الهدنة السورية تطلق التنافس على «كعكة داعش»

النظام والأكراد الأقرب إلى الرقة.. و«الحر» ثابت بريف حلب الشمالي

الهدنة السورية تطلق التنافس على «كعكة داعش»
TT

الهدنة السورية تطلق التنافس على «كعكة داعش»

الهدنة السورية تطلق التنافس على «كعكة داعش»

يكشف اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا، الذي يستثني التنظيمات المصنفة «إرهابية» مثل «داعش» و«جبهة النصرة»، حجم التسابق الروسي والأميركي لتقويض نفوذ «داعش» والسيطرة على معقله في الرقة، ذلك أن الهدنة التي وافقت عليها مختلف الأطراف المتقاتلة في سوريا، باستثناء المتشددة منها، من شأنها أن توحد الجهود الحربية باتجاه جبهة واحدة، وذلك في حال صمود الهدنة وتجاوز عقبة «النصرة».
وتشير الوقائع إلى أن قوات النظام وحلفاءها المدعومة بغطاء جوي روسي، وقوات «سوريا الديمقراطية» المدعومة بغطاء جوي أميركي، تسعيان، كل من طرفه، للسيطرة على مناطق يشغلها تنظيم داعش، في حين أبقت قوات المعارضة السورية في مارع بريف حلب الشمالي قواتها في مواقعها على خطوط المواجهة مع «داعش»، لاستكمال المعارك ضد التنظيم، علما بأن قوات المعارضة، لا تواجه «داعش» إلا في عدد محدود من المواقع في ريف حلب الشمالي وقرب الحدود التركية، بينما جبهات التنظيم باتت مفتوحة مع قوات النظام السوري والقوات الكردية في أرياف حلب والرقة والحسكة، كما يقع «داعش» على خط مواجهة النظام في دير الزور وحمص وحماه وريف دمشق وريف السويداء.
غير أن تحويل الجهد العسكري ضد «داعش»، مرهون بوقف القصف ضد مناطق المعارضة، بذريعة وجود «جبهة النصرة» فيها، وهو ما يشير إليه الباحث السوري المعارض والمتخصص بشؤون المجموعات المتشددة عبد الرحمن الحاج، ومدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن.
يقول الحاج لـ«الشرق الأوسط»: «إذا ما تم الالتزام الكامل بالهدنة، ولم تُستغل ثغرات مثل قصف النصرة في مناطق الانتشار المتداخلة مع الجيش السوري الحر، سيكون هناك تنافسًا محمومًا من 3 جهات ضد التنظيم، يشارك فيها المقاتلون الأكراد والجيش الحر وقوات النظام»، لكنه أشار إلى أن «التفوق بالغطاء الجوي الذي يحظى به الأكراد من قبل قوات التحالف الدولي، سيسمح لهم التمدد أكثر من الجميع»، علما بأن التنافس على «كعكة داعش سيكون من قبل جميع الأطراف».
وإذ يشير إلى أن قوات النظام «تسعى للتقدم في مناطق نفوذ داعش في ريف حلب الشرقي»، يؤكد عبد الرحمن «وجود سباق بين النظام ومقاتلي سوريا الديمقراطية (تحالف القوات الكردية مع فصائل عربية) إلى معقل النظام في الرقة». ويوضح أن النظام اليوم «فتح ثلاث جبهات للوصول إلى الرقة من غربها وجنوبها، بينما يسعى الأكراد للتقدم إلى المدينة عبر خط عين عيسى (شمال الرقة)». لكنه يشير إلى أن عوائق تقدم الأكراد «كبيرة بالنظر إلى أن المنطقة عربية، وتتمتع بحساسية بالغة تجاه الأكراد على خلفيات قومية، وبالتالي يجب أن يتحقق الوفاق العربي قبل تقدم الأكراد إليها».
تتركز رمزية مدينة الرقة معقل التنظيم، بوصفها «الوجهة الأهم بالنسبة للأطراف المنخرطة في الصراع ضد التنظيم»، يقول الحاج، متابعا «هذه الأطراف التي لطالما استخدمت داعش، كونها تحتاج لتمدد التنظيم وإثبات خريطة وجوده على الأرض، والآن بات الصراع على الإطاحة بالتنظيم، بغرض إثبات أنها تقاتل الإرهاب».
