من يربح الأوسكار ومن قد يكتفي بالفرجة؟

قبل ساعات من انطلاقه

ليوناردو ديكابريو في «المنبعث»: الحظ الأوفر بين الممثلين -  بري لارسون من أبرز المرشحات عن «غرفة» - من اليمين: مايكل كيتون ومارك روفالو وراتشل ماكأدامز في «سبوتلايت»
ليوناردو ديكابريو في «المنبعث»: الحظ الأوفر بين الممثلين - بري لارسون من أبرز المرشحات عن «غرفة» - من اليمين: مايكل كيتون ومارك روفالو وراتشل ماكأدامز في «سبوتلايت»
TT

من يربح الأوسكار ومن قد يكتفي بالفرجة؟

ليوناردو ديكابريو في «المنبعث»: الحظ الأوفر بين الممثلين -  بري لارسون من أبرز المرشحات عن «غرفة» - من اليمين: مايكل كيتون ومارك روفالو وراتشل ماكأدامز في «سبوتلايت»
ليوناردو ديكابريو في «المنبعث»: الحظ الأوفر بين الممثلين - بري لارسون من أبرز المرشحات عن «غرفة» - من اليمين: مايكل كيتون ومارك روفالو وراتشل ماكأدامز في «سبوتلايت»

إذًا… هذه هي الليلة الكبيرة هل تطرق الباب، أم تغلقه؟
حفلة توزيع جوائز الأوسكار الثامنة والثمانين هذا المساء ستفتح باب النتائج التي طال الحديث عنها هذا العام، وكلما منحت جائزة في أي من فروعها الكثيرة، كلما تقدّمت خطوة صوب إغلاق ملف صعب شابه الكثير من المواقف المتشنجة منذ أن أعلنت الترشيحات. لحين، بدا أنه لا شيء آخر مهم. لم يعد الحديث عمن سيربح أو من سيخسر في هذه الليلة، بل من سيحضر ومن سيغيب من ناحية وكيف سيقدم، الممثل كريس روك الحفل.
فقط في الأيام الأخيرة الماضية خف، على نحو ملحوظ الكلام حول مسألة انحصار ترشيحات الأفلام والممثلين على البيض وحدهم. عاد الجو التنافسي بالصعود. وتذكر الإعلام أن مصائر المشتركين في السباق معلّـقة بعدد الأصوات التي نالها كل واحد منهم وأن الحفل، إذ اقترب، قد يحفل بخليط من النتائج بعضها متوقع وبعضها الآخر غير متوقع.
ما سيلي هو أقرب الاحتمالات لما هو مطروح ونتيجة لتحليلات خاصّـة. بدورها، قد تصيب وقد تخطئ، كون الاحتمالات أكثر من أن تحصى.

* أوسكار أفضل فيلم
إذا كانت الشكوى من أن معظم أعضاء الأكاديمية ممن تجاوز الخمسين وأن لغالبية هؤلاء آراء محددة تميل إلى التقليد منها إلى التجديد، فإن ثلاثة أفلام من الأفلام الثمانية المرشّـحة هذا العام هي الأقرب إلى حظوظ الفوز، أو هكذا من المفترض بها أن تكون.
هذه الأفلام هي «المنبعث» و«جسر الجواسيس» و«المريخي». الأول حكاية نضال فردي للبقاء على قيد الحياة في إنتاج كبير دائمًا ما ميّـز هوليوود عن كل سينمات العالم. الثاني، فيلم جاسوسي بمعايير السينما الكلاسيكية ذاتها، وبموضوع يعود، سياسيا، إلى فترة الحرب الباردة التي عاشها المنتخبون شبابًا. ثم الثالث، فيلم «تقليدي» من الخيال العلمي. لا مفاجآت فنية فيه لكنه يتحدّث لغة المخضرمين من أبناء المهنة.
