ينحني النيل قليلاً تجاه الغرب لتحية تاريخ العاصمة الوطنية السودانية «أم درمان»، أو ليستريح في المكان قليلاً لعلّه يسهم في صنعه!
عند هذا المنحنى الصغير، وعلى مبعدة أمتار قليلة من النهر العظيم، تقف شامخة «بوابة عبد القيوم»، إحدى أشهر بوابات المدن السودانية، رغم مرور أكثر من قرن وربع على تشييدها، وتصنّفها مصلحة الآثار وهيئة اليونيسكو ضمن الآثار الإنسانية الواجبة الحماية.
شُيّدت (بوابة عبد القيوم) في عهد الخليفة عبد الله التعايشي بعد توليه الخلافة والحكم بعد وفاة الإمام محمد أحمد المهدي زعيم الثورة المهدية، التي حررت البلاد من الاستعمار التركي المصري في العام 1885.
تقع البوابة بمحازاة النيل عند مدينة أم درمان دون أن يفصلها عنه إلاّ شارع يحمل اسم النيل، ويمر بها شارع «بوابة عبد القيوم» بين حي الموردة، وحي الملازمين جنوبًا.
تختلف الروايات حول هذا المعلم الأثري وحول تسميته، فبعض الروايات تقول إنها كانت بوابة المدينة الجنوبية، أخذت اسمها من أحد قوّاد الثورة المهدية «عبد القيوم»، الذي أطلق عليها اسمه تخليدًا لسيرته، بينما تقول روايات مناوئة للمهدية، إنها كانت «بوابة الحريم»، وإن «عبد القيوم» مجرد حارس يثق فيه التعايشي. يقف عندها لحماية محظياته اللاتي يتجاوز عددهن المائة، ويُحول بين دخول الرجال عليهن، أو هرب إحداهن!
يقول مدير دار الوثائق السودانية الأسبق، البروفسور الراحل محمد إبراهيم أبو سليم في كتابه «تاريخ الخرطوم»، إنّ البوابة كانت الحد الجنوبي للمدينة، بناها الخليفة عبد الله التعايشي في عام 1895 من الطين ولم يكن حولها سور، وجعل لها حارسًا وراتبًا من بيت المال، ثم بنى شرقها بعض المساكن وعُرفت لاحقًا بـ«حي ريد».
لكن رئيس قسم التاريخ والحضارة بجامعة أم درمان الأهلية، د. فتح العليم عبد الله يحدث «الشرق الأوسط» عن رواية أخرى تقول، إنّ البوابة كانت مدخلاً لبيت «الحريم» الخاص بالخليفة عبد الله، وإن عبد القيوم الذي أخذت منه اسمها، واسمه الكامل «عبد القيوم جرقندي عباس»، كان المكلّف بحراسة المدخل إلى بيت النساء، وإن خليفة المهدي كان لا يثق في أحد غيره.
ويوضّح عبد الله أن بيت الخليفة كان ممتدًا من مكانه الحالي حتّى مكان البوابة الحالية قبل أن يتعرض للهدم، والمكان المتبقي منه الآن هو مدخل بيت الضيافة السيادية والإدارية، ويوافقه في هذه الرواية، المؤرّخ الشعبي الأم درماني، شوقي بدري في أحد مقالاته التي تلقى رواجًا واسعًا.
ويقول أستاذ الحضارة، إن البوابة بُنيت من الطين والحجارة، أسوة بالمباني الرسمية في عهد المهدية، وكان ارتفاعها الأصلي أطول ممّا هي عليه الآن، لكن الترميم غير العلمي أفسد هيئتها الحقيقية، وإنها كانت تشبه المباني النوبية في شمال السودان، يسدّها باب من خشب «الحراز» المجلوب من ضواحي مدينة سنار التاريخية جنوبي السودان.
وشهدت البوابة، أول ترميم لها عام 1957 على عهد رئيس الوزراء وقتها عبد الله خليل، باعتبارها إرثًا مهدويًا على الدولة الاهتمام وحفظه، وعقب صدور قانون الآثار، أصبحت محمية تراثية، ثم تمت صيانتها مرة أخرى، ودوّن طلاب جامعة أم درمان الإسلامية 1994، أسماء شهداء «معركة كرري» على حجر من الرخام في بعض مساحتها.
ورغم الروايات المتعددة حول كنه البوابة الأشهر في السودان، والذي لم تعرف مُدنه الأسوار والبوابات، فإنها تمثّل مزارًا يؤمه السياح والزوار من أنحاء العالم، الأمر الذي دفع «معتمد / محافظ» أم درمان الحالي، مجدي عبد العزيز إلى تزيين البوابة بنظام إنارة حديث، يضيء من أسفل إلى أعلى ليذكّر المارة ليلاً، بأن الحارس الأسطوري عبد القيوم كان «هنا».
14:11 دقيقه
بوابة «عبد القيوم» التاريخية في «أم درمان».. قرن وربع من الصمود
https://aawsat.com/home/article/580121/%D8%A8%D9%88%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%C2%AB%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D9%88%D9%85%C2%BB-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%C2%AB%D8%A3%D9%85-%D8%AF%D8%B1%D9%85%D8%A7%D9%86%C2%BB-%D9%82%D8%B1%D9%86-%D9%88%D8%B1%D8%A8%D8%B9-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%85%D9%88%D8%AF
بوابة «عبد القيوم» التاريخية في «أم درمان».. قرن وربع من الصمود
هل عبر «حريم» خليفة المهدي السوداني من هنا؟
بوابة عبد القيوم عقب سقوط أم درمان عام 1899
- الخرطوم: أحمد يونس
- الخرطوم: أحمد يونس
بوابة «عبد القيوم» التاريخية في «أم درمان».. قرن وربع من الصمود
بوابة عبد القيوم عقب سقوط أم درمان عام 1899
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

