الحديث مع هالة خياط خبيرة الفن الحديث والمعاصر بدار «كريستيز» بدبي يتسم بالحيوية والحماس الواضح، تحدثنا عن احتفالات الدار بمرور 10 أعوام على وجودها في المنطقة وبتنظيم موسم مزاداتها العشرين بالمنطقة، والأشهر التي قضاها فريق العاملين في الاستعداد لها. تقول إن مرور 10 أعوام على انطلاقة «كريستيز» في الشرق الأوسط تمثل مسؤولية كبيرة وتضيف: «لنا الآن تاريخ في المنطقة».
موسم المزادات الذي سينطلق في دبي في 13 مارس (آذار) المقبل يضم الكثير من الفعاليات والمزادات المختلفة التي تخاطب جميع المهتمين بالفنون والقطع الثمينة. تبدأ بالإشارة إلى ما تعتبره بأنه نقطة قوة الدار في الخليج، وهو مزاد الفن الحديث والمعاصر العربي والإيراني والتركي، هذا العام سينقسم هذا المزاد إلى قسمين؛ أحدهما تحت عنوان: «الآن، وعشرة أعوام مضت» يضم 40 لوحة لكوكبة من أشهر الفنانين بمنطقة الشرق الأوسط مستمدة من مقتنيات شخصية، من ضمن المجموعة الكاملة للمزاد التي تضم 125 عملاً فنيًا. ومن المتوقع أن تحصد هذه الأعمال ما يقارب 9 ملايين دولار، وهذه أعلى تقديرات أولية سابقة لانعقاد المزاد منذ انطلاقة مزادات «كريستيز» بالمنطقة قبل 10 أعوام، في مؤشر على متانة سوق الأعمال الفنية الإقليمية وتنافُس المقتنين حول العالم على اقتناء أعمال الفنانين الشرق أوسطيين.
وتشرح لنا: «على مدار السنة تعرض علينا مئات الأعمال، ونختار الأفضل منها، ولهذا المزاد اخترنا 125 عملا».
الآن وقد مرت عشرة أعوام، تتصدَّر قسم «NOW AND TEN» لوحة «سراييفو» للرسام التشكيلي المصري عمر النجدي، وانضمت هذه الرائعة المتحفية الفذة التي رُسمت في أبريل (نيسان) 1992 إلى مجموعة المقتنيات الشخصية للسفيرة فرانسين هنريخ في عام 1993، وتُعرض للمرة الأولى ضمن مزاد علني.
رسم عمر النجدي (وُلد 1931) «سراييفو» في أبريل 1992، ويقول الكثير من النقاد إن هذه اللوحة الثلاثية التي يبلغ ارتفاعها 3 أمتار وطولها نحو 11 مترًا هي أهم أعمال عمر النجدي على الإطلاق، بل وأكثر أعماله طموحًا من حيث تعقيدها وموضوعها وتعابيرها وقيمتها التذكارية. وفي هذه اللوحة يرسم عمر النجدي المذابح التي حصدت أرواح إخوانه البوسنيين في سراييفو.
تشير خياط إلى لوحة الفنان المصري عبد الهادي الجزار «عالم الحب»، وهي لوحة ورقية تصور فلاحة وزوجها الفلاح، تقول: «هي لوحة مهمة جدا، كل شيء فيها مصري الطابع، وتعكس حياة الفلاح في فترة الخمسينات وبعد الثورة»، تشير أيضًا إلى لوحات مهمة في المزاد لحامد عويس ومحمود سعيد وصفوان دحول. خلال حديثها تؤكد خياط على أهمية أن يلتفت المقتنون لأهمية الأعمال الفنية العربية، وأن لا يكون اقتناؤهم مقتصرًا على الأعمال الغربية فقط، مشيرة إلى أن «كريستيز» تبيع أعمالاً من المنطقة على منصة عالمية، بعكس بعض المعارض الأخرى تستورد الأعمال الفنية من الخارج لتبيعها للمتذوق العربي.