الواقع أن جوائز الأوسكار تُـمنح غالبًا لأفلام تحفظ سماتها الإنتاجية، وفي الكثير من الأحيان التقليدية حتى عندما لا تكون المعالجة تقليدية (كفيلم أوسكار العام الماضي «بيردمان») أو عندما يكون الموضوع نقديًا (كفيلم أوسكار العام الأسبق «12 سنة عبدًا»). في هذا الإطار وحده فإن «المنبعث» هو الأكثر حظّـًا في الفوز حتى مع اعتبار أن البعض سيتذكر أن مخرج الفيلم، أليخاندرو غونزاليس إيناريتو، نال أوسكاره الأول قبل سنة واحدة عن «بيردمان».
تبعًا لاعتبار السن فإن باقي الأفلام ستتزحلق قبل الوصول إلى الخاتمة: «بروكلين» العاطفي و«غرفة» التشويقي و«التقصير الكبير» The Big Short الساخر و«سبوتلايت» الانتقادي للكاثوليكية. الوحيد الذي يقف على الحافة بين التقليد والابتكار هو «ماد ماكس: طريق الغضب» لكن «المنبعث» هو أفضل منه بوضوح وهو ما يجعل حظوظه متعثرة.
- سيفوز: «المنبعث» The Revenant
- قد يفوز: «ماد ماكس: طريق الغضب» Mad Max‪:‬ Fury Road
- لن يفوز: «غرفة» Room
- تفضيل الناقد: «المنبعث».

* أوسكار أفضل مخرج
لا يمكن منح فيلم مثل «المنبعث» أوسكارًا وإغفال مخرجه من الأوسكار.
فنيًا، هناك الكثير مما يعزز أحقية أليخاندرو إيناريتو بأوسكار أفضل مخرج. هذا فيلم بدني الجهد وعقلاني الجوهر معًا. ليس مجرد مغامرة وسترن مع مطاردة وقتال ثم مطاردة مرّة أخرى. بل هو وصف لحقبة من التاريخ التي غزا فيها البيض الغرب الأميركي البكر مواجهين المواطنين الأصليين لأميركا، وكما صرخ بيرت رينولدز في فيلم جون بورمان المبهر «خلاص» (الذي من السهولة إيجاد خيوط مشتركة بين ذلك الفيلم السبعيناتي والفيلم الجديد) «أين القانون؟» فإن «المنبعث» هو عن حياة لا قانون فيها. الجميع كان يستطيع أن يفعل ما يريد بمن يريد. موقع الأحداث وكيفية تصوير الفيلم وتحريك الممثلين والكاميرا في آن واحد هو الجهد البدني الذي يواكب تلك الأفكار الإنسانية. لا أحد من المخرجين الآخرين غادر موقعه المطمئن. توم ماكارثي مخرج «سبوتلايت» أفضل الباقين. أنجز دراما مدينة مستمدة من ملفات واقعية بنفس انتقادي مدروس. أدام ماكاي صاحب «التقصير الكبير» لعب على الموضوع الجاد ومنحه بعض السخف والضحك معًا. ليني أبراهامسون جعل من «غرفة» عملاً نصفه محبوس في غرفة واحدة من امرأة وابنها. أما جورج ميلر فأحسن إنجاز فيلم مطاردات. الوحيد الذي لم يكتفِ بالمتوقع هو إيناريتو.
