهين في تنفيذ الاعتداءات، وأدلة عن وجود ثغرات أمنية واستخباراتية ساعدتهم على تنفيذ خطتهم.
كيف تسلل أباعود الذي خطط لهجمات الثالث عشر من نوفمبر بباريس من بين أيدي السلطات في أوروبا والشرق الأوسط رغم كونه مدرجا على قائمة المراقبة في بلجيكا.
كان هناك كثير من الدلائل عن نياتهم وعن جهودهم لتنمية مهاراتهم حسبما أظهرت كثير من المقابلات الشخصية، ووثائق المحاكم وما كشفت عنه الحكومات. وعلى الرغم من تزايد التحذيرات في دوائر مكافحة الإرهاب الفرنسية عن التهديد الذي يمثلونه، عجزت الأجهزة الأمنية المثقلة بالأعباء والتي تعاني من نقص الاستعداد عن مواجهة عدو متمرس على ما أطلق عليه المسؤولون «إرهاب النيشان»، أي تحديد أهداف مميتة متعددة ثم استهدافها عن بعد مرارا وتكرارا إلى أن يصاب الهدف.
في يناير (كانون الثاني) الماضي قامت الشرطة بالهجوم علي بيت بمدينة فرفيرز البلجيكية وأحبطت خطة تمهد لجرائم القتل التي حدثت في العاصمة الفرنسية بعد ذلك بعشرة شهور. كشف الهجوم عن ترسانة أسلحة تضمنت نفس الخامات المستخدمة في صناعة المتفجرات في هجمات باريس، حسب وثيقة استخباراتية أميركية.
قال مسؤول استخباراتي إن المسلحين أصبحوا «أكثر احترافية بعدما تعلموا من أخطائهم. ففي بداية العام الحالي خطط أباعود لشن هجوم على كنيسة فرنسية وقتل أعداد كبيرة من المصليين بداخلها، لكن العملية فشلت بعد أن أطلق النار على ساقه بالخطأ. لكن في عملية باريس الأخيرة خاض غالبية المسلحين تجربة الحرب في سوريا وأصبحوا أكثر تمرسا. وبعدما كشفت المكالمات الهاتفية عن خطة فيرفيرز، شرع عبود في استخدام تكنولوجيا التشفير، وربما أخفى اتصالاته مع فريق عمله بباريس، وفق مسؤولي الاستخبارات.
استغل أباعود المناطق التي لا تستخدم جوازات السفر فيها في أوروبا والنقص في تبادل المعلومات بين بعض الدول وأخذ في التنقل مع فريقه، ليس فقط داخل القارة الأوروبية لكن توجهوا إلى سوريا ذهابا وإيابا. فعلوا كل ذلك على الرغم من الاستجوابات في المطارات ورغم العلامات التي وضعتها الجهات الأمنية إلى جوار أسمائهم ورغم توقيفهم في النقاط المرورية المعتادة. ورغم إدراج اسم أباعود في قاعدة البيانات بجميع الدول الأوروبية، فإنه عاد إلى أوروبا وكأنه يرتاد ناديه المعتاد»، بحسب أم متطرف بلجيكي قتل في سن الثامنة عشرة بداية العام الحالي بعد انضمامه لنفس كتيبة «داعش» التي ينتمي إليها كثير من منفذي تفجيرات باريس.
تعتبر هجمات باريس الأكثر دموية في أوروبا كلها خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث قتل فيها 130 شخصًا لتهز أرجاء المنطقة، وأجبرت الهجمات بروكسل إغلاق مطاراتها لأربعة أيام متواصلة، واضطرت ألمانيا لأن تؤجل مباراة في كرة القدم، وبريطانيا لأن ترفع ميزانيتها العسكرية بعد سنوات من الترشيد في النفقات العسكرية.
وفى محاولة لطمأنة الناس تعهد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بإلحاق الهزيمة بجماعة الموت، في إشارة إلى تنظيم داعش، بيد أن مسؤولي الاستخبارات حذروا من سهولة اختراق أوروبا، ويُخشى أن تكون تلك العمليات نذيرا بالمزيد من الهجمات الإرهابية في شوارع العواصم الأوروبية في السنوات المقبلة.
