من منصات العرض إلى المحلات.. مفهوم يقسم أوساط الموضة

الإيطاليون والفرنسيون يرفضون.. والبريطانيون والأميركيون يرحبون

من منصات العرض إلى المحلات.. مفهوم يقسم أوساط الموضة
TT

من منصات العرض إلى المحلات.. مفهوم يقسم أوساط الموضة

من منصات العرض إلى المحلات.. مفهوم يقسم أوساط الموضة

بقرارها توفير كل ما تعرضه على منصات عروض الأزياء في المحلات مباشرة ابتداء من شهر سبتمبر (أيلول) المقبل، قسمت «بيربري» عالم الموضة إلى قسمين؛ قسم رحّب بالفكرة وعانقها على أنه ستخفف من الضغط الذي تشهده ساحة الموضة أخيرًا بسبب كثرة العروض، وقسم معارض لا يرى أنه من السهل تطبيق الفكرة من دون إحداث فوضى وتشويش. أغلبية المصوتين، أو المرحبين بالفكرة هم من مصممي لندن ونيويورك، بينما شكل الباريسيون والإيطاليون الطرف الرافض. فرنسوا هنري بينو، صاحب مجموعة «كيرينغ» المالكة لبيوت أزياء مهمة مثل «ستيلا ماكارتني»، «ألكسندر ماكوين»، «بوتيغا فينيتا»، «غوتشي» وغيرها صرح بأنه لن يركب الموجة، وأنه سيبقى وفيًا للأسلوب المتبع لحد الآن، وهو توفير ما يتابعه الحضور على منصات العروض بعد ستة أشهر تقريبًا. تبريره أن أي طريقة أخرى ستلغي فكرة الحلم بالترف، التي تقوم عليها الموضة أولاً وأخيرًا، على أساس أن انتظار التشكيلة لبضعة أشهر يؤجج الرغبة والحلم أكثر.
رالف توليدانو رئيس غرفة الموضة الفرنسية، كانت له الفكرة نفسها ورفض المفهوم الجديد لعروض الأزياء التي ينادي بها مصممون مثل كريستوفر بايلي وتوم فورد وغيرهم، من منطلق أنه لا يمكن عرض تشكيلات كثيرة اليوم والتوقع من الزبائن الاختيار من بينها مباشرة من دون أن يمنحوا بعض الوقت للتفكير.
طبعًا لغة الرفض كانت أقوى في ميلانو في الأسبوع الماضي، وهو ما لم يكن مفاجئًا أو مستغربًا. فإيطاليا ترفض أي شيء سريع، بدليل أنها كانت البلد الذي رفض فكرة الوجبات السريعة رفضًا باتًا في الثمانينات، وعندما فتحت «ماكدونالد» أول محل لها في روما، قامت الدنيا ولم تقعد، لأنها اعتبرت الأمر عدم احترام لثقافتها. واللافت أن أغلبية الإيطاليين ما زالوا لحد الآن لا يستلذون أي قهوة إلا إذا كانت «إسبريسو» بصنع محلي. لهذا من البديهي أن ترفض مفهوم الموضة السريعة، بمعناها الجديد، أي أن تصل المنتجات إلى الزبون مباشرة بعد انتهار العرض. كارلو كاباسا، رئيس غرفة الموضة الإيطالية قال إن الموضة الإيطالية تدفعها «الرغبة في الابتكار» بينما «الموضة السريعة» تقوم على تلبية حاجة الزبائن. بالنسبة له والفئة الرافضة فإن الإبداع يتطلب وقتًا للبحث والتطوير، سواء تعلق الأمر بالتصميم أو بالتكنولوجيا، كما يتطلب من الزبائن وقتًا لفهم التصاميم المبتكرة واستيعابها، مما يجعل المدة التي يستغرقها وصول المنتج إلى الزبون، من الورق إلى التنفيذ، مهم. ماريو بوزيللي، الرئيس الفخري لغرفة الموضة الإيطالية، أيضًا أدلى بدلوه في الموضوع معلقًا بأن المسألة الآن بين مدرستين؛ الأولى تضم بريطانيا والولايات المتحدة، والثانية تضم إيطاليا وفرنسا. «نيويورك ترتبط وتهتم دائمًا بالتلميع والتسويق، بينما نحن والفرنسيين نهتم بالإبداع والحرفية أكثر». أما إذا كان المستهلك هو الذي يريد التغيير ولا يقوى على الانتظار، فإن السوق واسعة، ويمكنه أن يختار ما يريد، حسب بوزيللي. ويوافقه الرأي فرنسوا هنري بينو، قائلا إن عروض الأزياء بالنسبة لبيوت الأزياء هي وسيلة للتواصل والتفاعل مع الزبائن، مضيفًا «بيربري قررت ما يناسبها، ونحن بدورنا سنقرر ما يناسبنا وحسب منظورنا إلى الترف». وأشار إلى أنه لا يتوقع أن يُحدث قرار «بيربري» تغيرات جذرية في برنامج الموضة، لأن دمج عروض الأزياء الرجالية مع النسائية سيمثل تحديًا بالنسبة للكثير من الماركات العالمية خصوصًا تلك التي يعمل بها مصممو أزياء مستقلون للجنسين.