- سيفوز: أليخاندرو غونزاليس إيناريتو
- قد يفوز: جورج ميلر
- لن يفوز: ليني إبراهامسون
- تفضيل الناقد: إيناريتو
* أوسكار أفضل ممثل في دور رئيسي
كما ذكرت في تحليل سابق، فإن المرشحين الخمسة في هذا السباق (وهم إيدي ردماين وبرايان كرانستون ومايكل فاسبيندر ومات دامون وليوناردو ديكابريو) ينقسمون بين من أدّى دورًا خياليًا ومن أدّى دورًا مبنيًا على الواقع. لكن ما لم يذكر هو أن الممثلين الذين أقدموا على اقتباس شخصيات واقعية اقتبسوها بدرجات متباينة. في الواقع ليس هناك سوى شخصية كاملة من الخيال هي تلك التي يؤديها مات دامون في «المريخي». هذه ليست قائمة إلا على غزل بنات أفكار المؤلف. حتى شخصية ليوناردو ديكابريو عن «المنبعث» مستوحاة من قصّـة حقيقية، لكن أداء ديكابريو متحرر من التشابه مع أي أصل (على نحو طبيعي لأننا نعرف عن تلك الحقبة أكثر مما نعرف عن شخصياتها). إيدي ردماين يقع في منتصف المسافة. شخصيته في «الفتاة الدنماركية» واقعية وتستند إلى «الحقيقة» قدر الإمكان، لكنها مرتبطة بالقدر نفسه باختيار الممثل لكيفية تمثيلها وتلوينها. الأكثر قربًا هما مايكل فاسبيندر عن ستيف جوبز وبرايان كرانستون عن ترامبو. الجميع جيّـد، بلا ريب، لكن الوحيد الذي تجاوز مجرد الجودة إلى البذل (رغم أن المخرج قصّـر معه على صعيد بلورة شخصيته) هو ليوناردو ديكابريو.
- سيفوز: ليوناردو ديكابريو
- قد يفوز: مايكل فاسبيندر
- لن يفوز: مات دامون
- تفضيل الناقد: ليوناردو ديكابريو
* أوسكار أفضل ممثلة في دور رئيسي
حتى الآن، هذا السباق هو الأصعب استنتاجا. كايت بلانشيت عن «كارول» تملك زمام الشخصية الكلاسيكية في أحداث تقع في الخمسينات، لكن ساويريس رونان تملك القدر نفسه من الموهبة في أحداث تقع في فترة متقاربة في «بروكلين» وتضيف إلى احتمالاتها أنها شابة. بري لارسون عن «غرفة» عززت موقفها مؤخرًا بفوزها بجائزة «بافتا» عن ذلك الفيلم بعد أن نالت جائزة «غولدن غلوبز» أيضًا عن هذا الدور. شارلوت رامبلينغ تمنح الشاشة أشباحًا من أداءاتها المؤثرة الماضية في «45 سنة» أما جنيفر لورنس فتعيد صياغة نفسها خارج إطار أفلام المغامرة. على عكس القسم الرجالي، كل الشخصيات هنا أدّت أدوارًا خيالية.
- ستفوز: بري لارسون
- قد تفوز: ساويريس رونان
- لن تفوز: جنيفر لورنس
- تفضيل الناقد: لا أحد.
* أوسكار أفضل ممثل مساند
حتى الساعات الأخيرة فإن السباق حامي الوطيس في هذا القسم أكثر من سواه. ثلاثة جياد تنطلق في خطوط متوازية: مارك روفالو عن «سبوتلايت» (مشهد واحد في الفيلم يؤهله أكثر من سواه لكنه جيد في كل المشاهد)، مارك رايلانس عن «جسر الجواسيس» وسلفستر ستالون عن «كريد». والمقارنة بين هذه الأداءات مفيدة كما طريفة: مارك روفالو أفضلهم. مارك رايلانس جيد لكنه خافت أكثر من اللزوم بالنسبة للبعض. أما ستالون فهو مثل الحصان الذي انطلق بلا حظ ثم صارت كل الحظوظ عنده. ماذا عن توم هاردي عن «المنبعث» وكريستيان بايل عن «التقصير الكبير»؟ الثلاثة الأول في المقدّمة.