أفاد مسؤول فرنسي طلب عدم ذكر اسمه بأن هؤلاء الإرهابيون «يحاولون، ويفشلون، ثم يتعلمون ليحاولوا مجددا»، مضيفًا أن «لديهم صبر ولديهم جيش من التواقين للشهادة، جيش يتغذى على آيديولوجية محصنة من الرصاص».
وكشفت تقارير صحافيه أن مسؤولا بالبوليس الأوروبي «يوروبول» قام بزيارة عاجلة إلى اليونان للمطالبة بالمساعدة في تعقب البلجيكي عبد الحميد أباعود. وعلى مدى شهور، استمر المحققون في تعقب مكالمات هاتفية مريبة صادرة من مدينة بنغراتي القريبة من أثينا، وفق مسسؤول أوروبي متقاعد سرد التفاصيل.
اتضح أن أباعود، 27 عاما حينها، كان يخطط لشن هجوم على بلده الأم، وهي الاحتمالية التي لم تكن واردة الحدوث في البداية. كان عبود يبدو كغيره من الشباب الأوروبيين ممن انضموا لـ«داعش»؛ شاب متعصب أطلق تهديدات دموية عبر الإنترنت، لكنه لم يكن يمتلك خبرة التنفيذ أو الشبكة التي تساعده في تنفيذ مجزرة في الأراضي الأوروبية.
كشفت وثيقة صادرة عن وحدة الاستخبارات الأمنية بوزارة الأمن الداخلي للولايات المتحدة أنه بعد رصد المكالمات الهاتفية الصادرة إلى مدينة فيرفيرز البلجيكية، نفذ فريق من القوات الخاصة «سوات» هجوما على منزل في 15 يناير (كانون الثاني) الماضي ليعثر على أدلة متقدمة، حيث عثرت الشرطة على بنادق آلية، ومبالغ كبيرة من المال، وكاميرا تثبت على الجسم، وكثير من الهواتف المحمولة، وأجهزة لاسلكي، وأوراق ثبوتية مزورة.
عثر الفريق كذلك على المواد الكيميائية الخام التي يصنع منها مواد الترارسيتون، والترايبكوكسيد، أو ما يسمى بالـ«تي إيه تي بي»، وفق الوثيقة، وهى نفس المواد التي استخدمت في صنع الأحزمة الناسفة في تفجيرات باريس. أكد كلود مونكيت، الذي عمل بوحدة مكافحة التجسس الفرنسية لعقدين كاملين، أن تلك المواد شديدة الانفجار وأنه لو أنك لم تتعامل معها بشكل صحيح فقد تفقد يديك، أو لن يحدث الانفجار من الأساس، مضيفًا أن «هذا يعني وجود خبير في صناعة المتفجرات بالمكان».
كان الاكتشاف سببا لبدء مطاردة في اليونان لكن حدث أن توقفت شريحة الهاتف المحمول الخاص بعبود عن العمل بعد الهجوم مباشرة، وعثرت الشرطة على الحامض النووي «دي إن إيه» لعبود في شقة بالعاصمة أثينا، حسب تقارير إخبارية، لكن المحققين فقدوا أثره.
بعد ذلك بثلاثة أسابيع، ظهر عبود في مجلة «داعش» الإلكترونية يتفاخر بتخطيطه لعمليات إرهابية رغم أنف السلطات الأوروبية. «اسمي وصوري كانوا في كل نشرات الأخبار، ورغم ذلك استطعت البقاء على أراضيهم والتخطيط لعمليات ضدهم وغادرت في أمان»، وفق عبود.
حتى ذلك الحين، بحسب ديفيد طومسون مؤلف كتاب عن المتطرفين الفرنسيين، لم يكن هناك ما يميز أباعود داخل صفوف «داعش»، فقد «كانوا يتحدثون عنه كما يتحدثون عن غيره، وليس كشخص مهم».
لو أن هناك ما يميزه فهو مقاطع «داعش» المصورة المنفرة التي ظهر فيها يهتف ويضحك بينما يجر جثثًا خلف سيارة دفع رباعي يقودها.

