جددت الدبلوماسية السعودية خطواتها داخل القارة الأفريقية في إطار اهتمامات خادم الحرمين الشريفين بما يدور في دول القارة السمراء، مما يذكر بالسياسة التي انتهجها الملك فيصل بن عبد العزيز في حقبة الستينات التي أفضت إلى إنشاء منظمة التعاون الإسلامي.
وحظي وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي قام بجولة أفريقية شملت عدة دول باستقبال لافت وترحيب وحفاوة كبيرة من الزعماء الأفارقة الذين التقاهم، في جنوب أفريقيا، وزامبيا، والسودان، حيث تمخضت اللقاءات عن تفاهمات في المجالات السياسية والاقتصادية، كما تناولت مباحثاته العلاقات الثنائية وقضايا المنطقتين العربية والإسلامية. وكان الجبير، قد التقى أيضا عددا من المسؤولين الأفارقة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، خلال مشاركته في القمة الأفريقية السادسة والعشرين لرؤساء الدول والحكومات الأفريقية، وبحث العلاقات الثنائية والتطورات الدولية، خصوصا الوضع في اليمن والأزمة السورية. وتعد مشاركة الجبير في القمة الأفريقية هي الأولى له في قمة أفريقية، خصوصا أن السعودية تحظى بعضوية مراقب في الاتحاد الأفريقي. وتأتي هذه الزيارات امتدادا للزيارات التي قام بها عدد من الزعامات الأفريقية للمملكة، واستقبال خادم الحرمين لهم، حيث استقبلت المملكة نحو 20 زعيما أفريقيا خلال فترة سنة. ومن أبرز نتائج هذه الزيارات قيام عدد من الدول الأفريقية بقطع علاقاتها مع إيران أو تحجيمها، كما أنها ساهمت في تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب والتطرف الذي شكلت الدول الأفريقية نسبة كبيرة فيه.
وكنتيجة مباشرة لزيارة الجبير إلى أفريقيا، وجنوب أفريقيا تحديدا قرر رئيسها جاكوب زوما أمس إرجاء زيارة كانت مقررة إلى إيران. ولم يقدم مكتب رئيس جنوب أفريقيا سببا محددا للإرجاء، إلا أن مراقبين لمحوا إلى تزامن الخطوة مع زيارة الجبير إلى جوهانسبورغ. وذكر مكتب زوما في بيان أن «زيارة الدولة التي كان من المقرر أن يقوم بها الرئيس جاكوب زوما إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما أعلن في وقت سابق هذا الأسبوع، تأجلت».
واللافت في زيارات الجبير إلى الدول الأفريقية هو اهتمام تلك الدول بالعلاقات مع السعودية، وحرص رؤسائها على لقاء الوزير شخصيا، وإقامة مأدبة غداء له. وزار الجبير ثلاث محطات أفريقية: جنوب أفريقيا، وزامبيا، والسودان، والتقى خلالها بقادة تلك الدول، وجاءت وسط حفاوة من الزعماء والمسؤولين في هذه البلدان. حيث استقبله في كيب تاون رئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما، فيما التقاه لاحقًا في لوساكا الرئيس الزامبي أدجار شاجوا لونجو، وفي الخرطوم استقبله الرئيس السوداني عمر البشير منتصف الأسبوع الماضي.
وتشهد العلاقات الخارجية للسعودية منذ تأسيسها مع غالبية الدول الأفريقية نموًا مطردًا تحكمه جملة من المبادئ والقيم والمثل العليا. وتولي المملكة علاقاتها الخارجية مع أغلب دول وشعوب القارة الأفريقية أهمية بالغة تمليها اعتبارات المصالح المشتركة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. ومنذ افتتاح أول سفارة أفريقية في السعودية (إثيوبيا)، في منتصف ثلاثينات القرن الماضي، وعلى مدار الثمانين عامًا الماضية، تستضيف المملكة سفارات وبعثات دبلوماسية لجميع دول القارة الأفريقية، كما توفد إلى جميع دول القارة بعثات دبلوماسية وقنصلية دائمة، بينما يأتي اهتمام الدول الأفريقية بعلاقاتها مع السعودية، بوصفها دولة محورية إسلاميًا وعالميًا، وارتبطت تلك الدول منذ استقلالها بعلاقات جيدة ومتميزة مع المملكة.
كما كان للرحلات الشهيرة للملك فيصل بن عبد العزيز في عام 1966م التي شملت كثيرا من دول أفريقيا وآسيا، وتمخضت عن إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي لاحقًا)، دور كبير في تعميق وتميز العلاقات التي تربط الرياض بالعواصم الأفريقية، حيث تواصلت بعد ذلك زيارات متبادلة لزعماء أفارقة للسعودية، ومسؤولين سعوديين لتلك الدول.
وخلال عام، التقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بعدد من زعماء أفريقيا خلال زياراتهم للسعودية، شهد بعضها توقيع اتفاقيات ثنائية في عدد من المجالات السياسية والتنموية والاقتصادية والثقافية. وللسعودية في أفريقيا مساع دبلوماسية هامة ومؤثرة، تشكل أهمية كبرى لتحقيق مصالحها على الصعيد السياسي والدبلوماسي والأمني الاقتصادي، وتسعى الرياض بكل حياد ومصداقية إلى الوساطة للمصالحة والتوسط بين الفرقاء في الدول والجماعات المتنازعة، وحل قضايا القارة الأفريقية، بعيدًا عن الأدلجة والمن والأذى الذي تمارسه بعض الدول بحجة مساعدة دول أفريقيا التي أنهك بعضها الفقر والحروب.
وتكفلت السعودية ببناء وتشغيل عشرات الجامعات ومئات المدارس وتقديم عشرات آلاف المنح الدراسية لأبناء كل الدول الأفريقية، فضلاً عن بعثات المعلمين والدعاة إليها، كما قدمت من المساعدات الإغاثية والإنسانية للمتعرضين للكوارث الطبيعية والحروب الأهلية في كل الأقطار الأفريقية ما يصعب حصره. وخلال هذه الحقبة الطويلة من العلاقات بدول أفريقيا السمراء، منحت الرياض مليارات الدولارات في شكل منح ومساعدات لا ترد وفي شكل قروض ميسرة وودائع ميسرة لدى البنوك المركزية لغالبية الدول الأفريقية الساعية نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية أو التي تعاني خللاً هيكليًا في موازين مدفوعاتها.
وتحظى السعودية بصفة مراقب في الاتحاد الأفريقي. وعقد الوزير الجبير سلسلة لقاءات مع مسؤولين أفارقة، ومع نظرائه العرب والأفارقة، بحث خلالها العلاقات الثنائية والتطورات الدولية.
الدبلوماسية السعودية تعيد إحياء جسر التقارب مع أفريقيا لمواجهة التهديدات الإيرانية
على هامش زيارات الوزير الجبير في القارة السمراء.. زوما يؤجل زيارته إلى طهران
الدبلوماسية السعودية تعيد إحياء جسر التقارب مع أفريقيا لمواجهة التهديدات الإيرانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة