فلسطيني يسجل موقفًا فنيًا ضد دونالد ترامب

جرار أقام سلما حديديا أمام الجدار على الحدود الأميركية ـ المكسيكية للاعتراض على إقامة الحواجز بين الشعوب

الفنان خالد جرار يحاول النظر من خلال ثقب في السور الفاصل على الحدود الأميركية ــ المكسيكية و«سلم خالد» مصنوع من بقايا السور الفاصل على الحدود الأميركية ــ المكسيكية وأطفال مكسيكيون بجانب «سلم خالد» (تصوير: جون ميريلز)
الفنان خالد جرار يحاول النظر من خلال ثقب في السور الفاصل على الحدود الأميركية ــ المكسيكية و«سلم خالد» مصنوع من بقايا السور الفاصل على الحدود الأميركية ــ المكسيكية وأطفال مكسيكيون بجانب «سلم خالد» (تصوير: جون ميريلز)
TT

فلسطيني يسجل موقفًا فنيًا ضد دونالد ترامب

الفنان خالد جرار يحاول النظر من خلال ثقب في السور الفاصل على الحدود الأميركية ــ المكسيكية و«سلم خالد» مصنوع من بقايا السور الفاصل على الحدود الأميركية ــ المكسيكية وأطفال مكسيكيون بجانب «سلم خالد» (تصوير: جون ميريلز)
الفنان خالد جرار يحاول النظر من خلال ثقب في السور الفاصل على الحدود الأميركية ــ المكسيكية و«سلم خالد» مصنوع من بقايا السور الفاصل على الحدود الأميركية ــ المكسيكية وأطفال مكسيكيون بجانب «سلم خالد» (تصوير: جون ميريلز)

في زخم المعلومات والتكنولوجيا التي أزالت الحواجز بين الشعوب وجعلت من العالم قرية كبيرة، تعود الحواجز الفعلية لتطل برأسها، فإقامة الجدران الفاصلة كانت هي رد بعض دول أوروبا لمنع أفواج المهاجرين الهاربين من ويلات الحروب في الشرق الأوسط. وفي الولايات المتحدة نال الطامح للرئاسة الأميركية دونالد ترامب كثيرا من القبول لدى شرائح من الشعب الأميركي عندما قال بأنه سيبني جدارا فاصلا بين بلده وبين المكسيك لمنع راغبي الهجرة.
الفنان الفلسطيني خالد جرار الذي قام برحلة في الولايات المتحدة والمكسيك ضمن المبادرة الفنية «عداؤو الثقافة» وجد أثناء زيارته لمنطقة الحدود الأميركية - المكسيكية، نفسه أمام جدار عازل آخر يماثل الجدار الذي أقامته السلطات الإسرائيلية في فلسطين، وحاول أن يسجل موقفا فنيا ضده. الفنان الذي عبر عن مفاهيم العزل والهجرة والفصل بين الناس في عدد من أعماله السابقة، قام بتسلق جانب من الجدار الفاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك من الجانب المكسيكي، وقام بنزع قطعة ضخمة من حديد السور استخدمها ليبني سلما حديديا أقامه أمام الجدار في بلدة خواريز المكسيكية، أراد من خلاله أن يعبر عن حلم الانتقال من مكان لآخر، لرغبة المهاجرين من المكسيك في الوصول لحياة أفضل على الجانب الآخر.
تحدثت مع الفنان خالد جرار بعد عودته من رحلته الأميركية، وخلال اتصال هاتفي معه في منزله بمدينة رام الله تحدث حول مشروعه الذي أطلق عليه «المنطقة المحرمة» ويستكشف من خلاله سياسة التحكم في الحدود والحركة الإنسانية ما بين جنوب غربي الولايات المتحدة والمكسيك. يقول: «انضممت لفناني مبادرة (عداؤو الثقافة) في رحلة لأميركا الشمالية، أردت استكشاف موضوع الهجرة والجدران والفصل بين الناس، وكنت منذ البداية مهتما بكلام دونالد ترامب وتحريضه على الفصل بين الشعوب وتشجيع الكراهية والعداء للإثنيات». خلال وجوده بأميركا تعرف جرار على نماذج من الشعب الأميركي الذي يقول إنه شعب «طيب يحب الحياة والفنون»، ووصل إلى قناعة أن الخطاب السياسي هناك مدفوع بمناورات وسياسات اقتصادية.
لتنفيذ عمله الذي أطلق عليه أطفال المكسيك اسم «سلم خالد»، قام الفنان بتسلق جانب من الجدار الفاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك، من بلدة خواريز، ومن خلال الصور التي وثقت رحلته تتبدى لنا فكرة الفنان وهي فكرة بسيطة وعميقة جدا في آن الوقت، فها هو يتسلق جدارا أقيم ليفصل شعبين، هو جدار أقيم أمام أحلام وآمال الكثيرين، يشبه الجدار العازل في فلسطين. تسلق الجدار، هو رغبة من خالد في التحدي وإثبات أن الجدران لن توقف الأفكار أو المشاعر أو حتى الأحلام. نراه وهو يحاول نزع قطعة كبيرة من السور وينجح في ذلك، ليحملها مستعينا بأحد رفقائه. الخطوة التالية كانت تحويل تلك القطعة التي مثلت حتى الآن الحاجز المانع، إلى رمز للتطلع والحلم والمقدرة أيضا. يصنع جرار سلما حديديا يواجه السور، يقول إن السلم لقي تجاوبا وترحيبا من السكان والأطفال في البلدة وأن الأطفال عبروا عن ذلك بتزيين السلم بقطع من القماش الملون. يعلق خالد في بيان صحافي «أردت عبر هذه القطعة أن أربط بين المجتمعات وأن أتطرق لمقارنات بين هذا الجدار والجدار الذي أعيش معه كل يوم في مدينتي رام الله بفلسطين». يشير إلى أنه وصل إلى المكسيك قبل أيام من زيارة البابا فرانسيس، وأنه بنى السلم الحديدي ليكون «جسرا بين شعبين وتجاهلا لدونالد ترامب الذي لا يؤمن بالجسور وإنما يؤمن بالجدران فقط».
ستيفن ستابلتون المؤسس المشارك لمبادرة «عداؤو الثقافة» يعلق على «سلم خالد»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: العالم كله متجه نحو بناء مزيد من الجدران، ولكن لا أحد يستمع لمن يعيشون حول الجدار القائم بالفعل في فلسطين، لما يحدث هناك بسبب سياسة الفصل».
«هذا العمل وضعه خالد في أحد الأجزاء المنسية من مدينة فقيرة تعد واحدة من أكثر المدن عنفا في العالم، ولكن خالد بعمله التركيبي أراد أن يوجه رسالة للسكان بأنهم يستطيعون عبور المصاعب وأن ينشدوا حياة أفضل». يشير ستابلتون إلى ترحيب سكان المدينة بخالد بعد أن عرفوا أنه فلسطيني يعيش بجانب جدار مماثل لجدارهم، يفصل بين بلدته الفقيرة وبين الجزء المتقدم والثري على الجانب الآخر، وقد جاء إلى هنا ليظهر تضامنه مع الناس الذين يعيشون بجوار الجدار وقد حرموا من إمكانية البحث عن حياة أفضل.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».