* «نيويورك تايمز»



اقتحام برلمان إقليم أبخازيا المنشق عن جورجيا بسبب اتفاق استثمار مع روسيا

متظاهرون يتجمعون خارج مبنى البرلمان في منطقة أبخازيا الانفصالية الجورجية (أ.ب)
متظاهرون يتجمعون خارج مبنى البرلمان في منطقة أبخازيا الانفصالية الجورجية (أ.ب)
TT

اقتحام برلمان إقليم أبخازيا المنشق عن جورجيا بسبب اتفاق استثمار مع روسيا

متظاهرون يتجمعون خارج مبنى البرلمان في منطقة أبخازيا الانفصالية الجورجية (أ.ب)
متظاهرون يتجمعون خارج مبنى البرلمان في منطقة أبخازيا الانفصالية الجورجية (أ.ب)

اقتحم محتجون برلمان إقليم أبخازيا، المنشق عن جورجيا والمدعوم من روسيا، اليوم (الجمعة)، وطالب سياسيون من المعارضة باستقالة رئيس الإقليم أصلان بجانيا بسبب اتفاق استثمار مع موسكو لا يحظى بالقبول الشعبي.

واستخدم المحتجون شاحنة لتحطيم البوابات المعدنية المحيطة بمقر البرلمان في سوخومي عاصمة الإقليم. وأظهر مقطع فيديو من الموقع أشخاصاً وهم يتسلقون النوافذ بعد نزع القضبان المعدنية ويهتفون في الممرات.

متظاهرون يتجمّعون ويحمل اثنان منهم علمي أبخازيا وروسيا خارج مبنى البرلمان في منطقة أبخازيا الانفصالية الجورجية (أ.ب)

وقال تيمور جوليا، أحد زعماء المعارضة، لوكالة «رويترز» للأنباء، إن مطلبهم الأولي كان إلغاء الاتفاق، لكن المحتجين يريدون مطالب أكثر في الوقت الحالي.

وأضاف جوليا: «يطالب الناس باستقالة أصلان بجانيا، ويعتزمون بشكل قاطع تحقيق ذلك».

وتابع: «نحن أنفسنا لسنا مستعدين لهذا التحول في الأحداث. كان مطلبنا الأولي هو الانسحاب من اتفاق الاستثمار».

واقتحم المحتجون أيضاً مكاتب الإدارة الرئاسية الواقعة في المبنى نفسه. وذكرت خدمات الطوارئ أن ما لا يقل عن 9 أشخاص تم نقلهم إلى المستشفيات.

تُظهر هذه الصورة المأخوذة من مقطع فيديو أصدره مركز المعلومات التابع لرئيس جمهورية أبخازيا الثلاثاء 12 نوفمبر 2024 الرئيس الأبخازي أصلان بجانيا يتحدث إلى الناس في سوخومي بجورجيا (أ.ب)

وأفادت وكالة «تاس» الروسية بأن بجانيا رئيس الإقليم لم يكن في المجمع. وأصبح بجانيا رئيساً للإقليم في عام 2020.

وقالت الإدارة الرئاسية، في بيان، إن السلطات تستعد للانسحاب من اتفاق الاستثمار مع روسيا الذي يخشى البعض في أبخازيا من أن يفقدهم القدرة على إجراء معاملات في سوق العقارات.

واعترفت روسيا بأبخازيا ومنطقة انفصالية أخرى هي أوسيتيا الجنوبية دولتين مستقلتين في عام 2008 بعد أن صدّت قوات روسية محاولة جورجية لاستعادة أوسيتيا الجنوبية في حرب استمرت 5 أيام.

ويعترف معظم العالم بإقليم أبخازيا جزءاً من جورجيا التي انفصل عنها الإقليم خلال حروب في التسعينات، لكن الأموال الروسية تتدفق إلى الإقليم الخصب شبه الاستوائي حيث ما زالت المنتجعات الترفيهية من الحقبة السوفياتية قائمة على ساحل البحر الأسود.