- سيفوز: سلفستر ستالون
- قد يفوز: مارك رايلانس
- لن يفوز: كريستيان بايل
- تفضيل الناقد: مارك روفالو
* أوسكار أفضل ممثلة مساندة
المنافسة الأكبر هي بين البريطانيّـتين كايت وينسلت عن ستيف جوبز وأليسيا فيكاندر عن «الفتاة الدنماركية» وروني مارا عن «كارول». لكني من الذين لا يعتقدون أن فيلم «كارول» بمن فيه (وهو خسر التنافس كأفضل فيلم وكأفضل مخرج) سيحقق معجزة هنا. راتشل أدامز عن «سبوتلايت» جيّـدة لكنه ليس دور جوائز. جنيفر جاسون لي في «الكارهون الثمانية» تبدو كتكملة عدد فقط. دورها في الخلفية معظم الوقت وحين يتاح لها التقدم قليلاً تقتل وتُـصاب وتدخل في سيل من المواقف الدموية.
- ستفوز: أليسا فيكاندر
- قد تفوز: كايت وينسلت
- لن تفوز: جنيفر جاسون لي
- تفضيل الناقد: أليسا فيكاندر
* أفضل فيلم رسوم متحركة طويل
سيجمع «أنوماليسا» أصواتًا كثيرة كونه رسومًا متحركة للراشدين. لكن هذا التصويت ثقافي وعاطفي أكثر منه مهني. لكن أجمل ما في هذا السباق هو أن الأفلام هذه المرّة لا تنحصر في أفلام أميركية فقط، بل هناك تعداد إنتاجي ثري: «الصبي والعالم» هو شغل برازيلي. «شون فيلم الغنم» Shaun the Sheep Movie صناعة فرنسية. «عندما كانت مارني هناك» ياباني. أما ما هو أميركي فانحصر في «إنسايد آوت» و«أنوماليسا».
- سيفوز: «إنسايد آوت»
- قد يفوز: «شون فيلم الغنم» أو «الولد والعالم».
- لن يفوز: «إينوماليزا»
- تفضيل الناقد: «الولد والعالم»
* أوسكار أفضل فيلم أجنبي
هناك فيلمان عربيان مرشحان كل لأوسكاره. في هذا القسم فيلم «ذيب». في قسم الفيلم القصير «سلام عليك يا مريم». فوز أي منهما هو فوز عربي جدير بالاحتفاء. لكن هل سيفوزان؟
المفرح أن حظ «ذيب» هو أفضل الآن مما كان عليه سابقًا. استفاد من إعجاب نقدي كبير ومن جائزة «بافتا» ويستفيد من بساطة الموضوع المتلاحم جيدًا مع شروط المكان. لكن… «ابن شاوول» لا يزال الأقرب إلى مفهوم المعمّـرين من المصوّتين للأسف حتى ولو كان موضوع الهولوكوست من تلك التي تستهلك نفسها على الدوام. الأفلام الثلاث الأخرى هي «موستانغ» الفرنسي و«حرب» (دنمارك) و«عناق الأفعى» كولمبيا.
- سيفوز: «عناق الأفعى»
- قد يفوز: «ذيب» أو «ابن شاوول».
- لن يفوز: «موستانغ»
- تفضيل الناقد: «ذيب»
* أوسكار أفضل فيلم تسجيلي
في العام الماضي فاز الفيلم الغنائي «20 قدمًا بعيدًا عن الشهرة» بالأوسكار في هذه الفئة وعن جدارة، وبفوزه تم تفضيل موضوعه (حول مغنيات الكورس اللواتي لم يستطعن تحقيق الخطوة للتحول إلى مغنيات شهيرات) على مواضيع سياسية. هذا ليس مرجح الحدوث هذا العام. هناك فيلمان غنائيان وثلاثة عن أحوال العالم السياسية في الماضي والحاضر. الفيلمان الغنائيان هما «ماذا حدث لمس سيمون؟» عن المغنية الراحلة نينا سيمون و«آمي» عن المغنية البريطانية آمي واينهاوس وكلاهما رحلتا عن هذا العالم. أما الأفلام الأخرى فهي «نظرة الصمت» الذي يتناول (مجددًا) موضوع الميليشيات التي نفذت أوامر السلطة الإندونيسية في الستينات وقتلت عشرات آلاف المواطنين في حملة إبادة، و«كارتلاند» عن الصراع ضد عصابات المخدرات على جانبي الحدود الأميركية - المكسيكية، ثم «شتاء على نار»، وهو عما سبق الحرب الأوكرانية من دواع والانتفاضة الشعبية التي سبقتها.