يقدم المزاد أيضًا لوحة «المقاهي الملتَهَمة» للفنان التشكيلي اللبناني شفيق عبود (1926 - 2004) التي تتألف من 130 نقشة جدرانية (تيمبيرا) فردية تجسّد ما يصفه بالمقاهي الملتَهَمة في بيروت. تشير «المقاهي الملتَهَمة» إلى ثقافة المقاهي المتلاشية بعد أن شاعت وانتشرت ببلدان عربية عدة في خمسينات وستينات القرن العشرين. وبدأت ثقافة المقاهي بالتلاشي تدريجيًا ومعها الملتقيات الفكرية والسياسية والإبداعية التي نشأت من رحم هذه المقاهي وشكَّلت جوهر الحركة الفنية والأدبية اللبنانية الحديثة.
ويقدم المزاد من أعمال التشكيلي العراقي كاظم حيدر(1932 - 1985) لوحة «البراق». يُذكر أن الروائي والناقد التشكيلي الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا أورد صورة للوحة في كتابه الشهير «جذور الفن العراقي» (1983) لأهميتها الخاصة في الحركة التشكيلية العراقية، وهذه اللوحة في الأصل جزء من مقتنياته الشخصية.
ومن أعمال الفنان التشكيلي السوري فاتح المدرس (1922 - 1999)، يتضمن القسم الخاص «NOW AND TEN» من مزاد «كريستيز» لوحة غير معنونة له. تعود هذه اللوحة إلى ثمانينات القرن العشرين، وتظهر براعته الفذة في تحديد معالم حركة فنية ثرية تتسم برمزية وهي من أعماله الفريدة والمعدودة بمثل هذا الحجم، وترمز إلى قدرته على التوغُّل إلى أعماق آلاف الأعوام من الحضارة البشرية ليختزل كل ذلك بكتابة فصل جديد من تاريخها بلغة بصرية حديثة.
مزاد الفنون الحديثة والمعاصرة
من أبرز اللوحات المشاركة بمزاد «كريستيز» للفنون الحديثة والمعاصرة المقرر في 16 مارس لوحة «بورتريه كارل فلينكر» للفنان الأميركي - الإيراني مانوشير يكتاي (وُلد 1922) وتشارك هذه اللوحة بالمزاد إلى جانب لوحة صامتة غير معنونة، أيضًا لمانوشير يكتاي، واللوحتان من مجموعة مقتنيات خاصة مهمة في باريس. وفي السابق كانت هاتان اللوحتان ضمن المقتنيات الخاصة لمالك صالة فنية فرنسية شهير اسمه كارل فلينكر جمعته الصداقة بمانوشير يكتاي أثناء إقامته في باريس، وتؤكد اللوحتان تأثر موناشير يكتاي عن قرب بالمدارس الفنية الغربية والمؤثرات الجمالية المتعددة التي حدَّدت مسار إبداعاته ورحلته مع الرسم.
كذلك يتضمن قسم الفن المعاصر من مزاد «كريستيز» من أعمال الفنان التشكيلي السعودي المعاصر أحمد ماطر لوحة «إضاءات»، التي تقدم طريقة ذكية وفطنة لتجاوز المحظور المتعلق برسم جسم الإنسان في المجتمعات الإسلامية المحافظة. ولإيجاد ثقل موازِن لذلك، تستفيد أعمال أحمد ماطر من الزخرفة التي تأتي كإطار للنصوص الإسلامية التي عادة ما تكون مزخرفة ومذهَّبة. يُذكر أن لوحتين مشابهتين بعنوان «الوقف العثماني» هما الآن ضمن المقتنيات الدائمة لمتحف لوس أنجليس للفنون.
ويثير اهتمامي حديث هالة خياط عن الدورة التعليمية التي ستقدم على مدار يومي 13 و14 مارس. تقول إن الدورات التعليمية لها مريدوها وعلى قدر من الأهمية للمهتمين بالفنون.
من الدورة تبرز محاضرة تقدمها خياط حول تاريخ المقاهي في الفن ودورها في حياة الفنانين وتجسيدها في أعمالهم. هناك محاضرة أخرى حول حياة الفنان الفرنسي هنري ماتيس في المغرب، محاضرات أخرى تتحدث عن تاريخ الفن والأسواق الفنية وأيضًا حول سوق الحقائب.