ميدانيًا، تتقارب المسافة التي تفصل النظام عن الرقة، مع المسافة التي تفصل الأكراد عنها، بينما تبتعد قوات النظام عن مدينة الباب بريف حلب الشرقي مسافة 8 كيلومترات، ومسافة 40 كيلومترًا عن مدينة منبج، فيما يبتعد الأكراد الذين تقدموا من الضفة الغربية لنهر الفرات، مسافة 20 كيلومترًا عن منبج.
وكما في الرقة وريف حلب، فإن الأكراد يواصلون التقدم في الشدادي بريف الحسكة الجنوبي. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية أول من أمس أن الهزائم التي مني بها تنظيم داعش في شمال سوريا تجعل من الممكن توقع أن يبدأ حصار معقله في الرقة قريبًا. وقال المتحدث باسم الوزارة جيف ديفيس بأن القوات الكردية وحلفاءها سيتمكنون «قريبا جدا» من السيطرة على مدينة الشدادي في محافظة الحسكة و«نعتقد أن هذه القوات وبفضل دعمنا المستمر، ستكون قادرة على عزل الرقة بعد ذلك بوقت قصير»، مشيرًا إلى أن «قوات سوريا الديمقراطية» نفذت هجوما على الشدادي بغطاء جوي من طائرات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
ويبدو أن السباق إلى الرقة، أو أي من مناطق ريف حلب الشرقي، مرهون أيضًا برغبة دولية.
وكشف القيادي في حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في ريف حلب إدريس نعسان لـ«الشرق الأوسط»، أن «أي تحرك لقوات وحدات حماية الشعب الكردي وقوات سوريا الديمقراطية، يتم ضمن التنسيق مع قوات التحالف الدولي»، مشددًا على أن الاتفاق والتنسيق «يقتضيان ذلك»، من غير أن ينفي التحضيرات في وقت سابق التي قادت للسيطرة على مناطق يشغلها «داعش»، قربت المسافة بين المقاتلين الأكراد ومنبج. وقال نعسان: «الأولويات هي لكل مكان يتواجد فيه الإرهاب أكان داعش أم غيره، تلك الفصائل غير المشمولة في اتفاق وقف النار»، قائلا: إن «الجهود مستمرة لمكافحة الإرهاب في كل المناطق، وفك الحصار عن عفرين التي تشارك قوات النصرة في حصارها».
وفيما تعد مناطق الاشتباك بين النظام و«داعش» أوسع من كافة الفصائل، بالنظر إلى أنها تشمل إضافة إلى حلب وحماه والرقة، نقاط اشتباك حول مدينة دير الزور وريف حمص الشرقي والقلمون الشرقي والغربي والبادية شرق السوداء، فإن نقاط اشتباك قوات المعارضة مع «داعش»، محصورة بريف حلب الشمالي.
ويقول نائب رئيس مجلس محافظة حلب منذر سلال لـ«الشرق الأوسط»، بأن «داعش»، عادة ما يقوم بانسحابات تكتيكية، حيث «ينسحب من مكان ليعزز قواته في مكان آخر»، بدليل الهجوم على خناصر، أو إعادة التموضع بريف حلب الشمالي. وقال: «رغم المعارك مع المقاتلين الأكراد وقوات النظام في الشهر الأخير، بقيت جبهاتنا مع داعش مفتوحة، ونفذ التنظيم 7 اقتحامات ضد مواقعنا بريف حلب الشمالي في غضون 10 أيام وتم صده». وقال: «رغم الضغوط العسكرية التي تعرضت لها القوات المعتدلة والمدربة في ريف حلب الشمالي، وقتالها على ثلاث جبهات، رفضنا مطالب داعش لتوقيع هدنة، ورفضنا المصالحة، ولا زلنا في مواقعنا نقاتل التنظيم ونمنع تقدمه إلى مارع».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.