- سيفوز: «شتاء على نار»
- قد يفوز: «نظرة الصمت».
- لن يفوز: «ماذا حدث لمس سيمون؟»
- تفضيل الناقد: «شتاء على نار»
* أوسكار أفضل سيناريو مكتوب خصيصًا للسينما
عندما أعلنت الترشيحات وبدا أن هناك تقصيرًا في ترشيح المواهب السوداء، لم يكن أعضاء الأكاديمية أرسلوا باختياراتهم الأخيرة. «مباشرة خارج كومبتون» هو سيناريو من كتابة أربعة بعضهم من الأفرو - أميركيين لموضوع عن حي للسود في لوس أنجليس مستوحى من شخصيات واقعية. هل يمكن أن نعتقد أن بعض أعضاء الأكاديمية حاولوا تعديل ذلك التقصير بالتصويت لهذا السيناريو؟ هل ربح أصواتًا أعلى بسبب تلك الضجة؟ لقد قرأت السيناريوهات الخمسة المشتركة هنا (هذا الفيلم و«إكس ماشينا» و«إنسايد آوت» و«جسر الجواسيس» و«سبوتلايت»). «كومبتون» ليس أفضلها، لكنه أفضل من «إنسايد آوت» و«إكس ماشينا» كحرفة وكموضوع. على ذلك...
- سيفوز: «جسر الجواسيس»
- قد يفوز: «سبوتلايت» أو «مباشرة خارج كومبتون»
- لن يفوز: «إكس ماشينا» أو «إنسايد آوت»
- تفضيل الناقد: «جسر الجواسيس».
* أوسكار أفضل سيناريو مقتبس
الفارق في كتابة سيناريو مقتبس عن كتابة سيناريو مخصص للسينما هو أن الثاني أكثر حرية ولا يستطيع أحد أن يتهمه بتلفيق أو تشويه حقائق سابقة أو بأن الأصل أفضل من الفيلم. السيناريوهات المتسابقة هنا تضم «التقصير الكبير» و«المريخي» و«غرفة» و«بروكلين» و«كارول». كلها مأخوذة عن كتب.
- سيفوز: «كارول»
- قد يفوز: «غرفة»
- لن يفوز: «التقصير الكبير»
- تفضيل الناقد: لا أحد
* أوسكار أفضل تصوير
مرّة أخرى سنجد «المنبعث» يتقدم منافسيه بمقدار مهم كون الفيلم اعتمد كثيرًا لا على جمالية الصورة فقط، بل على دورها في صياغة المعالجة الكلية. هذا الوضع منتشر في أكثر من فيلم، لكن لا يمكن تخيل «المنبعث» وفرديته من دون إسهام إيمانويل لوبيزكي في عملية إنجازه. والحقيقة أن لوبيزكي ليس سوى واحد من ثلاثة آخرين لهم تاريخهم الكبير في إنجاز أفضل مستويات الصورة السينمائية وهم روجر ديكنز (مرشح عن «سيكاريو») وروبرت رتشردسون («الكارهون الثمانية») وجون سيل («ماد ماكس: طريق الغضب»). هناك تصوير مختلف الطبيعة والأجواء لإدوارد لاتشمان في «كارول»، لكنه يجيء، بين الكبار، كتكملة عدد.
- سيفوز: جون سيل
- قد يفوز: إيمانويل لوبيزكي أو روجر ديكنز
- لن يفوز: إدوارد لاتشمان
- تفضيل الناقد: جون سيل.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».