تشبث بينو بنهجه الحالي مفهوم وله ما يبرره، فدار «غوتشي» التي تعتبر الماسة في تاج مجموعته «كيرينغ» تحقق أرباحًا لم تحققها منذ سنوات. فمنذ أن تسلمها أليساندرو ميشال، وهي تثير الكثير من الانتباه بتصاميمها التي تبدو وكأنها ترنو إلى الماضي بلمسة «فينتاج»، لكنها تتوجه إلى المستقبل بكل جوارحها، مما يجعل ميشال من أهم المصممين في الساحة العالمية في الوقت الحالي، لا سيما في ظل تحركات المصممين وتغييراتهم الأخيرة. بعضهم استقال بسبب ضغوط العمل وكثرة التشكيلات التي أصبحوا مطالبين بتصميمها في وقت وجيز، مما أدى إلى رفضهم أن يأتي التجاري على حساب الإبداع الفني، مثل راف سيمونز. فهذا البلجيكي استقال من «ديور» في العام الماضي ورفض تجديد عقده معها بعد ثلاث سنوات فقط، لأنه وجد أن البرنامج المكثف لعروض الأزياء لا تُطاق، إضافة إلى الأنشطة التي لا تنتهي وتؤثر بشكل مباشر على إمكانية اختبار الأفكار ثم تجويدها. فالإيقاع السريع للموضة لا يتيح له ولأمثاله هذا الترف، مما جعله يفضل الانسحاب على الاستمرار. مصممون آخرون اعترفوا بأنهم يعانون من المشكلة نفسها، وبأن المصمم أصبح منسق أزياء أكثر منه مبتكرًا أو مبدعًا بسبب ضغوط العمل والعروض التي أصبح ملزمًا بإنتاجها.
كارل لاغرفيلد، المصمم المسؤول عن هذه الضغوط، بشكل غير مباشر، أمسك بالعصا من المنتصف. فرغم أنه قال إن تطبيق الفكرة صعب، وشبه مستحيل، لأنه سيخلق فوضى، إلا أنه لم يرفض كل جوانبها. «الواقع يتطلب أن تمنح الناس وقتًا للاختيار واتخاذ قرار الشراء سواء تعلق الأمر بالأزياء أو الإكسسوارات، كما يتطلب أيضًا إنتاجهما بأسلوب جميل وأنيق حتى يتمكن محررو الأزياء من تصويرها بشكل جيد. إن لم يتحقق هذا فإن النهاية وشيكة». وأضاف أن الشركات التي تتوفر على مئات المحلات ومعامل ضخمة يمكنها أن تنفذ العملية، بينما ستعاني الشركات الصغيرة أو المصممون الذين ليست لديهم محلات خاصة بهم.
مسؤولية كارل لاغرفيلد فيما يعاني منه المصممون الشباب من ضغوطات ومسارعتهم للموافقة على دمج أربعة عروض في اثنين سنويا حسب ما اقترحته «بيربري»، تعود إلى نجاحه وإنتاجيته أكثر من أي شيء آخر. فرغم تعديه الثمانينات من العمر، لا يتعب ولا يكل، ومن أكثر المصممين إنتاجًا. فهو الذي منح الكثير من الخطوط الهامشية قوة، جعلتها تصبح بقوة الخطوط الأساسية. ثم أنه لا يكتفي بتنظيم عروض ضخمة تحقق للدار صيتًا عالميًا وأرباحًا تجعل الكل يريد الاقتداء باستراتيجيات «شانيل»، بل أصبح يطرح ما لا يقل عن ست تشكيلات في العام لـ«شانيل» وحدها، إضافة إلى عمله مع «فندي» وعدم توقفه عن التفكير في المزيد. فقد أعلن أخيرًا أنه ينوي طرح تشكيلة جديدة لا تتوفر سوى على مواقع الإنترنت. وهذه بالنسبة له تواكب تطور العصر وتلبي رغبات الزبون الذي لا يريد الانتظار عدة أشهر، لكنها عمل إضافي لا بديل. أما بالنسبة له، فعلى الأرجح أنه يرى نفسه مجرد مواكب لتغيرات العصر ومنصتًا جيدًا لنبض الشارع بدليل قوله إن «العالم يتغير دائما.. أحيانًا ليس للأفضل، ومع ذلك نحن ملزمون بمواكبة تغيراته، ودخول عصر الإنترنت. لكن هناك طرقًا مختلفة لتحقيق ذلك، عوض إطلاق أفكار في الهواء من دون التفكير فيها جديًا».



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.